شعار قسم مدونات

احذر! في مكان عملك متنمر

blogs عمل

لم يكن التنمر يوما حكرا على المدارس أو في أوساط صغار السن بل تشمل هذه الظاهرة أيضا البالغين وتحديدا في أماكن العمل. وعلى الرغم من أن التنمر في مكان العمل لا يمكن حصره في تعريف واضح ووحيد إلا أنه يتمثل أساسا في محاولات المُتنمر الدؤوبة لمضايقة زميله، أو زملائه، والسيطرة عليه ودفعه إلى الشعور بانعدام الراحة أو الغضب أو الحزن أو الخوف، فضلا عن زعزعة ثقته بنفسه.

تتسم ظاهرة التنمر بتنامي مضطرد، حيث تشير الإحصاءات وفقا لدراسة أجرتها "مؤسسة التنمر في العمل" الأمريكية في 2017 إلى أن 60 بالمائة تقريبا من الموظفين الذين شملهم الاستطلاع طالهم التنمر في مكان العمل، في حين أن الدراسة السابقة التي أجرتها المؤسسة ذاتها في سنة 2014 توصلت إلى أن 27 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع كانوا يمرون بهذه التجربة أو أنهم تعرضوا لها سابقا. كما أُثبت أن الرجال أكثر عرضة للتنمر مقارنة بالنساء، في الوقت الذي تميل فيه النساء إلى ممارسة التنمر ضد بعضهن البعض أكثر من تنمرهن على الرجال.

عموما، لا يختلف المُتنمر البالغ عن المتنمر الصغير الذي يعاني من مشاكل نفسية ترتبط غالبا ببيئته الأسرية وهو ما يُنفّس عنه من خلال مضايقة الحلقات الأضعف في فصله أو في حيه. على هذا النحو تماما، يضايق أحدهم زميله في العمل، الذي لا يكون بالضرورة أقل منه رتبة بل قد يكون الاثنان في مناصب متساوية، لكن المتنمر يشتهي أن تظهر ضحيته ضعفها ويقتات على انفعالها وانزعاجها وهو ما يُشعره بالنصر وبأنه الأعلى شأنا والمسيطر على الوضع.

السبب وراء سلوك التنمر يعود إلى شعور المتنمر بالنقص أو الغيرة أو فشله في نواحي عديدة من حياته، ما يجعله متعطشا للإحساس بالقوة من خلال إشعار الآخرين بالضعف والهوان والانهزام

عادة ما تفشل ضحية التنمر في إيجاد دليل ملموس على فعل التنمر. كما يحتار من يقع ضحية هذا السلوك في أمره ويعجز عن وضع مسمى لما يتعرض له خاصة إذا كان في بداية مشواره المهني ولم يتعود بعد على بيئة العمل وطبيعة العلاقات بين الموظفين. في الأثناء، يهتزّ تقديره لذاته وتتراجع إنتاجيته ذلك أن جل تفكيره يصبح مُنكبا على ما يعيشه من أجواء مسمومة في العمل عوضا عن التركيز على مهامه. وقد يصل به الأمر إلى الإصابة بالاكتئاب وطلب الإجازات المرضية بشكل متكرر، حتى أنه قد يفكر في تقديم استقالته هربا من جحيم هذه الحرب النفسية.

ما يزيد الطين بلة أن المتنمر قد يتنكر في ثوب الصديق ويتلفظ أحيانا بكلمات تبدو في ظاهرها ودّية، قد تكون في شكل نصيحة أو ملاحظة لا يُقصد بها الأذى، وإنما مجرد تجاذب لأطراف الحديث ليس إلا، بل قد يُرفقها بابتسامة عريضة، بيد أنها في الحقيقة كلمات يُراد بها قض مضجع الطرف الآخر وجعله يفكر فيها بلا توقف ويحاول فهم الرسالة من ورائها وجعل الشك يتسلل إلى قلبه. فيتوه في دوامة من الأسئلة؛ "هل فعلا يريد بهذا الكلام سوءا؟" "لكنه صديقي في العمل وأعتمد عليه وأطلب مساعدته"، "هل تراه يحاول إيصال رسالة لي؟". ولا تتوقف ضحية التنمر عن طرح الأسئلة ومحاولة الوصول إلى الحقيقة الكامنة وراء تصرفات وكلمات المتنمر.

من المرجح أن السبب وراء سلوك التنمر يعود إلى شعور المتنمر بالنقص أو الغيرة أو فشله في نواحي عديدة من حياته، ما يجعله متعطشا للإحساس بالقوة من خلال إشعار الآخرين بالضعف والهوان والانهزام. الأدهى من ذلك أن المتنمر لا يستغل تفاصيل متعلقة بالعمل فقط في خدمة أهدافه بل يتلذذ باكتشاف خبايا الحياة الشخصية لضحيته لتكون كلماته وملاحظاته أكثر إيلاما وأشد وطأة ويكون أثر تنمره أعمق.

لكن، من يظن نفسه الضحية في هذه الحكاية لا بد أن يراجع موقفه لأن له دورا في ما يحدث له ذلك أنه فسح للمتنمر المجال، إن كان ذلك عن جهل أو تجاهل، كي يبث هذا الأخير سمومه في حياته ويجعله المسيطر على الموقف وهو ما يحيلنا إلى السؤال الأهم: كيف نتعايش مع المتنمرين؟ لتأتي الإجابة سهلة وبسيطة وهي أن نتخلى عن سذاجتنا ونصبح أكثر وعيا بالطريقة التي يحاول بها المتنمرون التأثير سلبا علينا.

في البداية، لا بد من رسم حدود لعلاقتك مع المتنمر ورؤية الأمور من منظور مغاير والأهم من ذلك كله فصل العواطف عن الموقف الذي تجد نفسك فيه لأن ما يُخالجك أثناء التعرض للتنمر وبعده يؤثر على حكمك فتلتهي بما جعلك المتنمر تشعر به ويغيب عنك التفكير بعقلانية في ما يجب القيام به لوضع حدّ للتنمّر. بعبارة أخرى، لا بد من الانسلاخ عن الصورة والنظر إليها من الخارج دون مشاعر أو مواقف مسبقة من أجل فهم الحقيقة ومعرفة كيفية التصرف بالنظر إلى التفاصيل التي غابت عنك عندما كنت في خضم التعرض للتنمر.

على سبيل المثال، إذا حاول المتنمر التقليل من شأن ذوقك في الملابس كأن يشير إلى أن تنسيق الألوان ليس جيدا فلا تلتزم الصمت لأنك بذلك تعلن الانهزام، ولا تنفعل أيضا وتظهر له أن كلماته أزعجتك. على العكس تماما، تسلح بابتسامة وأطلب منه نصائح بشأن هذه المسألة وانتظر منه الإجابة على سؤال لم يكن هو يتوقعه. إن الأمثلة المتعلقة بكيفية التعامل مع المتنمرين لا تعد ولا تحصى ويظل المفتاح هو الحفاظ على رباطة الجأش وتذكر أن من يحاول أن يؤذيك يفعل ذلك لأن حضورك يُلغي حضوره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.