شعار قسم مدونات

حينما أصبح الظلام نورا

blogs قرآن

خرجت هذه الأيام أصوات تلبس ثوب الدين تدعوا إلى التجديد والانقلاب على ما هو قديم مبدية رغبة في إنشاء روح جديدة للأمة الإسلامية بما يوافق تغيرات العصر حيث أصبحوا يدعون العقل الإسلامي إلى عدم الاعتماد و“الاستنجاد” بالأموات من التابعين والمجتهدين والأئمة رحمهم الله، واصفين الوضع الحالي بالأزمة الخطيرة جدا والذي لا يمكن أن يظهر صورة الإسلام الحقيقية الذي يعتمد على اجتهادات أئمة لا يعيشون نفس العصر.

واصفين العقل الإسلامي الحي بالخامل والذي يستنجد في أحكامه من عقول أكل عليها الدهر وشرب. فالسامع لهم يعجبه لحن قولهم معتمدين في ذلك على الحماسة وهستيريا تثير الانتباه ولا يتوقفون في مدح الإنسانية التي جاء بها الغرب وعكس ذلك يكاد يرمي جميع المسلمين بالتطرف والعصبية. هؤلاء لا يوالون إلا منظمات مشبوهة بالعمالة للغرب نفسه والهدف الحقيقي منها غير الظاهر، إذ يتبين بأنها منظمة سياسية تعمل على نشر الأفكار والأجندات الخاصة الغربية عبر استغلال الدين الإسلامي في هذا المجال والسؤال من يؤطر هذا الجرم المشهود؟ 

إن الظروف الحالية وخصوصا بالشرق الأوسط منحت الضوء الأخضر لهؤلاء الشراذم بالعمل وتغذيت عقول الشباب بالسموم في ظل التقارب الأمريكي السعودي الإماراتي والتي جعلت أئمتهم يدعون إلى مد يد السلام للغرب بانبطاح وانسلاخ من القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية. وما كان لا يجوز فعله شرعا بالأمس تغير وأستحب فعله والغاية دوما انشاء جسور تقارب فكري وان كان عاهرا.

 

دائرة الإسلام واسعة وأوعب لأشتات الناس مما يعتقد الكثيرون وأن الإسلام أرفع وأجل من يكون تجارة ترتفع ويسقط ثمنها وأن أثر السلف محفوظ في قلوب الناس قبل أن يحفظ في الكتب ولن تغيره ألسنة السوء

والأمر من ذلك حيث أصبح كل من يعادي الغرب ويعادي سياستهم وخططهم ومكائدهم وإن جاروا عليه فهو متطرف المعتقد إرهابيا خارج على ملة الإسلام وكأنهم يقومون باحتكار الدين واختزالهم لأنفسهم.. متناسين كل قضايا الأمة وأوجاعها وأهمها القضية الأولى والأهم قضية القدس التي وإن لم أقل فقد خانوا عهد أباءهم قبل أن يخونوا رسالة الإسلام.

ولأننا استهلاكيون فقط فقد فرضت علينا بطوننا وعقلونا وملذات الحياة أن نتعامل مع الغرب بشروطهم موظفين كل الطرق من أجل التحكم في عقولنا وطريقة عيشنا وفيما نحب وما نكره مجندين أبناء أمتنا علينا.. ماذا لو كنا الأعلون في الإنتاج وفي شتى مجالته سواء مادية أو روحية وكنا رياديين في صناعة العقول الراجحة التي إذا أدركت الحق فعلته ماذا لو كانوا يحتاجوننا ولا نحتاجهم؟ لما خرج علينا هؤلاء الذين يحاولون دفن التاريخ الحضاري الإسلامي والشواهد ما زالت قائمة والحقائق لن تطمسها أكاذيبهم.. أين نضع اجتهادات من رحلوا من علماء وتركوا المورث من الرسائل والكتب وأخص بالذكر الشيخ محمد الغزالي في وصفه للغرب وخططه لتصدي للظلام القادم منهم وهو الذي منح عمره ينصح الأمة ويكشف المكائد ويضع سبل النجاة ماذا لو كان بيننا ماذا ستكون ردة فعله؟

جذور "الكراهية" التي تسقيها وترعاها مؤسسات السيطرة الغربية ضد الإسلام كانت البارحة واضحة واليوم يحاولون إخفائها محاولين تهوين الخلاف الأزلي والذي لا ينتهي سواء كان صراع سياسيا أو عسكريا، بل حتى صراع فكري وفلسفي. والتي ما زالت تتوارث عبر أجيالهم منذ فجر الإسلام حتى الآن حتى بعد علمنة الفكر الغربي والمجتمعات الغربية.

ملخص القول يجب دق نقوس الخطر والالتفات إلى إشكالية الانبطاح للغرب والتي قد تتبلور وتثير فتنة دينية داخل الوسط الإسلامي ويحدث ما لا يحمد عقباه. ويجب أن نوصل رسالة موحدة المفاهيم مقصودها أن دائرة الإسلام واسعة وأوعب لأشتات الناس مما يعتقد الكثيرون وأن الإسلام أرفع وأجل من يكون تجارة ترتفع ويسقط ثمنها وأن أثر السلف محفوظ في قلوب الناس قبل أن يحفظ في الكتب ولن تغيره ألسنة السوء وأن الحق منتصر مهما طال الزمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.