شعار قسم مدونات

الدروس غير المستفادة من ثورة يناير!

aja ثورة يناير

لو اقتصرت نتائج ثورات الربيع العربى فقط على كشف الوجه القبيح للأنظمة العسكرية التى تحكم بلادنا المنهوبة لكفتها. تنامى الإدراك الشعبى بأن الحدود ليست مجرد فواصل وهمية بل أقفاص حديدية عليها زبانية غلاظ شداد (علينا) يتحولون مع أول مواجهة مسلحة مع العدو إلى فراشات رقيقة.

 

الإدراك بأن هذه الحدود لم تخلق يوما لحمايتنا، فكم من روح أزهقت عندها ولم تكن يوما للحفاظ على تراب الوطن، فالقائمين على حماية الحدود هم من يبيعون الوطن قطعة قطعة، وجزيرة جزيرة احتراما لنصيحة ام كبيرهم القصيرة والتى جاءت من خلف هذه الحدود. الإدراك بأن الحد دو لم تخلق إلا كقضبان للسجن

 

سجن الجسد والروح والأمل

هذا الوعي قد بدأ، وسيزداد ويترسخ، ولن يستطيع أي خداع إعلامي إخفاؤه، حتى يكون لنا حكام بحق وجيوش بصدق، هناك الكثير من المتغيرات العميقة والدروس المستفادة حدثت في وعي المواطن المصري بعد ثورة يناير، وأصبحت من الحقائق المسلمة لدى قطاع عريض

 

ولكن ما يهمني الإشارة إليه في هذا المقال هي الدروس التي مرت أمامنا جميعا، وحزت منا الرقاب، فأزهقت الأرواح وأسالت الدماء، ومع ذلك لم نستفد منها شيئا، إنني أتحدث هنا عن الدروس غير المستفادة برغم فداحة الثمن الذي دفعناه فيه.

 

يهمني أن أبدأ بالدرس المهدر الأول

إن انتمائك السياسي أو الحزبي لو غلب عن مصلحة الوطن فستخسر الاثنين معا، أبدأ بهذا الدرس حتى لا يرهق البعض نفسه بمحاولة معرفة هوية الكاتب أو توجهه ليبني عليه رأيه. فليكن الدرس الأول اقتنع أو لا تقتنع بما تراه، بصرف النظر عن اختلافك مع توجه قائله.

 

لا تجعل الكراهية حائط صد كالحدود التي أشرنا لها بين بلداننا العربية ولا تجعل الحب جواز مرور لما تقرأه او تسمعه دون التدقيق، نعم فهذا هو الدرس المهدر الأول، بعد كل ما عانينا.

 

الدرس المهدر الثاني

الثورة التى يقرر فيها الشعب من يحكم، ليست قابلة للخطف أو القفز عليها، مهما كان اختيار الشعب، المهم أن تحافظ دائما على حق الشعب في المراقبة والتقييم ومن ثم الاختيار.

 

العبارات التي قيلت عن القفز على الثورة في وصف الفوز بأول انتخابات حرة في تاريخ مصر -ندعو الله الا تكون الأخيرة- والحديث عن شراء الأصوات بالزيت والسكر لم تخرج إلا من أقبية المخابرات الحربية وهي عبارات غارقة في الحقارة والسطحية.

 

حقارة لأن الشعب في مجملة لا يباع ولا يشترى بزجاجة زيت، والسيسي بما يملكه هو وداعميه في الداخل والخارج من خزائن الأرض لم يستطيعوا أن يخرجوا معشار هذه الملايين في انتخاباته الوهمية. حقارة أن توصم شعبك بالرخص، فقط لتبرر فشلك في كسب ثقة الناس في انتخابات حرة وسطحية لان الفوز لم يكن فقط في الانتخابات الشعبية، بل كان في النقابات المهنية، ونوادي هيئات التدريس، بل والمصريين المغتربين خارج مصر بعيدين عن إغراءات الزيت والسكر.

 

مهم جداً أن نعى هذا الدرس، وأن نحافظ دائماً على اختيار الشعب، باعتباره اختيارنا مهما اختلفنا، وأن نقر أن الفوز في انتخابات حرة هي أهم إفرازات الثورة، أما ما تتحدث أنت عنه فهو الانقلاب، فالانقلاب بطبيعته يختار من يحكم بعيدا عن الشعب. الاحتكام للشعب في استفتاء مهما كانت نتيجته، هو تصرف راقي ولو سبب انقسام شعبي، فسببه الجهلة والمتعصبين، وليس مبدأ الاستفتاء. الحاكم الذي يختاره الشعب، بديله الوحيد حاكم عسكري تختاره إسرائيل في أيامنا هذه.

 

الدرس المهدر الثالث

الطريق إلى جهنم والانقلابات العسكرية مفروش بالنوايا الحسنة. تخيل أن الجميع سيقف وراءك مساندا دورك الوطني في بناء الدولة يفتقر إلى أى منطق أو تاريخ، فبلادنا منذ مئات السنين تحكم بجماعات المصالح الخارجية والداخلية ولن يتخلوا عن ذلك، من أجل بناء الوطن

 

الحفاظ على مؤسسات الدولة، قد يتعارض أحيانا -ويالا العجب- مع الحفاظ على الدولة نفسها الفيصل هنا هو طبيعة مؤسسات الدولة. وأي تباطؤ في إعادة بناء المؤسسات السيادية سيدفع الجميع ثمنه وطنا يتمزق ليباع.

 

الدرس المهدر الرابع

حتى تستطيع أن تعيد بناء المؤسسات السيادية، يجب أن تستكمل ثورتك كاملة بعيدا عن تلك المؤسسات أما أن تطالب الحاكم بالرحيل وأنت معتصم في ميدان فهو نوع من الاحتجاجات يصلح للسويد، أما أن يرحل الديكتاتور بأمر أو توافق مع الجيش، فمن العبث أن تتحدث عن قدرتك على المساس بالجيش.

 

البعض مازال يتحدث عن المحاكم الثورية، متجاهلا تماماً أننا لم نكن نملك أي قوة لتنفيذها، فقد اخترنا أن نطالب برحيل الطاغية ونحن معتصمون في ميدان التحرير وغيره من الميادين. وبعيدا عن ادعاء الحكمة، فقد كنت هناك، ومازلت أعتبر أيامي من جمعة الغضب حتى رحيل مبارك هي أجمل ما مر بي من عمر، ولكن الحقيقة تتحدث الثورة ليست اعتصامات، على الأقل في بلاد تسفك فيها حياة الآلاف بمنتهى البساطة، كبلادنا.

 

الثورة نجحت مرحليا يوم ٢٨ يناير بهروب الشرطة، وانتهت يوم ٢٨ يناير باعتصامنا في ميادين يمكن التحكم في مداخلها ومخارجها ببضعة مدرعات فتحولت من ثورة، إلى مطالبات واحتجاجات أحرار.

 

الدرس المهدر السادس

لو اعتبرنا العسكر هو من يملك البندقية فالإعلام هو من يوجهها، حتى على مستوى الجيوش، تقوم الشئون المعنوية في بلادنا تجاه جنودها وضباطها بدور توفيق عكاشة في طمس الحقائق استعدادا لغسيل المخ الذي يجعل فرد الجيش يقتل أخاه وأباه وأمه إذا لزم الأمر، الإعلام هو الورقة الرابحة، وليس غريبا إن كان أول إجراء لأي انقلاب عسكري هو السيطرة على مبنى الإذاعة والتليفزيون قبل تطور عصر الفضائيات

 

وعلى مستوى الإعلام وقع الصف الثورى بشقيه الإسلامى والمدني -مجرد تسميات- في أخطاء إعلامية كارثية، فالجانب الإسلامي أهمل الإعلام وحقق فيه فشلا ذريعا ولم يدرك قيمته ولا أهميته ولا خطورته، والجانب المدني وقع في براثن إعلام الثورة المضادة والفلول فكانوا ضيوف قنوات صفوت الشريف ورجال أعمال مبارك، ولم يدركوا أنهم يشاركون في وأد الثورة باسم حمايتها، فيكفي أن نسمع لميس الحديدي وهي تستصرخ همة شباب الثورة قائلة: أمال إحنا عملنا ثورة ليه؟ لتدخل في حالة من اللطم اللاإرادي.

 

الدرس المهدر السابع وليس الأخير

نعم يناير كانت ثورة، فكان عندنا أسباب الثورة، نفوس الاحرار كانت مليئة بالثورة، ثورة على الفساد والتزوير والتعذيب والتغييب والتضليل وسلكنا مسلك الثوار، ونزلنا غير عابئين برصاص المجرمين وقدمنا تضحيات الثوار بآلاف الأرواح الطاهرة ومازلنا.

 

وعشرات الآلاف من النفوس الحرة السجينة في معتقلات الاحتلال العسكرى ومازلنا، ولا يتعارض ذلك مع أن الجيش كان يراقب ويبارك كل شيء لغرض خبيث يراقب ويبارك من حتى قبل ٢٥ يناير، يجب أن نعترف بهذه الحقيقة المؤلمة، حتى نستطيع أن نشعل ثورتنا مرة أخرى بعيدا عن موائد اللئام ولكن هذه قصة اخرى تحتاج لحديث آخر إن شاء الله .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.