شعار قسم مدونات

العالم الرقمي.. هل سيتيح الفرصة لتقريب الجمهور من المؤسسات الإخبارية؟

blogs مواقع التواصل الاجتماعي

في عام 2012 قام أحد المواطنين الأمريكان بإطلاق النار في أحد شوارع ولاية كولورادو الأمريكية الأمر الذي نتج عنه 12 ضحية. أصبحت هذه الفاجعة حديث الإذاعات والقنوات الإخبارية، التي نقلت الحدث بكل حذافيره. إلا أن ما ميّز تغطية موقع CNN الإخباري هو فتح المجال أمام متابعيه على صفحة المدونات الخاصة بالمواضيع الدينية للتعليق على ما حدث من جانب مختلف. حيث قام الموقع بنشر مدونة على Belief Blog التابعة له بعنوان: "أين كان الله في بلدية أورورا؟" ليتمكن المتابعين من مناقشة دور الإله في مثل هذه الحوادث التي ينظر إليها البعض على أنها لم تكن لتحدث لو كان وجود إله عادل ورحيم صحيحاً.

 

دارت النقاشات بين مؤيد ومعارض وفي سويعات قليلة قام أكثر من عشرة آلاف متابع بالتعليق على هذه المدونة وزاد تفاعل الناس حول هذا الموضوع في منصات التواصل الاجتماعي في الأيام التي تلت هذه الحادثة. ولتكمل CNN تفاعلها مع الجمهور قامت بتخصيص عامود على موقعها لأحد الأكاديميين المتخصصين بعلوم الديانات للحديث عن الموضوع وعرض رأيه من وجه نظر أكاديمية.

  

التفاعل مع الجمهور سيزيد من ولائهم للصفحات الإخبارية التي تسمع لهم بإبداء آرائهم وتأخذهم على محمل الجد، وسيساعد الصحفيين على الإلمام بالخبر بشكل أوسع

لم يكن تفاعل المتابعين لهذا النقاش محض صدفة، بل كان ناتجاً عن تفهم CNN لعقل الجمهور وإعطائه مساحة يبدي رأيه بكل أريحية حول موضوع مهم أثار انتباهه. متابعة تفاعل الجمهور على المواقع الإخبارية ليس كافياً، بل يجب على المحررين أيضاً متابعة الجمهور في المنصات الأكثر صخباً، مثل مواقع التواصل الاجتماعي. كثير من الأحيان لا يعرف الجمهور التحاور مع الإعلاميين والصحفيين، وهنا يكمن الدور الهام للمواقع الإخبارية في عرض الخدمات التي تيسر عملية التواصل بين الجمهور وصاحب مصدر الخبر. وحسب كلام "آندي كارفين" أحد محرري موقع NPR الإخباري فإن السماع لآراء المتابعين تتيح لنا الفرصة لإبطاء سرعة الخبر وتلقي آراء ووجهات نظر مختلفة لفهم الحدث بصيغة أشمل.

 

يختلف المتابعين في تفاعلهم مع الأخبار، إلا أن النمط المعروف للتفاعل هو إعجاب المقال أو مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي. ينظر البعض إلى أن مع سهولة وسائل التواصل الحديثة وكثرة المواقع المتخصصة "niche" بقضايا تخص جماهير صغيرة ومحددة وصل تفاعل المتابعين إلى حضور الفعاليات الخاصة بالخبر، والمشاركة السياسية، والتواصل مع محرري المواقع الإخبارية حسبما ذكرت "إيميلي رامشو" محررة موقع Texas Tribune الإخباري.

 

فالتفاعل مع مثل هذه الشريحة من الجمهور سيزيد من ولائهم للصفحات الإخبارية التي تسمع لهم بإبداء آرائهم وتأخذهم على محمل الجد. ليس هذا فحسب بل سيساعد الصحفيين على الإلمام بالخبر بشكل أوسع وصناعة محتوى أكثر شمولية ومن زوايا لم يتم مناقشتها بعد. وحينها تزول النظرة الفوقية التي تُظهر الصحفي على أنه دائماً على حق وأن المتابع ما هو إلا مصغٍ أو قارئ ليس له رأي في الحوادث اليومية.

 

مثال آخر يوضح أهمية استخدام الوسائل الرقمية الحديثة هو ما قامت به ABCNews.com بما يسمى بـ "Election Control Room" بالتعاون مع موقع Yahoo.com أثناء الانتخابات الأمريكية عام 2012. قام الموقع بعرض البث المباشر للقناة الخاصة به، وعرض آخر الأخبار والتعليقات المنشورة على كل من تويتر وفيسبوك، ووضع خانة للتعليق تسمح للمشاهدين بالتفاعل مع الحدث. أراد الموقع بذلك فتح الباب أمام المتابعين بالتحكم بمصادر الأخبار والتفاعل معها مباشرة لينقل لهم فكرة غرفة التحكم في القنوات الإخبارية على موقع إلكتروني متاح للجميع.

   undefined

  

أيضاً من ضمن الطرق التي يستطيع الصحفيون التفاعل مع الجمهور هو استحياء القصص الخبرية منهم ليصبح المتابع أحد المصادر المهمة للمواقع الإخبارية والتي يمكن تعريفها بمصطلح الـcrowdsourcing  أو حشد المصادر. فعلى سبيل المثال قام موقع NBC.com بسؤال الجمهور في إحدى مدوناته: "ما هي أهم المشاكل التي تواجه الأشخاص أصحاب الدخل المتوسط أو المحدود؟". أتت مئات الردود على صفحة المدونات التي من خلالها قام الموقع باستخدامها كمصادر لنشر العديد من المقالات المتعلقة بالموضع ذاته.

 

أحيانا يكون استخدام الوسائل الرقمية مهمّا لتقريب الجمهور من الصحفيين. العديد من الصحف الأجنبية بدأت تطلب من مراسليها وموظفيها إنشاء مدونات ومواقع خاصة بهم يقومون من خلاها بالتعبير عن آرائهم بشكل منفصل عن أجندة أو وجهة نظر الصحف التي يعملون لها ولكن دون الإخلال بالمهنية الصحفية. بذلك يشعر الجمهور أن الصحفي أو المراسل شأنه كشأن أي مواطن عادي يعبر عن رأيه بشكل مستقل عن جهة عمله ويتفاعل مع الآخرين بعفوية بعيداً عن صخب الصحف والقنوات الإخبارية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.