شعار قسم مدونات

"الغرفة الصينية".. هل تتفوق الآلات على ذكاء البشر؟

الغرفة الصينية

هل سبق لك أن سمعت بالغرفة الصينية؟ لن يفاجئني جوابك بالنفي، لكنك حتما سمعت بالذكاء الاصطناعي. إذن فما هي الغرفة الصينية، وما علاقتها بالذكاء الاصطناعي؟ شكل منتصف القرن العشرين، المنطلق الأول نحو الذكاء الاصطناعي، والذي يهدف أساسا إلى محاكاة القدرة الذهنية البشرية وأنماط عملها، وتطورت الأبحاث في هذا المجال – رغم أنها كانت تتوقف بين الفينة والأخرى – إلى أن جزم البعض أن البرامج الحاسوبية، قادرة على مجاراة العقل البشري، وخصوصا بعد أن قام "روجر شانك" و"روبرت أبيلسون" بتجربة تمثل محاكاة فعلية للعقل البشري؛ مما زاد الطموح في أن يتطور الذكاء الاصطناعي، ليضاهي الذكاء البشري. حدث هذا في سبعينيات القرن العشرين، لكن عكسا لهذه التوقعات سنة 1980 قام "جون سيرل" بتجربة الغرفة الصينية التي ستغير الكثير من المعتقدات في هذا المجال.

 
نص تجربة "سيرل" كمايلي: "لنفترض أننا احتجزنا شخصا ما، لا يجيد إلا اللغة الإنجليزية، في إحدى الغرف. بداخل هاته الغرفة لا توجد إلا مجموعة من الوريقات تحوي مجموعة من الإرشادات. ولنفترض أن هناك شخصا في الخارج، يكتب مجموعة من الأسئلة باللغة الصينية على ورقة، ثم يرميها عبر فتحة إلى داخل هاته الغرفة. ليأخذها الشخص الذي بالداخل، ثم يجيب عليها مستعينا بالإرشادات الموجودة على تلك الورقات، التي تساعده بشكل مباشر على تكوين الجواب المناسب، ثم يرمي الشخص الذي بالداخل هاته الأجوبة عبر نفس الفتحة إلى الشخص الذي ينتظره بالخارج. فيتفاجأ هذا الأخير من أن الأجوبة صحيحة مئة في المئة، مما يعني أن الشخص الذي يقبع بالداخل، قد فهم الأسئلة واستطاع أن يجيب بشكل صحيح". لكن حقيقة فهذا الشخص لم يستطع أن يفهم الأسئلة، فكيف له أن يجيب إجابة صحيحة؟ 

كل ما في الأمر أنه استعان بالتوجيهات الموجودة على تلك الأوراق؛ ليستطيع أن يكون كلمات، تشكل جوابا ملائما لتلك الأسئلة. فهذا الشخص لم يفهم الأسئلة التي طرحت عليه، ولا الأجوبة التي كونها. بل كان الأمر كله عملية "أوتوماتكية" تتم باتباع إجراءات محددة بدقة، ولا تنم عن أي فهم للأمور. ما يحاول "سيرل" توضيحه هنا، أن الأنظمة الحاسوبية أشبه بالشخص المحتجز في الغرفة، فهي تقوم بعمليات أوتوماتكية، ولا تعتمد على الفهم. فهي تعالج المعلومات باتباع مراحل إجرائية محددة بدقة متناهية، لكنها ليست في حالة فهم مباشر لمجريات العملية.

بالتالي فإن "سيرل" ينفي النظرية القائلة بأن الذكاء الاصطناعي بإمكانه مجاراة العقل البشري، فالأول مبني على إجراءات "أوتوماتكية"، والثاني مستند بشكل أساسي، على فهم المعلومات ومعالجتها. وبالطبع كما هي العادة عند الفلاسفة، فتجربة "سيرل" لم تسلم من النقد والتفنيد. فقد رد عليه الماديون، بقولهم أن الشخص لا يفهم الصينية بشكل قاطع، لكن النظام بأكمله المكون من هذا الشخص بالإضافة إلى هذه المجموعة من التعليمات، بإمكانه فهم اللغة الصينية مما يدحض حجة سيرل.

وصل عدد الردود على تجربة سيرل، إلى أكثر من 200 حجة، لكنه استطاع الرد عليها كاملة وأهم ردين هما: رد "العقول الأخرى" و"رد المنظومة". يسعى سيرل من خلال تجربة " الحجرة الصينية" للبرهنة على أن الذكاء الاصطناعي، مهما تطور فلا يمكن أن يكتسب صفة العقلانية، وإنما سيبقى نظاما حاسوبيا يعمل وفق خطوات معينة. إذن فسيطرة الآلات على البشر – وهو الموضوع الذي نوقش كثيرا في أفلام الخيال العلمي – أمر مستبعد، مادام الإنسان هو الذي يتحكم في الآلات، ويبرمجها وفق رغباته وأهدافه. وسيبقى الأثر كما هو، ما لم تستطع امتلاك إدراكها ووعيها.

رغم التقدم التكنولوجي الفائق الذي يشهده العالم، فإن تأكيد أو نفي قدرة الذكاء الاصطناعي على مجاراة دماغ الإنسان أمر بعيد المنال. خصوصا وأن الذكاء البشري لا تزال تسوده أجواء من الضبابية والغموض، ولم تتضح معالمه بعد. فأنى لنا مقارنة الذكاء الألي، بذكاء بشري لا تزال معالمه غامضة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.