شعار قسم مدونات

إسلام القرن 21 ورحلة البحث عن معجزة!

blogs قراءة القرآن

الإعجاز العلمي بالقرآن.. هذه مشكلة كبيرة جداً، لا تخدم الدين بالقدر الذي تُنفر الإنسان منه. فنحن بإطلاقنا لفظ إعجاز نُدخل الدين (الإسلامي) في صراع خطير جداً مع العلم، كما هو الحال في أوروبا. والواقع أن الدين الإسلامي دين يتجه نحو الطبيعة، والقرآن لا يصارع العلم بل يحمل بين ثناياه دعوة للتوجه نحو الطبيعة، دعوة لربط التأمل بالملاحظة (الملاحظة هي الأساس الوحيد الذي تُبني عليه فلسفة العلم)، وهو أمر غير مألوف في الأديان (لأنها تقتضي الإيمان بغيبيات).

رحلة البحث عن معجزة:

نحن الآن في القرن الـ21 وفي جميع بلاد العالم الإسلامي، لا توجد دولة يتكلم شعبها باللغة العربية الفُصحى، لا توجد مساحة للغة في أحاديثنا إطلاقاً، وهي ليست ذا أهمية كبيرة عندنا، لذلك لن ننتبه كثيراً للإعجاز اللغوي، وأنا أقول إعجاز هنا متعمداً، لأن القرآن جاء مُتحدياً لُغة العرب، لأنه مع ظهور الدين في قوم، لابد من معجزة تتحداهم ليلتفوا حول الفكرة الجديدة ويخضعوا لها ولتعاليمها، وهو نزل في قوم يتذوقون اللغة كتذوقهم للطعام، هم غريقون فيها بالقدر الذي جعلهم يُقيمون أسواق لها، ويبارزون بعضهم بعضاً فيها ويفاخرون بها، اللغة العربية التي كانت تُشكل هويتهم، جاء مُتحدياً الهوية ليُغيرها من العربية إلى الإسلامية.

ونذكر هنا موقفين:
لقد روُينا أن النبي محمد كان يقرأ في المسجد سورة غافر، وكان الوليد بن المغيرة يسمعه، فلما أنتهى، أنطلق الوليد لمجالس قريش وقال لهم (والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه). وروينا أيضاً عن عتبة بن ربيعة وهو يصول ويجول في مفاوضات بين محد وقريش، فلما قراء عليه النبي سورة فصلت أنطلق إلى قريش بوجه متغير لاحظه أهل المجلس، فقالوا له ما ورائك فقال (ورائي أني سمعتُ قولاً والله ما سمعت مثله قَطُّ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة).

المُشكلة محدثة عندنا في العالم الإسلامي، وأعتقد أن زناد انطلاقها هي الأيديولوجيات التي تفصل الدين عن الدولة، وهي أوروبية، وسبب ظهور هذه الإيديولوجيات نلاحظه في تاريخ أوروبا

كانت لهم قدرة على التفريق بين كلام السحر والكهانة والسجع وكلام البشر والجن والإله، بمجرد السماع فقط، فكانت اللغة الاختيار الوحيد هنا. انتشرت الفكرة الجديدة انتشار النار في الهشيم، وقامت إمبراطوريات كبرى (الخلافة، والأمويين والعباسيين والأندلسيين والعثمانيين) فلم نعد نحتاج إلى معجزة الآن، نحتاج دراسة محتويات هذا الدين وموقفه من الكون والإنسان بكل ما فيه.

الدين والعلم.. أصل الصراع:

المُشكلة محدثة عندنا في العالم الإسلامي، وأعتقد أن زناد انطلاقها هي الأيديولوجيات التي تفصل الدين عن الدولة، وهي أوروبية، وسبب ظهور هذه الإيديولوجيات نلاحظه في تاريخ أوروبا. في أوروبا تاريخ العالم يقسم إلى عصور بدائية ووسطي وحديثة، والوسطى كانت عصور ظلام على حد وصفهم لها، وكان الحاكم الفعلي في هذه الفترة الكنيسة، فكل ما خالف الكتاب المقدس، كل ما خالف فهم القائمين بشؤن الكنيسة هرقطة تستوجب القتل، فمثلاً:

– كوبرنيكوس حين قال بأن الشمس ثابتة والأرض تتحرك حولها عكس ما يقوله الكتاب المقدس، فحكم عليه بالقتل وحرقت كل مؤلفاته.

– وجاليللو بعد أن أخترع التلسكوب، وأثبت ادعاء كوبرنيكوس، حكم عليه بالإقامة الجبرية حتى تعفن في منزلة ومات.

– أصدرت قرارات تُحرِّم قراءة كتب جيوردا نويرنو، ونيوتن لقوله بقانون الجاذبية.

لا يحتوي القرآن على حقائق علمية جاهزة، وإنما يتضمن موقفاً علمياً جوهرياً.. اهتماما بالعالم الخارجي وهو أمر غير مألوف في الأديان عموماً
لا يحتوي القرآن على حقائق علمية جاهزة، وإنما يتضمن موقفاً علمياً جوهرياً.. اهتماما بالعالم الخارجي وهو أمر غير مألوف في الأديان عموماً
 

نحن أمام سلطة تؤمن بأن كتابها المقدس يحتوي على حقائق علميه، وكل ما خالفها كفر وهرقطة. فلما انتشلنا العلم إلى عصر النهضة الحالي كما تسمية أوربا كان من الطبيعي جداً أن نفصل الدين عن الدولة، وبهذا أن يعادي العلم الدين ويحاربه، الحرب سجال. كل شيء في العالم سيندرج إما تحت فئة الدين وإما المادة، والعلم لأنه يقوم على التجربة سيندرج تحت المادة، هو والدولة.

الغريب أننا لم نسمع عن قصة واحدة حدث في العالم الإسلامي، مع أنه في تلك الفترة كان في أوج تقدمة ونهضته، في الطب والفلك والهندسة.. إلى أخرها، لأننا بالأساس ليس لدينا مشكلة مع العلم. في الإسلام يستحيل تطبيق الممارسة العملية من البدائية، بل لتؤدي الصلاة لابد من ضبط الوقت والاتجاه بدقة لتؤدي بطريقة صحيحة. وهذا ما تحكمه حقائق علم الفلك، وتحتاج الصلاة إلى الحساب والإحصاء. والحج متصل بالسفر وضرورة الإلمام بحقائق السفر.

أخيراً.. موقف الإسلام من العلم:

لا يحتوي القرآن على حقائق علمية جاهزة، وإنما يتضمن موقفاً علمياً جوهرياً. اهتماما بالعالم الخارجي وهو أمر غير مألوف في الأديان عموماً. (يُشي) القرآن إلى كثير من الحقائق الطبيعية العلمية ويدعو الإنسان للاستجابة إليها. الأمر بالقراءة لا يبدو متعارضا في القرآن مع فكرة الألوهية بل جاء مقرونا بها "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"، الإنسان بمقتضى هذا الأمر لا يلاحظ ويفهم طبيعة خلقت نفسها بل الكون الذي أبدعه الله. الملاحظة هنا ليست بلا هدف أو خالية من الشوق إنما هي مزيج من العلم وحب الاستطلاع والاعجاب الديني، الذي يوجه الإنسان نحو اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
أنظر للآيات الأتية:

(البقرة 164)، (الأنعام 95-99)، (النحل 10-14)، (النحل 65 – 69)، (الأنبياء 33)، (الحج 45 – 46).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.