شعار قسم مدونات

إذا كنت تملك هاتفاً محمولاً فأنت صحفي!

BLOGS صحافة المواطن

في أحد مشاهد الفيلم التركي (هذا ما بقي منكِ لي) يقوم الشاب الذي ورث الملايين عن جده، بإحياء حفلة عيد ميلاده، وحين يتصرف بتهور في الحفل يجد صوره في صباح اليوم التالي وقد نُشرت في إحدى الصحف، فيسأل محاميه: لم يحضر اَي صحفي إلى حفل عيد ميلادي من الذي نشر الخبر والصور برأيك؟ فيجيبه المحامي: كل شخص اليوم يملك هاتفاً محمولاً، إذن الكل صحفيون!

لانتشار الهواتف المحمولة جانبان أحدهما سلبي والآخر إيجابي، فرُغم أن الهواتف المحمولة اُستخدمت مِراراً في اقتحام خصوصيات الأخرين ونشر جوانب من حياتهم الشخصية وتحرير صورهم بالشكل الذي يُسيء لهم، إلا أن لها جانب إيجابي أيضا يتمثل في مساعدة الأشخاص على توثيق الأحداث والحوادث التي لم يستطع الصحفيون توثيقها لأسباب فنية أو سياسية أو أمنية او اجتماعية.

 

ففي (ثورات الربيع العربي) على سبيل المثال، ساهم المُتظاهرون في نشر صور ومقاطع فيديو عن تطورات الأحداث بشكل يومي رُغم قيام السلطات الأمنية بقمع التظاهرات واستهدافهم وقطع خطوط الإنترنت. في الدول التي يستشري الفساد في مؤسساتها، يقوم الموظفون بنشر المستندات والوثائق والسجلات بهدف الكشف عن الفساد المالي والإداري المستشري، كما أدى بعض مقاطع الفيديو بآباء وأمهات إلى السجون، كمقطع الفيديو الذي يُظهر اُما تقوم بضرب أحد أطفالها الصغار بقسوة.

انتشر العديد من المصطلحات فيما يتعلق استخدام المواطنين للهواتف المحمولة في نشر الأحداث كمصطلح صحافة المواطن وصحافة الشارع والصحافة الشعبية ويقابلها باللغة الإنكليزية (street journalism) وباللغة الألمانية (Bürgerjournalismus) أو (Graswurzeljournalismus)، وأجريت العديد من الاستطلاعات والبحوث في الجامعات ومراكز البحوث للوقوف على تأثير صحافة المواطن في تشكيل الرأي العام وتوفير المعلومات والمشاركة في الأحداث واُضيف مفهوم (صحافة المواطن) إلى الأدبيات الصحفية كنوع جديد، إذ يتم تدريسه اليوم في العديد من أقسام الإعلام في الجامعات والمعاهد.

اهتمام إعلامي بنتاج المواطنين
لم يعد نشر نتاج المواطنين من صور ومقاطع الفيديو مقتصراً على وسائل الإعلام التقليدية، بل أصبحت هنالك قنوات خاصة يمكن عن طريقها الوصول بسهولة ودون عائق إلى العالم كمواقع التواصل الاجتماعي

اهتمت وسائل الإعلام منذ انتشار الهواتف المحمولة الحديثة بمساهمات المواطنين المتمثلة بالصور ومقاطع الفيديو، وذاع صيت العديد من البرامج التلفزيونية التي تعرض لمقاطع فيديو يصورها المواطنون، إذ عرضت القنوات الأمريكية والألمانية والبريطانية برامج لاختيار أفضل مقاطع الفيديو المنزلية ومُنحت جوائز مغرية للفائزة منها، فقد نشرت قناة CNN الأمريكية تقريراً ذكرت فيه أن ٣٦ من القصص المثيرة التي عرضتها القناة عام ٢٠١٣ كان مصدرها صحافة المواطن.

من جهتها اعتمدت القنوات العراقية عام ٢٠١٧ على مقاطع فيديو صورها جنود عراقيون أثناء تحرير المناطق التي احتلها داعش في محافظة نينوى تحديداً، واعتمدت معظم القنوات الفضائية الكردية أثناء المظاهرات التي شهدتها مدينة أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق) عام ٢٠١٧ على مقطع فيديو تم تصويره من قبل أحد المواطنين يظهر فيه عُنصر أمن ينهال بالضرب على أحد المُتظاهرين وهو مُعلم تجاوز عمره الستين، وأثناء مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا عام ٢٠١٨ نشر المواطنون العديد من الصور ومقاطع الفيديو والتي توثق اعتداء الشرطة الفرنسية على المتظاهرين حتى قبل أن تنشرها وسائل الإعلام.

 

من جانب أخر قام قادة مظاهرات السترات الصفراء بنشر مقاطع فيديو يحددون فيها مطالب المتظاهرين ومُطالبة الحكومة بتحقيقها، فكانت بمثابة قنوات معلوماتية لتبادل الرسائل ووجهات النظر بين المتظاهرين وحكومة إيمانويل ماكرون، كما قاموا بنشر مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي لإعلام الفرنسيين بأماكن التظاهرات ومواعيدها بهدف ضمان مشاركة أوسع من قبل أطياف الشعب الفرنسي، وهنالك العديد من المواقف العاطفية والإنسانية التي صورتها أجهزة محمول المتظاهرين والتي أثار الرأي العام في فرنسا والعالم أبرزها مخاطبة الشرطية الفرنسية المتظاهرين في الكف عن إلحاق الضرر بباريس عاصمة الفن والجمال.

وصل الأمر إلى ازدياد حجم اعتماد الجمهور على صحافة المواطن في الحصول على المعلومات يوماً بعد أخر، في دراسة اُجريت في مصر عام ٢٠١٤ تبين أن ٧٥% من الشباب يتابعون صحافة المواطن للحصول على المعلومات، كما نُشر استطلاع في بريطانيا عام ٢٠١٤ تُبين نتائجه أن ٧٦ % من البريطانيين يعتمدون على صحافة المواطن في الحصول على الأخبار وعدت وكالة الأنباء البريطانية رويترز صحافة المواطن بمثابة مصدر جديد لوسائل الإعلام.

استطاعت صحافة المواطن تجاوز حدود نشر الصور ومقاطع الفيديو إلى التأثير على اتجاهات الناخبين، ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة في ألمانيا قامت قنوات اليوتيوب وهي قنوات يديرها بضعة أشخاص ويمكن مشاهدة برامجها في اليوتيوب فقط، بإجراء حوارات مع أنجيلا ميركل وسياسيين أخرين بهدف توضيح وجهات نظرهم بخصوص مختلف القضايا قبيل إجراء الانتخابات، ويصل عدد مُتابعي هذه القنوات إلى ٦ ملايين متابع.

المواقع الاجتماعية وصحافة المواطن

لم يعد نشر نتاج المواطنين من صور ومقاطع الفيديو مقتصراً على وسائل الإعلام التقليدية، بل أصبحت هنالك قنوات خاصة يمكن عن طريقها الوصول بسهولة ودون عائق إلى العالم كمواقع التواصل الاجتماعي، إذ يقول توبياس إبروين كبير العلماء في معهد بحوث الوسائط والاتصالات المقارنة في الأكاديمية النمساوية للعلوم وجامعة ألبين أدريا يونيفيرسيتات كلاغنفورت: "تُظهر (صحافة المواطن) كظاهرة أن الشبكات الاجتماعية تتيح أمام المواطنين نشر نتاجاتهم بسرعة فائقة وأن هناك عددًا كبيرًا من المشاريع الإعلامية عبر الإنترنت مملوكة للمواطنين والتي يتم تشغيلها من قبلهم – بغض النظر عن المصالح الاقتصادية والسياسية ويتم التعامل مع مجموعة واسعة من المواضيع وهنالك المزيد والمزيد من المنصات التي تعتمد على المواطنين ويتم فيها تقسيم العمل ومتابعة الأحداث ونشرها بشكل ناجح".

نشر صور الأحداث دون التقيد بالمقبولية أو الإضرار، فمشاهد الدماء وما يؤثر سلباً في سير المحاكم أو يُشكل تهديداً للأمن القومي أبرز سلبيات صحافة المواطن
نشر صور الأحداث دون التقيد بالمقبولية أو الإضرار، فمشاهد الدماء وما يؤثر سلباً في سير المحاكم أو يُشكل تهديداً للأمن القومي أبرز سلبيات صحافة المواطن
 

كسبت صحافة المواطن الرهان الواحد بعد الآخر، خاصة في الدول المتقدمة نظراً للتركيبة السياسية المُشجعة على جمع المعلومات وتصوير الأحداث بالهواتف المحمولة وعدم وجود أي تبعات سياسية أو أمنية مُترتبة على معرفة هوية المواطنين، على عكس الدول التي تحكمها أنظمة سياسية شمولية، فقي العراق تعرض العديد من المواطنينإالى التهديد بعد أن كشفت أجهزة الأمن العراقية والمليشيات التابعة للأحزاب السياسية بأن هؤلاء يديرون صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي لنشر ملفات الفساد وعمليات تصفية المعارضين، ووصل الخشية من تأثير دور صحافة المواطن إلى إصدار مجلس الوزراء العراقي عام ٢٠١٦ تعليمات بشأن مُعاقبة موظفي الدولة في حال انتقادهم لعمل المؤسسات الحكومية في مواقع التواصل الاجتماعي.

مشاكل صحافة المواطن

بقدر ما لظاهرة صحافة المواطن من إيجابيات، إلا أن لها سلبيات أيضاً، بدءاً يعترض الباحث والصحفي الأمريكي جيريمي بورتر على مصطلح صحافة المواطن ذلك أن المواطنين لا ينتمون إلى أي مؤسسة إعلامية ولا تتوفر في (تغطيتهم) المهنية كما أنهم لا يحترفون الصحافة، لذا يقترح مصطلح (صحافة الشهود) بدلاً من (صحافة المواطن).

هنالك نقاط أخرى يمكن الإشارة ليها على أنها سلبيات:
– لا يمكن اعتبار نتاج المواطن (صورة أو مقطع فيديو أو معلومات) عملاً مُتكاملاً، ذلك ان هذا النتاج لا تتوفر فيه العناصر الاحترافية المتوفرة في تقرير تلفزيون يُعده مُراسل تلفزيوني على سبيل المثال.

– غالباً ما يحتوي نتاج المواطن على قدر أكبر من الإشاعة وعدم الدقة، إذ يقول أحد الصحفيين الألمان "يومياً هنالك المئات من المعلومات غير الدقيقة التي تصدر عن صحافة المواطن، وتؤدي بدورها إلى أن يشكك الجمهور في صحتها".

– في الوقت الذي يتصف نتاج وسائل الإعلام بأن العاملين الذين يقومون بإعدادها ونشرها معروفين للجمهور، فإن المصادر في صحافة المواطن غالباً ما تكون مجهولة خاصة في الدول الشمولية لدواعٍ أمنية وسياسية.

– الإمكانيات المتواضعة التي يملكها المواطن، فهو يمتلك في أحسن الأحوال هاتفاً محمولا مرتبط بالإنترنت، مع عدة تطبيقات لتحرير الصور ومقاطع الفيديو، لذا لا يرتقي النتاج الذي يقدمه فنيا وإعلاميا إلى النتاج الذي تقدمه وسائل الإعلام.

– نشر صور الأحداث دون التقيد بالمقبولية أو الإضرار، فمشاهد الدماء وما يؤثر سلباً في سير المحاكم أو يُشكل تهديداً للأمن القومي أبرز سلبيات صحافة المواطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.