شعار قسم مدونات

إسراء الجعابيص.. بين جمالها المخفي وألم انقسامنا الذي أبقاها في السجن!

إسراء الجعابيص

إن الكتابة أمر يحمل بين طياته مسؤولية كبيرة وخاصة عندما نريد إيصال رسالة ألم مرئي عن حرة قاومت بجسدها، كيف لحروف قلمك أن تنطق أو تجعلها تصل لقلب وعقل القاصي والداني؟ كيف لك أن تنقل شعور إسراء الجعابيص بالألم؟ في البداية يجب أن نعطي بطاقة تعريفية لهذه الماجدة، لأنني لن أكون عاطفية أكثر من العاطفة نفسها ولن أبالغ إن قلت لكم أن هناك عدد لا بأس به لا يعلم من هي إسراء الجعابيص. 

"إسراء الجعابيص" هي أم لطفل وتبلغ من العمر ثلاثة وثلاثون ربيعاً اتهمها الاحتلال بمحاولة تنفيذ عملية استشهادية عن طريق تفجير أنبوبة غاز كانت موجودة في سيارتها في العام 2015م وتم الحكم عليها بالسجن لمدة إحدى عشرة عاماً، انفجرت وشوهت كامل جسدها وأصبح الألم مرئيا لنا جميعاً. ولن أتردد في التحدث بعقل بعض من سولت لهم نفسهم الجبانة للقول ما كان عليها أن تقدم على هذا الفعل؟ 

أيا هؤلاء إن إسراء أقدمت على هذا الفعل عندما شاهدت أننا نعيش وسط هالة ونفق مظلم بين فكي كماشة الاحتلال والانقسام ناهيك عن وضع عربي متأزم، إن الأدلة والبراهين على أن هناك من لا يعلم من هي إسراء ظاهرة للعيان، فعلى صعيدنا الداخلي في الضفة الغربية إن اللحاق بركب الأمم الاقتصادية أصبح همنا الوحيد حيث أننا وسط مرحلة أسست على أعتاب "الهاي والباي وعلى أطلال البريستيج الذي تم أسرنا في داخله"!

ألم إسراء ألم لا يستحمله الرجال هي التي شعرت به مراراً وتكراراً، لقد شاهدت شباب بعمر الورد تزهق أرواحه وأحلامه على أعتاب المعابر وشعرت بألم وآهات الأسرى والأسيرات بل تعيش الألم

أما في غزة فإننا نعيش وسط دوامة من الحصار اللامتناهي لجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، شعب انتفض على طول حدود أكبر سجن في العالم لعله يجلب لنفسه شيئاً من الحياة الممنوعة منذ اثنتي عشرة عاماً لأن دهاليز السياسة خانتهم ، ناهيك عن حلم شباب في العلم والعمل فهو متوقف بناءً على طلب من آلة الزمن التي كانت أيام محاولة انتخاب الديموقراطية وفوزها، واجتماعياً قطعت أوصال العائلات بين من هم داخل القطاع المحاصر وممنوع من السفر وبين من هم خارجه يخشون الدخول لتلك المدينة، عن طريق معبر رفح والذي خُيّل لهم لوهلة أنه معبر الفرح!

يجب أن تعلم أيها القارئ أن طريق إسراء من منزلها لعملها محفوف بالمخاطر؛ مخاطر مغتصبات صهيونية وجدار فصل عنصري قطع أوصال المدن والذي يلتف حولها كالأفعى!! لا أعلم هل يحق لي الكلام والتحدث بلسان إسراء وفي حضرة ألمها اللامتناهي؟ فهي بدون يدين ومشوهة الوجه تحدث نفسها ليل نهار هل سيتقبل فلذة كبدي "معتصم" شكلي؟! إننا وفي لغة العاطفة نقول إنها جميلة الجميلات نعم! ولكن هذا ليس بالنسبة لإسراء التي تخاف من مشاهدة نفسها في المرآة أمنيتها إجراء بعض من العمليات التي تخفف بعضاً من الشعور بألم ابنها عند مشاهدتها.

إن ألم إسراء ألماً حسي ونفسي، ويبدو أن إسراء حركت شيئا ما بداخلي من الألم حتى أنثر هذه الحروف والكلمات لعلها تصل لقلب أحدهم ليتحرك ويأخذ ملفها على محمل الجد في بداية هذا العام. لم أكف عن التخيل والتمني لأجلها من أجل أن تصل لمرحلة الخلاص، حتى استيقظت صباحاً على جدليات كادت أن تكون أو كانت من روتين حياتنا اليومي، ألا وهي جلد الذات الفلسطينية بسبب ضيق الأوفق السياسي الحزبي المقيت والذي ضاع بسببه من عمري للآن عشرة سنوات من التجاذبات التي لا أساس لها إلا عمر شباب تم هدره واستنزافه وما يزال؟! ما بين اعتقال هنا أو هناك وعن قصص التخوين الاجتماعي حدث ولا حرج، إذاً بداية عامنا رمادية لا يحيطها إلا الهرج والمرج. 

إن أجمل المحطات التي مررنا بها هي الضغط الجماهيري على المحتل للحصول على مطالبنا في العيش وهذا لن يكون إلا بالقوة كما حدث مؤخراً على أعتاب غزة ومن خلال تكاتف جماهيري كالذي حدث على أعتاب الأمم المتحدة لمنع إدانة المقاومة. لن يحدث ذلك إلاً من خلال إبادة الحلم المتعلق بصفقة القرن، وعن طريق تبني شيئاً من همة "أشرف نعالوة" و"صالح البرغوثي" للضغط على المحتل.

إن ألم إسراء ألم لا يستحمله الرجال هي التي شعرت به مراراً وتكراراً، لقد شاهدت شباب بعمر الورد تزهق أرواحه وأحلامه على أعتاب المعابر وشعرت بألم وآهات الأسرى والأسيرات بل تعيش الألم. والمحزن إسراء لم تجد أحد يخرج لمناصرتها كالذين خرجوا لرفض "قانون الضمان الاجتماعي" حيث تفتقر هي وغيرها لقاعدة جماهيرية حتى على مواقع التواصل الاجتماعي للضغط من أجل نشر قضيتها على أوسع نطاق، في الوقت الذي كُنا ندين فيه هواننا لانتشار ظاهرة التضامن الإلكتروني للوقوف لجانب أحدهم، أصبحنا اليوم نتمنى عودتها!

لقد تمت محاربة الأسرى عن طريق تقزيم إنجازاتهم تمت محاربتهم سياسياً واقتصادياً ففي دهاليز السياسة أصبح الدفاع عنهم من منطلق هيئة لا يعتريها إلاّ الوهن بعدما كُنّا نتغنى بوزارتهم، أما اقتصادياً تمت محاربة ذويهم من خلال قطع قوت يومهم. إن حال إسراء الجعابيص وألمها يشبه ألم قضيتنا فالألم مرئي ولكن لا مجيب ولا صوت يعلو فوق صوت المناكفات التي سئمنا.

لقد مررنا طوال سبعون عاماً من الاحتلال بمحطات كثيرة من هبات وانتفاضات وعند كل نهاية كدنا أن نحقق انتصاراً يتم شطب ذلك الانتصار أو تجيره باسم مجموعة قليلة فقط وننسى الهدف الأسمى والأغلى الحرب والتضحية من أجل الوطن، ولا ننسى من يتدخل ليقوم بإنقاذ ذلك العنكبوت والذي كاد بيته الوهن ألا يكون..

إذاً إن الحل الأكيد وسط كل هذا الدمار والألم المرئي لإسراء وألمي النفسي عندما أخرجت بعضا من تلك الكلمات والتي أشعر بتضاربها وقلة حيلتها هو الالتفاف حول المقاومة المسلحة على الأرض فهي الحاكم الفعلي وسط كل الخزعبلات والصفقات السياسية التي لن تمر، وكلنا شغف حتى يخرجوا لنا إسراء من ألمها إلى أملها المنتظر، ننتظر ذلك اليوم الذي نصحوا فيه من سباتنا على صوت أهازيج الانتصار لصفقة وفاء أحرار جديدة تنثر على عيوننا شيئاً من جمال وروود الفرح، علها تطمس شيئاً من ألم الانقسام المرئي لنا وتعيد لإسراء بعضاً من جمالها المخفي قسراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.