شعار قسم مدونات

الشباب العربي..أحلام مجهضة ومستقبل مجهول!

blogs شباب

يمثل الشباب العربي نسبة مهمة من المجموع العام للسكان في هذه البلدان، فحسب تقرير "التنمية الإنسانية العربية للعام 2016: دور الشباب وآفاق التنمية واقع متغير" الذي أصدرته الأمم المتحدة، يشكّل الشباب العربي نسبة 30 في المائة من الساكنة العامة لهذه المجتمعات والتي تقدرّ ب 370 مليون نسمة.

 

ولعلّ القاسم المشترك بين جلّ الشباب العربي هو حالة الترقب والانتظار الدائم لأشياء لا تأت ولا تتحقق، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، فكل فرد يحلم بتحسين ظروفه المادية والاجتماعية، وفي نفس الوقت يحلم بالعيش في مجتمع يحترمه ويوفر له سبل العيش الكريم ويضمن له حقوقه كمواطن لا مجرد رعية ومريد داخل زاوية أو طريقة صوفية.

 

إذا ألقينا نظرة على المجتمعات العربية بعد موجة "الربيع العربي" نجد "الفوضى والذهاب نحو المجهول" هو الوصف المناسب للوضع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه هذه المجتمعات

غير أنّ هذه المطالب، التي تعتبر حقوق مدنية للمواطن في كل الدول الحديثة، تبقى مجرد أحلام لا تتحقق على أرض الواقع بالنسبة لفئة عريضة جدا من الشباب العربي، لأننا نوجد في ظل مجتمعات تعيش ظروفا اجتماعية، فكرية وسياسية صعبة منذ عقود، وللأسف تزداد صعوبة وتأزما اليوم، وهذه الأوضاع العامة للمجتمعات العربية تنعكس بشكل سلبي على وضعية الشباب، "فطبيعة الدولة العربية" تعتبر من أبرز مصادر الإحباط وفقدان الثقة بالنسبة لغالبية الشباب في هذه المجتمعات، لأنها تفتقد لآليات العمل الديمقراطي ولمقومات الدولة المدنية والحديثة، على اعتبار أن أغلب الدول، إمّا أنها دول دينية، تجعل من الدين مشروعيتها الوحيدة للوصول إلى الحكم، أو دول عسكرية وصلت إلى السلطة على الدبابات والطائرات الحربية في انقلابات عسكرية اغتصبت الحكم بالقوة والعنف.

 

لا وجود لدولة مدنية ومنتخبة يحق لكل المواطنين الحلم أن يصلوا ذات يوم لقيادتها وتسييرها، فهذه عوامل، إضافة إلى أخرى يصعب حصرها، جعلت الشباب يفقد الثقة في عمل المؤسسات السياسية والحكومية، وجعلت علاقاتهم بالحكام متوترة وتفتقد للاحترام، بل قائمة على الخوف والخضوع بالقوة والإكراه، وتتسم أحيان بالتمرّد الذي يواجه بالقمع والسجن، لذلك ترتفع نسبة العزوف السياسي بمختلف مظاهره وتجلياته في صفوف الشباب، وتصبح اللامبالاة اتجاه الشؤون العامة والقضايا التي تخص المجتمع هي السيكولوجية التي تميز الأفراد في هذه الظروف، فأغلب الشباب لا يثق في الأحزاب السياسية ويعتبرها مجرد مؤسسات شكلية لا تقوم بدورها الفعلّي.

 

أصبحت الأحزاب مجرد "دكاكين سياسية" كما يصفها الرأي العام في المغرب، فهي حوانيت ودكاكين للبيع والشراء في القضايا والذمم وبيع الوهم للمواطنين، دكاكين تتوارثها عائلات محدودة، وهو الأمر الذي يسبب الإحباط في صفوف الشباب ويدفعهم إلى التشاؤم من المستقبل، فالمنطقة العربية تعيش على إيقاع النزاعات والصراعات العرقية والمذهبية منذ زمن طويل وهي نزاعات تتسع رقعتها سنة بعد أخرى، وفي نفس التقرير الذي أشرنا إليه في الأعلى يتوقع الخبراء "أنّ ثلاثة من كل أربعة عرب سيكونون بحلول 2020 يعيشون في منطقة معرضة للنزاع"، وهي نسبة مخيفة ومحتملة إذا ما راقبنا توسع وانتشار مناطق النزاع في العالم العربي منذ بداية هذه الألفية على الأقل، وهو الواقع الذي كرسته خروج "ثورات الربيع العربي" عن شعاراتها وأسباب انطلاقها، وما تلاها من عنف وما ترتب عنها من انقسام وصراع بين أطراف متضاربة المصالح داخل نفس المجتمع، الأمر الذي زاد من خيبة الأمل والإحباط لدى الشباب، و جعل الجميع في حالة شك وخوف دائم أمام واقع ينشطر على نفسه إلى ما لانهاية.

 

حلم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات الاجتماعية، الذي طبع شعارات "الربيع العربي" أجهض قبل أن يبدأ، باستثناء النجاح النسبي للحراك الاجتماعي في تونس، فإنّ أغلب الدول العربية التي عرفت انتفاضات شعبية قد انتهت إلى خراب مطلق وقمع أكبر، كحالة ليبيا، سوريا واليمن، ولا شك أن فشل هذه الثورات، واستمرار نفس الأنظمة، كحالة سوريا، سيجعل منها دولة أكثر انغلاقا وتشددا، وهذا درس يستخلص من كل الثورات الفاشلة في التاريخ، أو على حدّ تعبير والتر بنجامينWalter Benjamin " ما من فاشية تولد إلاّ ويكون ذلك إثر ثورة فاشلة".

 

إذا ألقينا نظرة على المجتمعات العربية بعد موجة "الربيع العربي" نجد "الفوضى والذهاب نحو المجهول" هو الوصف المناسب للوضع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه هذه المجتمعات، ردة ونكوص على جميع المستويات؛ حقوقيا، اقتصاديا وسياسيا، وقد أصبحت الأوضاع متأزمة أكثر ممّا كانت عليه قبل الثورات، وهو ما جعل الجميع يدخل في "حالة من التيه والضياع" والشك في إمكانية الانتقال إلى الدولة المدنية والحديثة، وبالتالي يتأجل حلم النهضة العربية مرّة أخرى ويجهض من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.