شعار قسم مدونات

مقديشو.. هل يمكن أن تكون بوابة النهضة في الصومال؟

blogs مقديشو

الصومال تكاد تكون أزماتها استثنائية نظراً إلى عمقها الزمني، حيث أنها استغرقت في الانحدار قرابة ثلاثة عقود لتصل إلى القاع، والآن وعلى خلاف المعروف سيصلح العطار ما أفسده الدهر طالما تتوفر إرادة قوية من الحكومة تساندها رغبة حقيقية من الشعب في الإصلاح، لا يقال ذلك على سبيل التفاؤل الخالي من المشاهد على أرض الواقع، فستجد على خلاف ما تظن أن الحياة في الداخل الصومالي مقديشو بالأخص ترتقي بشكل ملحوظ، تشاهد المشاة والمتجولين لساعات متأخرة من الليل وسط العاصمة الصومالية وأطرافها المترامية.

 

نعم لم ينعدم الخوف إلا أن الأمان أصبح حاضراً في المشهد ومحسوساً يحسُّ به كل فرد، كما أنك ستجد سيطرة العسكر مفروضة على العاصمة من أقصاها إلى أدناها، وبدأ مسلسل الرعب والجنون بالانفلات الأمني يتقلص شيئاً فشيئاً وفي طريقه للنهاية، والتحدي يكمن في حرب تخوضها ذئاب منفردة تتسلل بصعوبة فتمكر بالبسطاء، وهم مع ذلك محبطون جداً من التقدم المتسارع والمدنية المقبلة التي ستقضي عليهم حتماً، لأنهم أعداء الحياة لا شك ويموتون كل يوم ألف مرة حين تتجلى لهم مقديشو بالعناصر الحيوية من جميع النواحي.

من الناحية الاقتصادية ستجد تكتل المحلات التجارية تتنافس على طرح السلع المتنوعة، غذائية ودوائية أثاث منزلي وأدوات تقنية ومحركات أدوات بناء ومعدات إنشائية، تستورد من كافة أنحاء العالم شرقيه وغربيه وجنوبه وشماله مستوعبة القارات السبع، كيف لا وهي تطل على المحيط الهندي وتتغزل بها أكثر من خمس وعشرين ألف سفينة تجارية تمر عبر مضيق باب المندب، كيف لا وللصوماليين تجار سفراء حول العالم لا يغمضون جفونهم عن انتقاء أجود الأشياء لوطنهم، يورِّدون له كل نفيس وكل ثمين من البضائع والسلع والمقتنيات، وأتجاوز الحديث عن الثروات المكنونة في الصومال عموماً النباتية منها والحيوانية والمعدنية والبحرية، لا يجوز لي الخوض فيها عرضاً كما أنه ليس مقصوداً في هذه التدوينة الطارفة.

ولدت العاصمة الصومالية مقديشو من جديد بكرم ربنا، ليس ولادة وجودية تقابل العدم وإنما ولادة حياة كاملة أعقبت حياة ناقصة وبائسة، وتنضج بالنمو والتطور والتسلسل المدني الحديث

كما أنك ستجد المنشآت الخدمية تقدم الخدمات اللوجستية المساندة، إضافةً إلى الأعمال المهنية المتخصصة كالتسويق ومكاتب المحاماة والمحاسبين القانونيين ومكاتب الترجمة، وكذلك أعمال الدعاية والإعلان بما فيها البرمجة والتصميم والمونتاج، وتتوزع اللوحات الدعائية في أرجاء العاصمة تقوم بدور تنشيط السوق وتسيير السلع.

والحقيقة أن المنشآت الصحية الأهلية حضورها وافر ويلبي الضرورات؛ فالمستشفيات والمراكز الطبية المختصة والصيدليات تتوزع في كل أحياء مقديشو، ويمكن القول أن مقديشو ليست فقيرة من القطاع الصحي الأهلي، أما عن جودتها فإنها تقوم على كادر متعلم لا بأس به في الجملة وبعضهم لديه التفوق والمهارة الممتازة، قد تعلم ونال الزمالة المهنية في المهجر أوروبا وأمريكا والصين وأفريقيا وغيرهم، وتوجد نخبة من البروفيسورات الذين يؤدون دوراً رائعاً في الارتقاء بالمستوى الصحي في الصومال.

أما عن التعليم فإنني لا أكون مبالغاً إن قلت أن مقديشو مكتظة بالطلبة وحضورهم يسود العاصمة المزدحمة، وتتباهى مقديشو في الفترة الأولى من الصباح وأوقات الظهيرة بأزياء الطلبة الملونة التي تريح الأعين وتشعر بالحيوية، ونظير هذه النسبة الكبيرة من الطلبة الصوماليين فإن المنشآت التعليمية حاضرة بقوة، ويندر أن تمر من شارع رئيسي أول فرعي أو حتى داخل الأحياء دون أن تصادف مدرسة أو جامعة، مجهزة بالمرافق اللازمة بما فيها باصات التوصيل التي تسهل على الطلبة حركة التنقل من وإلى المدرسة أو الجامعة.

 

وهذا القطاع هو العامل الرئيسي للنهضة الصومالية وعنصر حقيقي فاعليته مباشرة، نظراً لأن الصوماليين قد زاحمتهم مشقة الخوف والجوع التي هددتهم في أنفسهم وأموالهم ولم يكن التعليم خياراً متوفراً، وفور أن توفر هذا الخيار بحلول الأمن اختار الصوماليون التعليم، وقرروا أن يسلكوا تكون طريق التكامل وجلب مستقبل النهضة القريب إن شاء الله.

نعم يا إخوة ولدت العاصمة الصومالية مقديشو من جديد بكرم ربنا، ليس ولادة وجودية تقابل العدم وإنما ولادة حياة كاملة أعقبت حياة ناقصة وبائسة، وتنضج بالنمو والتطور والتسلسل المدني الحديث وبإمكان الصوماليين من الآن فصاعداً أن يسردوا حكاية أزمتهم لكن بصيغة الفعل الماضي، ويتهيؤوا لاستقبال حياة جديدة بحمد الله والثناء عليه عند كل صباح ومساء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.