شعار قسم مدونات

ثورة يناير بين المغامرة والمؤامرة

blogs الثورة المصرية

فى مثل هذه الأيام كانت هناك آمال عريضة وطموحات شتى وتطلعات مشروعة، كانت هناك شجاعة غريبة وإصرار عجيب وتضحيات جمة في سبيل تحقيق الحرية والعيش الكريم والكرامة الإنسانية، حدث ذلك منذ ثمان سنوات تمر علينا الآن وكأنها الأمس أو كأنها حلم جميل دام للحظات لنستيقظ منه على واقع مرير أشد قسوة وأكثر إجراما من ذي قبل، وهذا الواقع سواء كان السبب فيه أخطاؤنا وسذاجتنا أو بتآمر الآخرين لكنه واقع نعيشه الأن ونحتاج إلى تغييره .

 

راح الشباب في مثل هذه الأيام يسطر صفحة ناصعة من صفحات التاريخ بحروف من دماء كتبت سطورا للنضال ضد الظلم والفساد ومن واءه شعب كان يتوق إلى حرية التنفس أو إن شئت تنفس الحرية .إن الحديث عن ثورة يناير لن ولم ينتهى بعد، ومهما حاولت الأقلام أن تكتب عنها فلن تكون كافية لوصفها والإحاطة بجميع أحداثها كونها من أعظم الثورات في التاريخ المصري والعربي .ومهما حاول المدلسون وأصحاب المصالح وأعداء الثورة أن يغيروا ويزيفوا أحداث الثورة ويصفونها بالمؤامرة فلن يفلحوا في ذلك لأن التاريخ الأن يّسجل بالصوت والصورة.

 

أمريكا تركت المجال مفتوح ورفعت حمايتها عن الأنظمة الديكتاتورية في الربيع العربي لترى نتائج هذه التجربة لكنها سرعان ما أدركت الحقيقة وقتلت التجربة في مهدها

لقد كانت ثورة يناير مغامرة عظيمة وشيقة وصعبة في نفس الوقت ولم تنتهى حتى وقتنا هذا ولا تزال متوهجة في صدور من يؤمنون بها، نعيش كل يوم في إحدى حلقاتها، فهى مغامرة كانت بدايتها هتاف وتجمع سقى الأرض بعد سنوات عجاف وإرهب كل السلاطين الضعاف، ومسيرة ضمت في خضمها من لا يخشى الظلم أو يخاف .كانت البداية صعبة ولكن سرعان ما بدأ يلوح الفجر بعد الليل العصيب ومع بذوغ هذا الفجر الجديد تلألأت مصر كأنه يوم عيد وكَبُر الحلم وزاد التطلع وتربص الأعداء وأصحاب المصالح وبدأ فصل جديد من المعركة، معركة تسيكر العظام، فتارة بشق الصف وأخرى بتأليب الرفقاء.

    

لم يتنبه أصحاب الثورة لتلك المؤامرات وحاولات الافشال وسرقة الثورة إلا بعد أن أفاقوا على صدمة الإنقلاب، والغريب أن البعض يظن حتى الآن أنه كان انقلابا على الرئيس مرسي أو جماعة الاخوان فقط ولا يعرفون أنه كان انقلابا على الثورة ومبادئها ويتم عقاب كل من شارك فيها بل الشعب المصري كله لأنه قام بتلك الثورة عدا أذناب النظام وأوليائهم .

 

وأتعجب ممن يعلو صوتهم هذه الأيام ويتحدثون بأن ثورة يناير والربيع العربي مؤامرة أمريكية غربية وهنا أتساءل. أي مؤامرة هذه التي تمنح الحرية والممارسة الديمقراطية والاستقلال في القرار السياسي وتفرز أول رئيس مدنى منتخب؟! وإذا كانت بالفعل مؤامرة فلماذا تم الانقلاب عليها ؟! ولماذا رعت إمريكا والغرب وروسيا والخليج هذا الانقلاب؟ الإجابة واضحة، إن الخطر الأكبر لأمريكا والغرب أصبح الديمقراطية وتطبيقها في الشرق الاوسط، لأنها ومن خلال التجربة افرزت أنظمة مستقلة غير تابعة لها .

 

والحقيقة أن أمريكا تركت المجال مفتوح ورفعت حمايتها عن الأنظمة الديكتاتورية في الربيع العربي لترى نتائج هذه التجربة لكنها سرعان ما أدركت الحقيقة وقتلت التجربة في مهدها حين علمت بمدى الخطر الذي تمثله عليها وعلى مستقبل الهيمنة على دول الشرق الاوسط والربيع العربي وهذا ما اعترف به بمبيو مؤخرا وقت قدومه إلى مصر.

 

مسؤلية إنقاذ هذه الثورة من عثراتها ومنعطفاتها تقع على عاتق كل من شارك فيها وآمن بمبادئها، وإنقاذها هو في الحقيقة إنقاذ للوطن من الهاوية

مرت الثورة بالكثير من الاخفاقات والمعوقات ولكن سرعان ما كانت تتخطاها، لكن الاخفاق الأكبر التى تعرضت له الثورة حتى الآن كان يتمثل في ٣٠ يونيو، كانت المؤامرة العظمى التى تعرضت لها هذه المغامرة في احدى حلقاتها، حيث اعتلى اعداء الثورة الحكم وأعادتنا أحداث ٣٠ يونيو ليس فقط إلى المربع صفر – والذي كان يتمثل في نظام مبارك – ولكن إلى ماقبل ذلك حيث عبدالناصر والستينات، وهذا الاخفاق لايمنع على الاطلاق من العودة إلى حيث انتهت الثورة من الانجاز ولكن على المؤمنين بها وبأنها فكرة لاتزال في عقولهم لابد لهم من أن يُعدوا إعدادا جيدا لزلزال يعيد الأوضاع إلى ما حققته الثورة بل وأكثر حتى تحقق اهدافها كاملة .

 

إن هذه الثورة فكرة والأفكار كما يقولون لا تموت، فقد تتعرض لعلة أو مرض لبعض الوقت ولكنها أبدا لا تموت طالما أن هناك أشخاص يؤمنون بها ويعملون لأجلها ويضحون في سبيلها .والقارئ في التاريخ وتحديدا تاريخ الثورات يعلم جيدا أن الثورة لا تحقق أهدافها في بضع ايام أو شهور ولكن الأمر يحتاج إلى سنوات، فلا يُعقل أن تستسلم قوى الثورة المضادة وفلول النظام القديم بسهولة ولكنها تحاول العودة من جديد .

 

إنها معركة الخاسر فيها من يستسلم وييأس أولا، ولنا في ثورات العالم مثالا حيا سواء كان في الثورة الفرنسية وانتكاساتها التى ظلت لمدة ١٠ سنوات حتى حققت أهدافها، وكذا الثورة البلشيفية التى استمرت لخمس سنوات أو الثورة الأمريكية ضد الاحتلال البريطانى التي استمرت نحو ١٤ عام والعديد من الثورات التى مرت بإخفاقات وانتكاسات وراح ضحيتها الآلاف بل الملايين حتى تحققت أهدافها في النهاية .

 

إن مسؤلية إنقاذ هذه الثورة من عثراتها ومنعطفاتها تقع على عاتق كل من شارك فيها وآمن بمبادئها، وإنقاذها هو في الحقيقة إنقاذ للوطن من الهاوية، وعلينا التمسك بمبادئها العظيمة وتغليب المصالح العامة على المصالح الضيقة والشخصية ونزع الخوف من قلوبنا وتشجيع الناس على تصحيح المسار واستعادة روح الثورة من جديد .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.