شعار قسم مدونات

احذروا فخ الزواج!

blogs زواج

"احذروا فخ الزواج" عبارة تترد على لسان كثير من الشباب الذي بدأ في العزوف عن الزواج، أو تأجيله وبدأنا نلمس بشكل ملحوظ تراجع في مستوى الإيمان بمؤسسة الزواج؛ وازدياد أعمار المقبلين عليه. قد تكون تجارب الزواج الفاشلة ساهمت في تكون رؤية تشاؤمية غير علمية، حيث يردد الأزواج الذين خاضوا تجربة الزواج بعد مضي عدد من السنوات كثير من العبارات التشاؤمية مثل أنه فخ أو مصيدة، ويشكو الكثير منهم من غياب الحب، وربما ساهمت نسب الطلاق المتزايدة في المجتمعات بالتوجس والخوف لدى الكثير من الشباب وعدم رغبة الكثير منهم تحمل المسؤوليات المالية والاجتماعية المترتبة على الزواج، ولسان حالهم يقول: ما الذي يجبرني على خوض تجربة فاشلة أو مرهقة تسلبني الراحة والسعادة وتكبلني المسؤوليات؟!

ولقد أجرى علماء الاجتماع في روسيا في الثمانينات استفتاء سألوا فيه 15 ألفا من العمال والموظفين والمهندسين والباحثين العلميين الشاب عن موقفهم من الحب. وقد أجاب الثلث من المستفتيين أنهم لا يؤمنون بالحب، وأجاب قسم آخر أنهم لم يعودوا يؤمنون بالحب، بينما جاب الباقون أن الحب هو بدعة اخترعها الشعراء والأدباء.

ولكن مايكل أرجايل في كتابه المعنون بـ "سيكولوجية السعادة" يشير إلى دراسة أجريت في الولايات المتحدة في الأعوام ما بين 1957، 1976 لقياس أثر التفاعلات الاجتماعية وشبكة العلاقات، وكان من نتائجها وجود ارتباط ما بين الشعور بالهناء والسعادة في حالة الزواج مقابل عدم الزواج، وهذا التأثير أعلى عند الذكور منه لدى الإناث، وأن الرجال غير المتزوجين أقل سعادة من النساء غير المتزوجات، مما يوحي أن فائدة الزواج للرجال أكثر من فائدته للنساء، فالزواج يوفر دعما اجتماعيا للأزواج، وبشكل عام المتزوجين أكثر سعادة من العزاب أو الأرامل أو المطلقين.

يجب أن يتعامل الشخص الباحث عن شريك للحياة وفق شخصيته الحقيقية من غير تزييف لأنه قد يجذب إنسان يبحث عن غيره تماما، وأن يتأكد من أن الشخص مناسب ومخلص له

المشكلة لا تكمن بالزواج، فمزايا الزواج تفوق كثير من مساوئه، لكن تكمن في نقص المعلومات، والأحكام المسبقة، وتأثير الهالة في تشكيل أفكار الشباب وتوجهاتهم تجاه الزواج، وفي الغالب يقبل الشباب على الزواج بتهيئة نفسية وعلمية متواضعة جدا؛ بحيث يصطدمون بعد مدة قصيرة بجدار الواقع المحمل بالمسؤوليات وتبعات الزواج، مما يجعل الزواج عرضة لأن تعصف به المشكلات المختلفة التي قد تقوض أركانه إن لم يتم التعامل معها بحكمة. والحقيقة أن قرار الزواج للشاب والفتاة من أهم القرارات التي تتخذ في الحياة، ويجب أن تبنى على تقييم صحيح واختيار دقيق وليس بطريقة عشوائية فهناك قواعد لاختيار شريك الحياة.

 

من القواعد المهمة التي أوردها الكاتب ريتشارد تمبلر في كتابه "قواعد الحب" التي تهتم باختيار شريك الحياة وفق أسس موضوعية: يجب أن يتعامل الشخص الباحث عن شريك للحياة وفق شخصيته الحقيقية من غير تزييف لأنه قد يجذب إنسان يبحث عن غيره تماما، وأن يتأكد من أن الشخص مناسب ومخلص له و يتطلب ذلك معرفته لفترة طويلة، ودعا إلى الاستقامة بعدم حب شخص خارج حدود المباح، واعتبر الاهتمام المتبادل من المعايير المهمة لنجاح العلاقة، كما أشار إلى الاهتمام بالصفات الروحية الجوهرية أكثر من الصفات الشكلية.

 

واعتبر من المعايير المهمة عند الاختيار الارتباط بشخص خفيف الظل يهتم بإضحاك شريكه وإدخال الفرح والبهجة لقلبه،"اختر شخصا يجعلك تضحك" واعتبر خفة الظل من السمات الثابتة التي لا تتغير وتعين على تجاوز كثير من مصاعب الحياة، كما أكد على أهمية وجود الأهداف المشتركة بين الشريكين. ومن المفضل أن يكون الشريكان من نمط شخصية واحد أو متقارب كما أشار له الكاتب كارول ريتبرجر في كتابه "الحب وجوه الائتلاف والاختلاف"، ومن المفيد إجراء الاختبارات النفسية والشخصية قبل الارتباط.

تشير الأدبيات النظرية أن الحب بين الأزواج ينمو ويتحقق من خلال:

– الاحترام وتحمل المسؤولية وقيام كل من الشريكين بواجباته تجاه الآخر، ويتأتى ذلك من خلال المعرفة الصحيحة للحقوق والواجبات، ومن المؤسف أن كثير من الرجال والنساء يعيشون ويتصرفون في حدود مصالحهم الذاتية بعيدا عن المصلحة العامة والمشتركة.

– التفهم لدوافع الطرف الآخر، والقدرة على فهم أسباب تصرفاته، وفهم الفروقات السيكولوجية بين الشريكين، مثلا المرأة تبحث عن الرجل الذي يشعرها بالسعادة، في حين يبحث الرجل عن المرأة التي يجد معها الراحة. والمرأة تعطي عندما تشعر أن هناك من يرعاها، في حين أن الرجل يعطي أكثر عندما يشعر أن هناك من يحتاج إليه، المرأة تميل إلى التحدث مع الآخرين عند مواجهتها مشكلة، في حين يميل الرجل إلى الانعزال والتفكير بهدوء.

الزواج وسيلة لاستشعار جماليات الحياة، من خلال مشاركة تفاصيل الحياة مع إنسان آخر يهتم به ويرغب بقربه واختاره وفضله من بين العديد من الناس
الزواج وسيلة لاستشعار جماليات الحياة، من خلال مشاركة تفاصيل الحياة مع إنسان آخر يهتم به ويرغب بقربه واختاره وفضله من بين العديد من الناس
 

– يحتاج إلى المرونة والابتعاد عن الصلابة وتجنب المبالغة في تهويل المتاعب وردود الأفعال، ويحتاج إلى التسامح بين الأزواج والتغافل عن الهفوات، والتركيز على مواطن القوة لا الضعف.

– العطاء الكامل من الشريكين قدر المستطاع، وينمو من خلال الأعمال التطوعية التي يقوم بها كلاهما اتجاه الآخر.

– مواجهة الحياة معا من خلال التزام الطرفين بعدم السماح لأي مشكلة أن تحول بينهما، وتكوين تجربة شخصية فريدة ومستقلة بعيدا عن استنتاجات الناس وانطباعاتهم المسبقة عن الزواج، فما يصلح لغيرك قد لا يصلح لك.

– التواصل الفعال من خلال إتقان مهارات التحدث والاستماع والنقاش، كثير من المشكلات تنجم عن عدم قدرة الشريكين على التحدث مع الآخر، وضعف التواصل خاصة التواصل غير اللفظي مثل التواصل البصري ولغة الجسد، وعدم القدرة عن التعبير عن المشاعر.

– السماح لشريك الحياة أن يكون ذاته وأن يكون له اهتمامات مختلفة، بلا استحواذ أو شعور بالتملك.

– إشعار كل شريك الطرف الآخر بالأهمية والامتنان لوجوده في حياته، والشعور بالمسؤولية تجاه سعادة ومصلحة الآخر؛ بأن تبحث عن ما يسعد الطرف الآخر ويحبه فتفعله، ولا بد من أن يضع كل شريك سعادة الآخر على سلم الأولويات.

إن الزواج وسيلة لاستشعار جماليات الحياة، من خلال مشاركة تفاصيل الحياة مع إنسان آخر يهتم به ويرغب بقربه واختاره وفضله من بين العديد من الناس، ويشعر من خلال علاقته به بالانتماء إلى هذا العالم، وتقل بصحبته مشاعر الخوف والقلق والوحدة، ويستمد منه القوة والقدرة على تحمل المصاعب، والدافع للتطور والتقدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.