شعار قسم مدونات

أسقط القمامة في الحاوية قبل أن تطالب بإسقاط النظام

blogs قمامة

هناك معضلة حقيقية في المجتمع المغربي هذه الأيام، وهي أينما ولّيْت وجهك إلا وسمعت أحدهم يشتكي من شيء ما. لكن الشكوى المشتركة بين الجميع هي تلك المتعلقة بالفساد السياسي، والشطط في استخدام السُلطة، وعدم إعطاء ذوي الحقوق حقوقهم! إن الجميع غير راضٍ عن الدولة، لنتوقف الآن لِلحظة، ولنتأمل هذا الكلام بعض الشيء. أليست الدولة انعكاسًا، بطريقة أو بأخرى، لروح الشعب؟ كيف تُمارس الدولة مهامها وأنشطتها وصلاحياتها؟ ألا تفعل ذلك عن طريق مجموعة من الأفراد الذين يتولون مناصب المسؤولية؟

هؤلاء الأفراد، أليسوا أيضاً جزءًا من الشعب المغربي؟ وهنا، أعتقد بأن المواطنين البُسطاء يتخيلون بأن الدولة تملك آلة عجيبة، تُخفيها في مكان سري ما، وعن طريق تلك الآلة تتمكن الدولة من صناعة المسؤولين لتقوم لاحقًا بتسليطهم على الشعب لقهره، وسلب حقه، ونهب ثرواته. لنتراجع بعض الشيء إلى الوراء، ولنفكر في مستوى أبسط بعض الشيء. أنا باعتباري مواطنًا مغربيًا، حينما أذهب إلى مقاطعة الحي لأجل قضاء مصلحة إدارية ما، غالبًا ما أجد المكان غارقًا في الفوضى. أرى الموظف جالسًا في مكانه، يُوَقِّع الأوراق، كما أنه يفعل ذلك بسرعة ودون أدنى تماطل.

لكن على الجانب الآخر، فإن المواطن العادي البسيط مثلي، يحاول بكل ما في استطاعته أن يتجاوز دوره في طابور الانتظار. يحاول أن يتجاوز المرأة العجوز الواقفة أمامه، يتظاهر بالحديث في الهاتف ويحاول التسلسل ليأخذ مكان رجل آخر في الطابور. إن هذا الشخص الذي لا يحترم دوره، هو أبرز مثال للفساد الحقيقي. لنتحول إلى مثال آخر، أذهب عند بائع المواد الغذائية، فأجد امرأة تطلب من البائع حليبًا وخبزًا ومواد أخرى، أنتظر انتهاءها. قد يطول انتظاري بسبب أنها تشتري العديد من المواد، لكنني رغم ذلك أنتظر. قد أكون واقفًا هناك لأشتري علكة صغيرة فقط، لكنني لا أتطفل على من يكون قبلي في الطابور.

إن مسلسل الإصلاح، هو مسلسل بسيط لدرجة أننا أصبحنا نراه أعقد مما هو عليه فعلًا. يجب على الأسرة باعتبارها المسؤول الأول عن التربية، أن تقدم لنا أطفالًا بتربية جيدة وسليمة.

وهنا يحدث ما أتوقع دائمًا. ما أن تنتهي المرأة من طلب المواد التي تريد، وتدفع المال وتهم بالانصراف، إلا ويظهر شخص ما ليتجاوزني محققًا بذلك ميدالية ذهبية في السباق غير العادل. مثال هذا الشخص الذي لا يحترم دوره أيضًا، هو أبرز تمظهر للفساد الحقيقي. لا أريد أن أقدم أمثلة أكثر من هذه، لأنني أظن بأن الرسالة من المثالين السابقين قد وصلت بوضوح. إن الأمثلة عديدة، في الإدارات العمومية، في المدارس، في المقاهي، وفي الحمامات المغربية الشعبية، وهلُم جرًا.. ألا يدعونا هذا الأمر إلى التساؤل حول هذه الأفعال، من هم هؤلاء الذين يتصرفون هكذا؟ هم مواطنون مغاربة.

إذن كيف بك أيها المواطن المغربي أن تشتكي حينما يطالبك أحد المسؤولين برشوة، وأنت أيضاً تمارس فسادًا من جهتك، بتجاوزك لدورك في طابور الانتظار؟ هذا المسؤول الإداري الذي يأخذ الرشاوى، وذلك المسؤول الأعلى الذي يختلس الأموال ولا يُنجز المشاريع، ألم يُعاني هو أيضاً في فترة من فترات حياته من نفس الأمر حينما كان يذهب لقضاء مصالحه الإدارية؟  ذلك القائد في المقاطعة الحضرية، ألم يدرس هو أيضاً بالجامعة المغربية؟ ألم يُعاني هو الآخر من ويلاتها؟ ألم يحصل على شهادة الإجازة أو الماستر بعد معاناة طويلة؟ لكن الفرق الآن، هو أنه تحول من طالب إلى مسؤول داخل إدارة عمومية، لكن هذا الأمر الأخير، لا ينفي أنه لا زال مواطنًا مغربيًا.

إذن فإذا كان المواطن المغربي، الذي عانى في مرحلة ما من مراحل حياته، لا ينفك حينما يصبح مسؤولًا بتكريس نفس المعاناة التي مورست عليه بممارستها على غيره، فكيف سيأتي التغيير والأمر على هذا الحال؟ يؤمن العديد إيمانًا حقيقيًا، بأن المشكل المغربي هو مشكل قوانين بالدرجة الأولى، مثل مشكل عدم العمل بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكنني أرى عكس هذا تمامًا. إنني أكاد أقسم بأن المشكل المغربي بالأساس هو مشكل عقليات، هو مشكل أشخاص يصرخون ضد الفساد، لكنهم لن يترددوا أبدًا في أخذ قطعة من كعكة الفساد الكبيرة إذاً حدث أن عُرضت عليهم يومًا ما.

كما أنني لدي اعتقاد راسخ جدًا بأنه لو تمكننا، بطريقة أو بأخرى، من الاستيقاظ غدًا ووجدنا بأن القوانين مثالية، وأن المسؤولية أصبحت مرتبطة بالمحاسبة. فإنه بالرغم من ذلك إذاً اقترف أحدهم مخالفة قانونية، فإنه سيتصل بابن عم صديقه الذي يملك علاقة مع صاحب شركة يملك أرقام هواتف جميع المسؤولين، وسيطلب من ابن عم صديقه ذلك أن يتوسط له لكي يُفلت من العقاب، أو في حالة أخرى، لكي يحصل على خِدمة أو امتياز ليس من حقه. وبذلك سيعود الفساد بصيغة أخرى رغم وجود القوانين العادلة.

قد يعترض مُعترض ليقول بأن الدولة هي السبب في ذلك، أن الدولة هي التي لم توفر مدارس بجودة جيدة، لم تُحارب الهدر المدرسي، وبدل ذلك قدمت لنا إعلامًا رخيصًا، وقنوات تلفزيونية تافهة. وهكذا فإن انعكاس سياسات الدولة تلك كانت هي السبب الرئيسي في ظهور شعب فاقد لروح المسؤولية. لكن بغض النظر عن مدى صحة أو خطأ هذا الادعاء، ولنفترض، جدلًا، بأنه فعلًا صحيح، فهل هذا مبرر لفساد المواطنين قبل فساد الدولة؟

إن مسلسل الإصلاح، هو مسلسل بسيط لدرجة أننا أصبحنا نراه أعقد مما هو عليه فعلًا. يجب على الأسرة باعتبارها المسؤول الأول عن التربية، أن تقدم لنا أطفالًا بتربية جيدة وسليمة. والمعلم (المدرسة)، باعتباره مواطنًا يمثل امتدادًا للأسرة، يجب عليه أيضاً أن يمارس مهنته بحب ونزاهة وتفانٍ. الإعلام الذي يشغله مواطنون مغاربة أيضًا، يجب أن يتجه هو الآخر إلى تقديم برامج مسلية وهادفة وممتعة، وعلى الجانب الآخر، على المواطن المستهلك ألا يُفضل مشاهدة الفضائح أكثر من مشاهدة البرامج الثقافية الجيدة. أقول في النهاية: أن التغيير لا ينطلق من هدم البرلمان وإعادة بنائه، وإنما ينطلق من عدم رمي القمامة في الشارع، ورميها بدل ذلك، في الحاويات المخصصة لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.