شعار قسم مدونات

هكذا ستكون ملامح الأزمة الاقتصادية في الجزائر عام 2019

blogs الجزائر

حذر مركز تحليلات مجموعة الأزمات الدولية في شهر نوفمبر الفارط وقبل دخول السنة الجديدة الجزائر من اقتصادها الذي يعتمد على المواد الهيدروكربونية وأكد على الحاجة الملحة لتطبيع مجموعة من الإصلاحات لتنويع اقتصادها الوطني وتجنب حدوث أزمة اقتصادية في وقت مبكر من عام 2019.

  

الجزائر التي تستمد معظم عائداتها من النفط عانت من انهيار أسعاره ما بين 2014 و2017. لكن "الحقائق المالية الجديدة لم تعد تسمح بالحفاظ على مستوى الإنفاق العام العالي خلال السنوات العشر الماضية". تقول ICG في تقرير بعنوان "التغلب على الشلل الاقتصادي للجزائر"، والذي سرعان ما سيصيب خزينة الدولة بالشلل.

 

على الرغم من وعود الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات وإعادة توازن المالية العامة، فإن الشلل السياسي قد أعاق أي إجراء حاسم . ويعزز هذا الشلل حالة عدم اليقين المحيطة بترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، 81 عاما، لولاية خامسة في أبريل القادم. على الرغم من انتعاش أسعار النفط، كما يمكن يمكن للأزمة الاقتصادية ضرب البلاد في وقت مبكر من عام 2019″التي يمكن أن تصبح عملا محركا للتوترات المحيطة بالرئاسة"

 

فاتورة الواردات لا تزال تؤثر بشدة على نظام المالية العامة. حيث أنه يجب ألا يتجاوز المبلغ حدود 30 مليار دولار (حوالي 25 مليار يورو) لعام 2018، مقابل 41 مليار في عام 2017، وفقاً لأهداف الحكومة التي أدخلت تدابير تقييدية

ونقل التقرير "إن السلطات تدرك أن النموذج الحالي يفقد قوته ولكنه يصارع من أجل تصحيحه"، مشيرا للاحباط الشعبي لأن الإصلاحات الاقتصادية "تميل إلى التأجيل". و وفقا ل ICG هناك عاملان يشلان هذه الإصلاحات: "جماعات المصالح" المؤثرة التي "تدافع عن الوضع الراهن" والتي ترتبط بالحرب الأهلية (1992 – 2002) التي ولدت من المشاكل السياسية والاجتماعية التي أعقبت التقشف من 1980s و1990s.

 

ويعتقد المركز أن التخفيضات في الميزانية و"السياسة النقدية التوسعية، التي تغذي التضخم ولا تسمح إلا للحكومة بشراء الوقت دون معالجة المشاكل الأساسية، غير كافية". وأضاف "في نهاية المطاف، لا يمكن للجزائر الاكتفاء بإجراء تعديلات فنية بسيطة على سياستها الاقتصادية"، معتبراً أنه لا مفر من إعادة التفاوض على "العقد الاجتماعي الضمني" في البلاد، ولا يزال الاقتصاد الجزائري يتسم بتدخل الدولة القوي. ويعتمد على سياسة الدعم النفطي الوقود والماء والطاقة والصحة والإسكان والمنتجات الأساسية.

 

إن الاقتصاد الجزائري في أزمة حقيقية واحتياطيات البلاد تذوب واستراتيجية الحكومة الجزائرية محفوفة بالمخاطر. يجب أن تنوع الدولة في اقتصادها إيجاد التوازن. كيف تخرج من نظام الأقساط الذي يعيق مستقبل الجزائر؟ هناك حاجة ملحة لتنويع االقتصاد باعتباره الزمة التي تؤثر على البلد منذ استمرار صدمة النفط في 2014، والمؤشرات الاقتصادية المتوقعة لعام 2018 تؤكد هذا الضعف.

 

إن فاتورة الواردات لا تزال تؤثر بشدة على نظام المالية العامة. حيث أنه يجب ألا يتجاوز المبلغ حدود 30 مليار دولار (حوالي 25 مليار يورو) لعام 2018، مقابل 41 مليار في عام 2017، وفقاً لأهداف الحكومة التي أدخلت تدابير تقييدية (تراخيص الاستيراد على وجه الخصوص). ىويرجع ذلك إلى أن احتياطيات البلاد تتذبذب بوتيرة مقلقة بالنسبة لاقتصاد ما زال في حالة توقف تام. يصرح المختصون أن النمو لن يتجاوز 0.8 ٪ في عام 2018، ولن يكون تحسين سعر البرميل، الذي تم تسويته فوق 50 دولارًا، كافيًا لإعادة التوازن إلى الحسابات. من المتوقع أن يصل عجز الميزانية إلى حوالي 15 مليار دولار على الرغم من التوقعات بتحقيق 35 مليار دولار من عائدات النقد الأجنبي.

 

لا يتوقع أي يكون هناك أي توازن قبل خمس سنوات، وهو الموعد النهائي الذي حددته السلطات، ولا سيما عن طريق تشغيل نظام طبع الأموال. مع خطر استئناف التضخم، وهو الأمر الذي وضع الشعب الجزائري في الساتر الأمامي في مواجهة أزمة الضخم وانهيار القدرة الشرائية. ولا يزال معدل البطالة أعلى من 10 ٪ ولا يزال مرتفعا بين الشباب (27 ٪) والنساء (20 ٪). من بين مليون شركة صغيرة ومتوسطة في البلاد في عام 2016، أغلقت 35000 شركة.

  

و إذا كان هناك هبوط لأسعار النفط مرة أخرى وفشلت الحكومة في تخفيض فاتورة الواردات، فسيكون الاقتصاد الجزائري في مشكلة كبيرة. حيث لم يعد البلد يمتلك المدخرات المتراكمة خلال السنوات الجيدة في صندوق تنظيم الإيرادات (FRR)، الذي استنفد الآن تقريبا، في حين أن احتياطيات النقد الأجنبي، التي تضمن الواردات، تخسر 1.5 مليار دولار كل شهر. من 194 مليار في أوائل عام 2014، ارتفعت إلى 102 مليار في سبتمبر 2017، ويمكن أن تصل، وفقا للأرقام الحكومية ،الى 85.2 مليار بداية عام 2019، أي ما يعادل 18.8 شهرًا من الواردات.

 

لكن الساسة في الجزائر يعرفون الصيغة التي من شأنها إحياء الاقتصاد. ولا يتردد صندوق النقد الدولي في صياغة توصياته: إعادة التوازن المالي، وتعزيز المالية العامة، والسيطرة على الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات غير الهيدروكربونية، وخفض الدعم، إن برنامج الإصلاح كبير مثل الإمكانات الاقتصادية الجزائر نفسها. كما يجب على الحكومة أيضا استعادة الثقة في القطاع الخاص، والذي بدونه لن تكون قادرة على تطوير البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها، بينما خسرت الجزائر 10 أماكن في تصنيف "ممارسة الأعمال" في عام 2018، والذي يحتل المرتبة 166 من أصل 190 دولة.

 

ينطوي تطوير اقتصاد تنافسي في الجزائر على انخفاض في إيجارات القطاع الخاص وبالتالي إمكانية التواطؤ بين القطاعين العام والخاص

مشكلة أخرى متكررة سبق ذكرها، تخلف النظام المالي الجزائري. وقد سمح ذلك "بعزلة" معينة للاقتصاد الجزائري مقارنة بأزمة النظام المالي الدولي 2007-2008. ومع ذلك، فإن الاقتصاد الجزائري، إذا كان يريد تطوير في الاقتصاد في المستقبل أقل اعتمادا على النفط والغاز وقطاع خاص تنافسي، يحتاج هيكليا قطاع مصرفي قادر على اختيار المشاريع الاستثمارية الأكثر فعالية. القطاع المصرفي الجزائري والجمهور في 90٪، قوي نسبيا ورسملة جيدة مما أدى إلى انخفاض نسبة القروض المتعثرة من إجمالي القروض من 22٪ في 2007-18 في عام 2008. ومع ذلك، لا يزال القطاع المصرفي الجزائري لا يستثمر تمويله للقطاع الخاص بما فيه الكفاية.

 

يمكن أن تكون خصخصة البنوك العامة حلاً شريطة أن يكون مصحوبًا بتغيير حقيقي في أساليب الإدارة التي من شأنها أن تفضي إلى عدم وجود مخاطر، وتفضل تخصيص التمويل لشركات القطاع العام الكبيرة. ربما كان أكثر أهمية من خصخصة القطاع المصرفي هو إنشاء نظام لتقييم المخاطر يسمح بتنمية الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة والمستهلكين في القطاع الخاص.

 

أخيراً، تبقى مسألة عواقب عضوية منظمة التجارة العالمية بدون حل، حيث لا تزال الجزائر تتفاوض بشأن هذه المسألة. السؤال بسيط: كيف يمكن لاقتصاد يعتمد على الجزء الأكبر من صادراته من النفط والغاز أن يكون قادراً على تحمل صدمة تحرير تجارته الخارجية؟ وهكذا يمكن للمرء أن يعتقد أنه إلى جانب جميع الإصلاحات التي سبق ذكرها، من الضروري أن تتفاوض السلطات الجزائرية على فتح تدريجي لاقتصادها.

 

يجب على الدولة أيضا أن تضع بيئة أعمال تسمح بتطوير قطاع خاص تنافسي. في هذا الصدد، من الضروري أن يتم تطبيق القوانين واللوائح بشكل عقلاني، مما يقلل من عدم يقين القطاع الخاص في هذا المجال وبالتالي يقلل من تكاليف المعاملات. إن إنشاء اقتصاد تنافسي يشمل أيضاً تشجيع تطوير قطاع خاص تنافسي على حساب أصحاب المشاريع الذين يعيشون في الغالب على نظام الريع

 

في الختام، يجب التأكيد على أن معالجة مسألة الإصلاحات الرامية إلى جعل الاقتصاد الجزائري أكثر قدرة على المنافسة مع دور أكبر للقطاع الخاص يعني أيضا معالجة قضايا الرعاية وعدم استقلالية النظام الاقتصادي مقارنة للنظام السياسي. كما ينطوي تطوير اقتصاد تنافسي في الجزائر على انخفاض في إيجارات القطاع الخاص وبالتالي إمكانية التواطؤ بين القطاعين العام والخاص.

 

من ناحيتي، أعتقد أنه كان على الجزائر أن تنشئ صندوقها السيادي منذ فترة طويلة. خلال أزمة الرهن العقاري، ارتفع إجمالي الأصول الخاضعة لإدارة صناديق الثروة السيادية في العالم من 3 تريليون دولار في عام 2007 إلى 5 تريليون دولار في عام 2011. وهذا يبين بوضوح أن الدول استغلت فرصة هذا أزمة لاكتساب المعرفة والتكنولوجيا. إذا كان لدينا صندوق سيادي، فإن ذلك كان من شأنه أن يمنحنا الأذرع لتنويع أسرع لاقتصادنا.بالإضافة إلى ذلك، في سياق تراجع عائدات الهيدروكربون والتباطؤ الاقتصادي، فإن الصندوق السيادي سيكون أداة عظيمة لتحقيق الاستقرار في ميزانية الدولة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.