شعار قسم مدونات

هل سنشهد غزوا أمريكيا لفنزويلا؟

blogs فنزويلا

يوم الأربعاء 23 يناير الماضي أعلن زعيم المُعارضة خوان غوايدو نفسه رئيساً للبلاد بدلاً من الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، الأمر الذي اعتُبِر انقلاباً بدعم أمريكي على سُلطة مادورو، الذي يقف إلى الآن بثبات أمام كل المحاولات الأمريكية الرامية إلى إزاحته عن الحُكم. مادورو الذي خلف الرئيس الراحل هوغو تشافيز جاء بانتخابات عام 2013م تقول المُعارضة بأنها مزورة. الرئيس مادورو الذي يحمل الفكر الاشتراكي شهدت فترة حُكمهِ كثيراً من التوتر مع الولايات المتحدة وحلفاءها ومنهم كولومبيا جارة فنزويلا، والتي اتهمها مادورو بالوقوف وراء محاولة اغتياله العام المنصرم.
      
هذا الرفض الأمريكي لمادورو جاء – كما يقول البيت الابيض – لقمع الحريات، والتفرد بالسلطة، كما أنه وبالرغم من أن فنزويلا تُعتبر من البلدان الغنية جداً بالنفط، إلا أن الشعب يعيش في فقر مدقع جعل النزوح تجاه الدول الأخرى ملاذاً لهم. تقول أمريكا أن السبب وراء هذا الفقر هو الفساد الذي ينتهجه مادورو وحكومته، لكنها بالمقابل تتناسى أنها هي من فرضت حصاراً خانقاً على فنزويلا وشعبها، وفرضت عقوبات منعت بموجبها حلفاؤها من استيراد النفط الفنزولي.
    
أمّا على صعيد الساسة والدول فقد جاءت ردود الأفعال كما يلي: في تغريدة له قال ترامب بأنه يعترف برئيس المُعارضة غوايدو رئيساً انتقالياً للبلاد بدلاً من مادورو، كما دعا ترامب بنفس التغريدة رؤساء الدول الغربية للاعتراف بخوان رئيساً. مادورو لم يلزم الصمت، فعلى الفور أعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا وأعطى الدبلوماسيين الأمريكيين مهلة أقصاها 72 ساعة لمغادرة البلاد. لم يتوقف السجال هنا بل أن البيت الابيض أعلن بأنه مستعد لاستخدام كل ثقله الاقتصادي والدبلوماسي لإزاحة مادورو عن الحكم وعودة السلطة للشعب. في المقابل استجابت دول الأمريكيتين لنداء أمريكا فأعلنت البرازيل وكندا والبيرو والبراغواي وكولومبيا قطع علاقاتها مع فنزويلا.

إن تقوية العلاقات بين فنزويلا والدول التي تقف وقفة حذر تجاه الجانب الامريكي قد يُعزز مواقفها ويُبعد شبح الغزو الأمريكي المُحتمل للأراضي الفنزويلية.

ومن جهة أخرى فقد أعلنت كوبا وتركيا تضمانها مع الرئيس الفنزويلا ووقوفها خلفه في مواجهة ما أسموه المحاولة الانقلابية. أما وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف فقد أعرب في مؤتمر صحفي عن قلقه من تدخل أمريكا في الشأن الفنزويلي الداخلي. وعلى صعيد آخر دعت دول أخرى مثل اسبانيا لإعادة الانتخابات مرة أخرى لحل الأزمة الفنزويلية. يبدو أن أمريكا لن تسلم بالواقع بل إنها ستحاول رسم واقع يتناسب مع هيمنتها، فعلى مدار تاريخها تبدو أمريكا كسياسي ينظر للأمور من منظور واحد هو الدبلوماسية والحوار. لكن سرعان ما تُكشر عن أنيابها وتبدأ بحملاتها العسكرية على كل دولة ترفض الانصياع وهو ذات الحال الذي حصل في العراق وليبيا.
 
أمريكا والتي تبعد عن فنزويلا جواً مسافة الأربعة كيلومترات فقط، قادرة على أن تُعيد غزو فنزويلا كما فعلت بجارتها كوبا في ظل الهيمنة الاقتصادية والقوة العسكرية الكبيرة التي تملكها. كما أن الغطاء السياسي ستأمنه كالعادة عُصبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي طالما وقف معها ضد جميع من يخالفها، كما المجلس سيقف أعضاؤه. أمّا عن الأسباب الداعية لغزو فنزويلا فهي ذات الأسباب التي دعت أمريكا لغزو الدول التي قبلها وهي كالآتي:

أولاً: استغلال الثروة الموجودة في الدولة وعلى رأسها النفط والغاز والمعادن والثروات الطبيعية، وهو السبب الأول لغزو العراق.

ثانياً: أن تُشكل إحدى تلك الدول تهديداً لمصالح أمريكا إما على المستوى القومي المحلي كما حصل مع كوبا في ظل أزمة الصواريخ السوفييتية والتي واجهت فيه أمريكا تهديد عدوها الأكبر آنذاك. أو أن هذا التهديد يستهدف مصالح أمريكا وشركاؤها الدوليين، وهو السبب الثاني لغزو العراق، فعندما قرر الرئيس الراحل صدام حسين الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في وجه حليفة أمريكا إسرائيل بدأت المؤامرة تُحاك لغزو العراق.

ثالثاً: خشية أمريكا من قيام تكتلات وتحالفات تُهدد مصالحها الاقتصادية وثقلها السياسي على الساحة العالمية.

لو تأملنا الأسباب السابقة سنرى بأن نيكولاس مادورو أو بالأحرى بلاده تزخر بالثروات وعلى رأسها النفط، كما أنها تُشكل دولة ذات فكر اشتراكي يرفض الرضوخ للهيمنة الامبريالية التي تشكلها أمريكا. أيضاً فإن فنزويلا تُمثل أحد الدول التي تحاول التخلص من البوتقة أو الهيمنة أو التبعية الأمريكية وتأتي في مقدمة الدول تركيا والصين وروسيا وإيران إلى جانب فنزويلا وكوبا. مثّل نيكولاس مادورو على مدى سنوات حكمه رجلاً صلباً لم تستطع أمريكا كسره. كما أن مواقفه المشرفة تجاه القضية الفلسطينية واعتباره إسرائيل احتلالاً، جعله دائم الاستهداف من قبل الإدارة الأمريكية.

مادورو اليوم يُواجه عَزلة بمحيطه الذي يرضخ كل حُكامه إلى أمريكا. إن سبيل الانفراج للرئيس الفنزولي كما نرى هو القيام بتحالفات مع الدول القريبة جغرافيا وعلى رأسها الدول ذات النزعة الاشتراكية وعلى راسها كوبا. كما أنه يجب عليه أن يستفيد من حالة التوتر التي تمر فيها العلاقات المكسيكية والأمريكية في ظل عزم ترامب بناء جدار فولاذي لعزل المكسيك. أيضاً القيام بزيارات متبادلة لوفود رفيعة المستوى والقيام باتصالات مكثفة مع الدول التي تقف ضد الهيمنة الأمريكية والتي بينت عدم استجابتها للمطالب الأمريكية وهنا نقصد تركيا وروسيا والصين وإيران. إن تقوية العلاقات بين فنزويلا والدول التي تقف وقفة حذر تجاه الجانب الامريكي قد يُعزز مواقفها ويُبعد شبح الغزو الأمريكي المُحتمل للأراضي الفنزويلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.