شعار قسم مدونات

أنت لست رقما في عمر الأيام

blogs تأمل

انفض غبار قلبك وروحك وجسدك، انفض غبار تراكمات أيامك وعمرك وما تركته في نفسك، بحاجة نحن للخروج من شرنقة ذواتنا ودواخلنا الكامنة التي تعرضت لعوامل تعرية أحدثتها ظروف الحياة ننتقل فيها من حالة إلى أخرى، تماما كما يحدث في تعرية الطبيعة التي تنفصل فيها الصخور والأتربة عن سطح الأرض في بقعة ما لتنتقل إلى بقعة أخرى. بحاجة نحن لننتقل من حالة إلى أخرى أكثر سداد وتوفيقا وأكثر نضوجا ووعيا، لحالة تناسب أفكارنا ومزاجنا وحياتنا الطبيعية الحقيقية، بحاجة لننتقل برؤانا وعقولنا لحالة أخرى تناسب تزايد أعمارنا.

نحن نقتل الجمال في كل شيء حينما نراه بنظراتنا القاتمة التي تنتصر لذاتها لا للموقف ولا للمعاني الجميلة التي تشتمل الأخوة والصداقة والقرابة وتلك العلاقات التي تربطنا ببعض مهما تداخلت ومهما اقتربت أو ابتعدت سواء بالقرب القلبي أو القرب المكاني والزماني أو العكس، فلا البعد ولا القرب يعكس دواخلنا الحقيقية التي نجتزئها في مراحل شتى من حياتنا، فندخل أشخاص في حياتنا ونخرج آخرين ولا أتحدث هنا عن صوابية أو خطأ هذا التصرف قدر الحديث عن تأثيرها على حياتنا، وعلى علاقاتنا بالآخرين التي تتعرض للشد والجذب والتي نخسر فيها البعض ونكسب فيها آخرين. لننشد الراحة في القرارات التي نتخذها.

والحقيقة التي لا فرار منها أننا نجيد العيش في جلباب أحزاننا بشتى التفاصيل بل ونتعمق كثيرا فيها فنستذكرها وإن كنا لا ننساها حتى في أجوائنا الفرحة التي تطل على استحياء على فترات متباعدة.. ليس تشاؤما أو نصرة للحزن القابع في ذواتنا إنما واقعا نعيشه تتداخل مسبباته بين طبيعة الشخصية التي قد تصل حساسيتها للحد الذي يجعل الحياة أقرب إلى موقد مشتغل يزداد اشتغالا مع كل نسمة هواء صغيرة كانت أو رياح هوجاء تعصف بكل شيء، والكارثة الحقيقة هي أن لا تزيدنا أرقام عمرنا خبرة في التعامل الصحيح مع مثل هذه التفاصيل.

من يحيا حياة المسئولية منذ نعومة أظافره يجعل طموحاته في مؤخرة أولوياته، لأن قائمته تطول، وهو يقينا ليس كمن يحيا حياته لنفسه فقط، فيضع أحلامه في مقدمة كل شيء

وما بين مسببات خارجية تتعلق بالبيئة المحيطة والظروف العامة التي تؤثر على كل مفصل من مفاصل حياتنا لأننا نعيش في بقعة صغيرة على خارطة هذا العالم الذي لا يتوانى عن تضييق حياتنا بوسائله غير المشروعة وحتى لا تبتعد كثيرا ونلوم العالم يخرج من بيننا من يكبل أرزاقنا وحياتنا ويفتك بطموحاتنا ويطرحها أرضا غير آبه بأية أعراف مجتمعية أو شرعية أو حتى إنسانية حاصرونا بكل ما اوتوا من قوة وتركونا نصارع التفاصيل اليومية التي تزيدنا إرهاقا وحساسية وقهرا ورغبة في الخروج من هذه الحالة المفروضة سياسيا واجتماعيا وذاتيا لكثرة الأعباء والمسئوليات التي اختار بعضنا أن يتحملها بينما يجلس آخرون يستمتعون بصوت زقزقة العصافير في شرفة منازلهم مع فنجان قهوة وصلت رائحتها النفاذة لأنوف أولئك الذين يركضون في حياتهم بلا كلل.

لن أجعل من الظروف هي الشماعة التي نعلق عليها واقعنا الذي لا يصل لمستوى متدني حقيقة من طموحاتنا لكن من لا يرى الظروف سببا للكثير من القرارات التي يتخذها الشخص، وإما تجعله في المقدمة أو المؤخرة فهو أعمى عمى لا علاج معه. فمن يحيا حياة المسئولية منذ نعومة أظافره يجعل طموحاته في مؤخرة أولوياته، لأن قائمته تطول، وهو يقينا ليس كمن يحيا حياته لنفسه فقط، فيضع أحلامه في مقدمة كل شيء، لأنه خال البال ووقته وماله وجهده لنفسه فقط، بل يعيش يومه بكل ما أوتي من رفاهية العمل والحياة والفكر، يمتلك الوقت لكل شيء ويجد من يسانده في رفعه نفسه.

مطلقا لن يتساوى الطرفان، ولن تتساوى المسئوليات ولن تتساوى الطموحات ولن تتحقق بالتزامن لكليهما ولو كانا في ذات المكان والسن والخبرة. فظروفنا الحياتية الخاصة لكل منا هي من تقرر أولوياتنا التي قد تكون إما رفاهية لأحدنا بينما هي أولويات اضطرارية في أبسط المفاصل الحياتية للآخر.. ومن ارتضى لنفسه شكل وطبيعة وظروف حياته لا يجب أن يمل أو يكل أو يقف ليقول اعتذر أنا لن أواصل الطريق …أريد أن اعيش لنفسي قليلا…سيجد صعوبة في إعادة ترتيب الأولويات التي تحتاج حقيقة بين الفينة والأخرى لإعادة الصياغة بطريقة مختلفة.

لست هنا أنظر وأكره التنظير وأكره أولئك الذين ينظرون على الناس وهم يجلسون في أبراجهم العاجية وهم في حالة ترف حياتي وفكري وروحي وجسدي، ولم يعيشوا ظرفا من ظروف الناس الطبيعية أو غيرها، لكنني هنا ألفت النظر لشيء اعتدنا العيش فيه بتراكماتنا النفسية والحياتية، بأعمارنا التي إن لم تكن زيادتها في الخبرات والمعرفة الجديدة كما العمر تماما فهي سدى وتزيد سنواتنا أرقاما فقط.

إذا لم تزدك سنوات عمرك خبرة ومعرفة فأنت لم تزد عمرا إنما زدت رقما، انفض غبار خبراتك القديمة وزد عليها وراجعها واستخدم أساليب جديدة مع الأشخاص والمواقف والأيام
إذا لم تزدك سنوات عمرك خبرة ومعرفة فأنت لم تزد عمرا إنما زدت رقما، انفض غبار خبراتك القديمة وزد عليها وراجعها واستخدم أساليب جديدة مع الأشخاص والمواقف والأيام
 

نحتاج لنفضة جديدة مع كل رقم جديد يضاف لأعمارنا نقيس فيه نجاحاتنا وإخفاقاتنا ونراجع فيها سلوكياتنا وتعاملاتنا، أولوياتها، فكلما زادت ارقام أعمارنا عاما ازدادت مسئولياتنا اتجاه حياتنا لتكون أكثر خبرة وحكمة وأكثر صدقا ونقاء وأكثر قربا من حياتنا الحقيقية التي تقربنا للآخرة بصالح لأعمال وخيرها.

كلما ازدادت أعمارنا رقما جعلتنا أكثر حرصا وحبا واهتماما لمن حولنا، جعلتنا أكثر روية في التصرف وأكثر انصافا وعدلا.. تجعلنا أكثر وعيا ودراية بمن حولنا وبالمواقف التي تمر علينا تجعلنا أكثر قبولا للواقع الذي لا نرغبه بتفاصيله المختلفة لنتقبله بعقولنا وليست بقلوبنا تجعلنا أكثر وعيا بالإيماءات والحركات والكلمات وأكثر قراءة فيها.

إذا لم تزدك سنوات عمرك خبرة ومعرفة فأنت لم تزد عمرا إنما زدت رقما، انفض غبار خبراتك القديمة وزد عليها وراجعها واستخدم أساليب جديدة مع الأشخاص والمواقف والأيام، اقرأ واستزد ورافق الأخيار ولا تركن بنفسك في زاوية ما، فلسنا مجرد أرقام في عمر الحياة نمضيها في تراتب مستمر بلا تجديد وبلا زيادة طردية مع كل عام في كل شيء يجعل حياتنا أكثر سهولة وليونة مهما تعددت الظروف والمشاغل والأعباء والمسئوليات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.