شعار قسم مدونات

الكونفدرالية مع الأردن.. هل قبل عباس صفقة القرن؟

blogs محمود عباس

كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية مؤخراً أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد صرح خلال لقائه نشطاء من اليسار الإسرائيلي قبل أيام، إن صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه غاريد كوشنير، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي جيسون غرينبلات طرحا عليه إنشاء دولة كونفدرالية مع الأردن، ووفق الصحيفة فإن عباس أكد خلال اللقاء أنه سيوافق على ذلك. وقال حرفياً خلال اللقاء: "سألوني إذا كنت مؤمناً بفيدرالية مع الأردن، قلت: نعم، أريد كونفدرالية ثلاثية مع الأردن ومع إسرائيل، كما أنني أؤيد بشدة أمن إسرائيل وإيجاد حل لقضية اللاجئين".

عدد من أعضاء الوفد الإسرائيلي الذين حضروا اللقاء مع رئيس السلطة قالوا: "لقد فوجئنا لسماع أبو مازن يقول إنه يؤيد كونفدرالية سياسية تضم الأردن وفلسطين شريطة أن تشارك فيها إسرائيل". وضم الوفد الإسرائيلي الذي استقبله عباس، أعضاء من حركة "السلام الآن" الإسرائيلية، والسكرتير العام للحركة شاكيد موراغ، وعضوي الكنيست موسى راز عن حزب ميريتس، وعن المعسكر الصهيوني كسينيا سفيتلوفا، ونشطاء سلام من حزب الليكود.

محافل أردنية رفيعة المستوى وأوساط أخرى رفضت بشكل قاطع فكرة الكونفدرالية التي وافق عليها الرئيس عباس، العاهل الأردني قال أن الكونفدرالية بالنسبة للأردن خط أحمر، معبراً عن رفض بلاده فكرة إقامة كونفدرالية مع الفلسطينيين. مثل هذه التصريحات يجب ألا تمر مرور الكرام، وهي بحاجة لوقفة وتأمل، والسؤال هنا، ما الهدف من تبني رئيس السلطة محمود عباس فكرة الكونفدرالية الثلاثية بين كل من "الضفة والأردن وإسرائيل"؟

طرح فكرة الكونفدرالية ما هو إلا رسم في الخيال وتسويات لا تعيد الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وتشكل خطراً يتهدد القضية الفلسطينية لتصفيتها

فكرة الكونفدرالية التي قَبِل بها الرئيس عباس لم تكن كلاماً في الهواء، أو دون قصد فهي موافقة واضحة على أحد البنود الخطيرة لـ"صفقة القرن" وأولى ملامح الصفقة الأمريكية التي يريدها ترامب، وهي بداية حقيقية لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، والذي لن يكون جزءاً من الكونفدرالية، حيث سيتم إخضاعه للرعاية الأمنية المصرية وفقاً للرؤية الأمريكية، وهو ما يعني أن رئيس السلطة محمود عباس شريك أساسي وفاعل في تمرير صفقة القرن مع أطراف عديدة في المنطقة.

ما نسمعه حول فكرة الكونفدرالية يطرح تساؤلاً مهما ً: وهو "كيف يُتاجرْ بالقضية الفلسطينية بهذا الشكل الرخيص من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي أصبح يمارس الدكتاتورية في كل شيء، ومن فوضه لأن يوافق على مشاريع مشبوهة؟! أم هو تجميل لسياسة الفشل لمشروع أوسلو.

ما يدور في عقول الساسة في السلطة الفلسطينية جد خطير، ومؤشر عملي على تورط السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وهو ما يعني ترجمة عملية للمشروع الأمريكي للسلام في المنطقة أو ما يسمى "صفقة القرن"، وتقزيم للحق الفلسطيني من قضية عادلة إلى حلول هزيلة لا ترقي إلى طموحات وتطلعات وتضحيات الشعب الفلسطيني، بل هو تخلٍ صريح وواضح عن قدسية ومكانة القضية الفلسطينية وعدالتها، بل ضياع حقيقي لقضية القدس وحق عودة اللاجئين، هذا الحق المستهدف بشكل فاضح من قبل إدارة ترامب.

أمام مثل هذه المشاريع المشبوهة التي تشكل خطورة استراتيجية وسياسية على قضية فلسطين، فإنني أؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي هو كيانٌ محتل سرق الأرض الفلسطينية والمقدسات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون كياناً مرغوباً به، أو دولةً مقبولةً في المنطقة إلا عند المطبعين أصحاب المشاريع الانهزامية الاستسلامية، وأن كنس هذا الاحتلال الذي يشكل غدة سرطانية في المنطقة هو حتمي لا مفر منه.

كما أن طرح مثل هذه المشاريع "الكونفدرالية" يشكل تقاطعاً حقيقياً مع مصالح الاحتلال الذي يسعى لشطب القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني. إن مثل هذه المقترحات التصفوية تتطلب تحقيق المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام بشكل فوريّ، والتفرغ إلى حماية المشروع الوطني الفلسطيني ومواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

إن طرح فكرة الكونفدرالية ما هو إلا رسم في الخيال وتسويات لا تعيد الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وتشكل خطراً يتهدد القضية الفلسطينية لتصفيتها، ووهم بفرض حلول جديدة بعد فشل خيار التسوية في إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، ليصبحوا تبعاً لدولة مجاورة دون سيادة أو مقومات، وهو ما يفرض على الفلسطينيين في هذ المرحلة الوحدة والتمسك بحقوقهم والدفاع عنها في كل المحافل الدولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.