شعار قسم مدونات

مدينتي ليس بها أكبر جامع وأضخم كنيسة

blogs مسجد وكنيسة

أبدأ وأقول صف لي مدينتك أقول لك من أنت. قل لي كيف تعاملك مدينتك، أقول لك كم أنت وطني منتمي. هذه مدينتي. أرى المدينة من خلال عيون قاطنيها، من خلال الحياة التي يعيشها معظم وليس صفوة من يسكنها، من خلال قدرة المدينة في مساعدتك لتكون صداقات وعائلة وأن تفعل ما يسبب لك المتعة والسعادة ويحقق لك السلام والصفاء. هذه مدينتي. لماذا نمط الحياة المبهر للقلة، والفقر وقسوة الحياة للكثيرين؟ عالمنا يتمتع بتطورات تقنية ورقمية وتصميمية وتخطيطية ومالية وإدارية غير مسبوقة وما زال معظم السكان فاقدين المأوى والأمل.

عندما تردم هذه الفجوة السحيقة ويصبح هذا الانقسام الفج تاريخا لن يعود، تكون هذه مدينتي. حتى يمكن الوصول للغاية المنشودة، يجب أن نبدأ وصورة المنتهى واضحة في أذهاننا. هذا هو تخطيط المدينة. لا يمكن أن نتحول من التركيز على عمران الشعب إلى عمران الصفوة المنعزل، ونعتقد أننا نبني مدينة تحقق الرخاء والانتماء وتنشر العدل والسلام. هذه هي مدينتي.

عندما يتوقفون عن سؤال ملايين من الناس: هل يوجد لديكم ماء جاري، صرف صحي، كهرباء، هل تم تطعيم أولادكم، هل ذهب أولادكم للمدرسة هذا الصباح، كم وجبة تتناولون كل يوم؟ عندما نتوقف عن طرح هذه الأسئلة تكون المدينة عادلة وتستحق الحب والفخر بالانتماء لها. وهذه هي مدينتي. المواصلات العامة التي تحترم البشر هي العامود الفقري للمدينة لأنها تحقق التواصل بين البشر والمكان وتخلق فرص نمو وحراك اقتصادي وتحسن البيئة وتساوي بين الناس. فقط عندما تصبح المواصلات العامة صديقة للإنسان تكون المدينة صديقة للإنسان. هذه هي مدينتي.

أهم من كل ما نتحدث عنه من عوامل نجاح المدينة: البنية التحتية والبيئة المبنية والموارد الطبيعية وخط السماء المبهر. كل هذا جوهري ومهم ولكن الفارق هو الإنسان

إي مدينة هي للناس. وعندما لا يستفيد الناس من المدينة فأنها لا تصبح مدينتهم ولا مكانهم ولا وطنهم. مدينتي يطل الناس جميعهم فيها على أنهارها وبحارها ويتنزهون على ضفافها ولا تمنعهم أبدا لافتة مكتوب عليها شاطئ خاص وناد خاص. مدينتي هي المدينة التي تحتضن الناس وتحميهم وتسعدهم لأن المدينة هي الناس والوطن هو الناس والجنة بدون الناس ما تنداس. هذه هي مدينتي.

المدينة المزدحمة الصاخبة التي تضمن لساكنيها الهروب من هذا الازدحام والصخب إلى حدائق عامة مفتوحة وأمنة وهادئة ومتاحة للجميع وعلى بعد خطوات أو دقائق من مركز المدينة وتنتشر عضويا في نسيجها. هذه هي مدينتي. مدينتي تحتفي بفصول تاريخها بلا استثناء ولا تتخلص من تراثها خضوعا لرغبة مستثمر جشع أو فساد مسئول جاهل. مدينتي لا تُهمش أصحاب العقول والضمائر والأفكار وتُمجد المنافقين والمنتفعين والفهلويين. هذه هي مدينتي.

المدينة هي حيز لتكثيف الإنسانية، شبكة من التواصلات والتفاعلات البشرية. المدينة تعود إلى الحياة كل يوم بسبب البشر. نعم أهم من كل ما نتحدث عنه من عوامل نجاح المدينة: البنية التحتية والبيئة المبنية والموارد الطبيعية وخط السماء المبهر. كل هذا جوهري ومهم ولكن الفارق هو الإنسان. المدينة الصديقة للإنسان. هذه هي مدينتي.

البشر هم سبب عودة المدينة للحياة. البشر هم من يتجمعون في فضاءات المدينة المشتركة ليعملون، ليعيشون، ليلعبون، ليتعلمون. إذا كان البشر مرحب بهم حقا في المدينة فانهم يستحقون أن يشعروا بهذا الترحيب. يستحقون التعبير عن هويتهم ومن أين جاءوا. مدينتي هي المدينة التي تحتضنهم ليشاركوا الأخرين في قيم مشتركة وحياة عادلة. هذه هي مدينتي.

مدينتي تبكي عندما ينبش بعض سكانها أكوام القمامة بحثا عن لقمة تسد جوع ألمه لا ينتهي. مدينتي تُوطن الإنسان وتُسعد الإنسان وتَضمن قيم الإنسان
مدينتي تبكي عندما ينبش بعض سكانها أكوام القمامة بحثا عن لقمة تسد جوع ألمه لا ينتهي. مدينتي تُوطن الإنسان وتُسعد الإنسان وتَضمن قيم الإنسان
 

المدن العظيمة أمس واليوم وغدا هي التي كانت دائما ملتقى للأعراق والثقافات، ومن خلال هذا التنوع والتداخل والتفاعل تتحول إلى مراكز للمعرفة والإنتاج وتقديم الجديد وصياغة أنساق اجتماعية وإنسانية جديدة. هذه هي مدينتي. مدينتي ليس بها أكبر مسجد وأضخم كنيسة وأعلى ناطحة سحاب. مدينتي لا تحرسها الدبابات ويشرف على إدارتها المخبرين. مدينتي ليس لها سور عملاق. هذه هي مدينتي.

مدينتي تحفز العقول وتثير التساؤلات وتشجع المبدعين وتحتفي بالفنانين. مدينتي مرسم مفتوح ومتحف ممتد وملعب أخضر وملتقى للمفكرين وساحة حرة لأصحاب الأقلام والألوان والعدسات والريشات. مدينتي تنتحب عندما يرتعد بعض سكانها من برد قاس. مدينتي تصرخ إذا ظُلم بسطائها وسُحق فقرائها. مدينتي تغضب وبعض سكانها في سجون موحشة باردة فقط لأنهم يسعون للحرية والعدالة والكرامة.

 

مدينتي تبكي عندما ينبش بعض سكانها أكوام القمامة بحثا عن لقمة تسد جوع ألمه لا ينتهي. مدينتي تُوطن الإنسان وتُسعد الإنسان وتَضمن قيم الإنسان. نعم يقينا مدينتي ليس بها أكبر مسجد وأضخم كنيسة وأعلى ناطحة سحاب. مدينتي ليس بها تمثال عملاق منحوت على قاعدته: الزعيم الملهم الخالد الطبيب الفيلسوف. لكن مدينتي هي مدينة الإنسان. مدينتي هي الإنسان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.