شعار قسم مدونات

كيف تصبح عظيما ويخلدك التاريخ؟!

blogs النجاح

لعل المتأمل لصفحات التاريخ والمتعمق بين طياته يدرك إدراكا لا شك فيه أن صناعة التاريخ ليست حكرا على مجتمع معين ولا زمن محدد ولا أمة واحدة ولا على أشخاص يمتلكون صفات غير بشرية! فالتاريخ يخبرنا أن العظمة والمجد والخلود هو ملك للجميع.. لجميع الساعين إليه، وليس للطامعين فيه وحسب، وهناك مئات النماذج بل آلاف، ربما مئات الآلاف ممن أوجدوا لأنفسهم على مر العصور رايات خفاقة فوق الزمان والمكان بما قدموا من خير ونفع لهذه البشرية ولهذا العالم الذي نحيا فيه، سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين.

 

فإعمار الأرض هو مسؤولية كل من خلق الله فوق هذه البصيرة ولا سيما المسلمين منهم، ولو دققنا النظر وتأملنا أغلب الإنجازات والاختراعات على مر العصور لوجدنا فيها المسلم وغير المسلم، ولكن انطلاقا من كوني عربي أرجو الخير لأبناء عروبتي، ومن كوني مسلما أرجو الحضارة والتميز لأمتي المسلمة صاحبة العراقة والمجد في التاريخ، ومن كوني آخرا كإنسان خلقه الله واستخلفه لعمارة هذه الأرض "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" سوف أخط هذه الكلمات؛ لعلها تلقى من القلوب أوعاها ومن العقول أفهمها فتنبت خيرا في دنيا البشر أو تغيث ملهوفا أو تنقذ ضائعا أو تحيي يائسا أو تقوي عزيمة أو تثمر نفسا طيبة لكنها لا تدرك الطريق ولا طبيعته. ولكن قبل البدء في أول خطوة على هذا الطريق الذي يحتاج منا إلى جهد عظيم للسير فيه، يجب أن ندرك طبيعته حتى ننجح في اجتيازه والوصول إلى مبتغانا منه، والفوز في الدنيا والآخرة حتى وإن لم تسعفنا الأقدار على الوصول إلى خط النهاية التي نرجوها.

إن طريق العظمة والخلود لهو طريق لا يليق إلا بالرجال ولا أعني بالرجال هنا "الجنس" ولكني أريد صفات الرجولة لا الذكورة، فقد تحمل امرأة صفات الرجولة وهي أنثى "أخت الرجال" ولذا يقول الله تعالى في كتابه الكريم "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْمَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا" فلم يقل ذكورا ولكن رجالا وهذا الفرق بينهما. فإلى كل من يلتمس الكسل وكل من يبحث عن الأعذار وإلى كل من يطلب الرخص في الأعمال وإلى كل من يتفنن في التسويف وإلى كل من يتقن إفساد الأعمال وإلى كل من يؤخر خيره.. إن هذا الطريق لا يليق بك إلا بالتخلي عن كل هذه المنحدرات التي أخرجتك عن حقيقة خلقك ودربك القويم الذي خلقت لأجله.. فإذا أردت أن تسلكه معنا فهيا بنا وسوف أمسك بيديك لأضعك عليه، نتكئ فيه على بعضنا البعض حتى يشتد عودنا ويقوى ساقنا ونتقن السير فيه حتى نصل إلى مبتغانا.

الأعمال العظيمة تحتاج إلى رجال عظماء وجهود عظيمة وأوقات أعظم فلا يقبل النجاح بسفاسف الأعمال والأقوال، ولا يرتضي بالوقت الضائع، ولا يجيز الأخلاق المهترئة، ولا يقر بالكسالى ولا النائمين ولا الجهلة

لست ساحرا أقدم لك وصفة سحرية، تنقلك في لحظة إلى ما تريد! ولست عفريتا من الجن أحضر لك ما تبتغي في طرفة عين، ولست رسولا أحقق المعجزات، إنما أنا بشر مكلف مثلك، لي طاقة، ووهبني الله ما وهبك من النعم تماما، غير أني أدركت بفضل الله حقيقة خلقي، وطبيعة وجودي، فاستطعت أن أقف على أول الدرب رغم شدة التيار الذي جرف الكثيرين إلى عالم الهاوية، فعاشوا وماتوا دون أن يسمع عنهم أحدا، سوى بفلان ولد ثم مات فلان، وتمر الأيام ويأتي غيرهم الكثيرون وتتوالى الحياة.

 

لذا عليك أن تنتبه جيدا أن كل ما أكتبه هو في قدراتك قبل قدراتي، بل ربما تكون أعظم مني قدرة على تحقيقه، وأشد عودا وأقوى عزما.. وعليك أن تعي جيدا أن الأعمال العظيمة تحتاج إلى رجال عظماء وجهود عظيمة وأوقات أعظم فلا يقبل النجاح بسفاسف الأعمال والأقوال، ولا يرتضي بالوقت الضائع، ولا يجيز الأخلاق المهترئة، ولا يقر بالكسالى ولا النائمين ولا الجهلة.. فإن أدركت هذا أولا ونجحت في اجتيازه فقد اجتزت فقط جسر العبور إليه.. ولكن كيف العبور بين هذه الأمواج الهادرة من السلبيات التي تغلف شخصياتنا من جهة ومشاغل الحياة من جهة أخرى وبين فتن المجتمع والحياة من جهة ثالثة وبين ضغوط الواقع من جهة رابعة؟!

عليك أن تدرك أمرا في غاية الخطورة إن أردت اجتياز جسر العبور لطريق النجاح والتميز والمجد والعظمة والخلود وألخصه في كلمات معدودة: "بقدر عظمة أهدافك بقدر عظمة نجاحك" فكلما كانت الأهداف شخصية وفردية كان النجاح شخصيا فقط، ولا يعم الآفاق كمن يعيش لغيره ويحيا لأجلهم وينجح لأجل إسعادهم، ولست أرفض أن تنجح لأجل نفسك، بل أكره أن يكون أقصى أمنياتك هو ذاتك، فمن يعش لنفسه يمت لنفسه، ومن يعش لغيره يحيا أبد الدهر "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ "؛ لذا ارتفع من أهدافك وابتعد عن السفاسف منها كي تعظم بعملك وجهدك، وتعظم بنجاحك وتميزك.

فإن فعلت هذا، اتضحت لك الرؤيا، وتمكنت من مشاهدة كل نقاط ضعفك، وكل سلبية أخرتك يوما عن عظمتك كإنسان ثم كعربي يحمل ثقافة عظيمة وكمسلم يحمل تاريخا لا يليق إلا بشخص عظيم . والآن أخي صاحب المجد.. أختي صاحبة الشرف العظيم.. هلم معا لنكتب سويا خطوات الوصول، ونخط معا خطوات النجاح.. ونرفع رايات السؤد والشرف الكريم. فإن كنت ترجو ذلك الدرب الذي خلقك الله لأجله "خليفة في الأرض" وتريد الوصول إليه، وتسعى جاهدا لتحقيقه.. فعليك باستقراء التاريخ وكيف سطر العظماء فيه صفحات مشرقة لهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.