شعار قسم مدونات

محمد عبد الكريم الخطابي.. مؤسس حرب العصابات (2)

blogs-عبدالكريم الخطابي

في ماي 1925 قامت قوات جيش محمد بن عبد الكريم الخطابي بمهاجمة إحدى كتائب الجيش الفرنسي بمناطق نفوذه جنوباً، فاضطرت مع هذا المعطى الجديد فرنسا على وجه السرعة الى استدعاء القائد العام الماريشال العام للجيش الفرنسي هوبير ليوطي، فما كان إلا أن اتحدت إسبانيا وفرنسا ضد محمد بن عبد الكريم الخطابي وجيشه القبلي وبمباركة بريطانيا، وأعلنت فرنسا أن الخطابي أعلن الحرب على المسيحية لكسب التعاطف الخارجي ودعم الكنيسة.

ورغم ذلك استمر زحف الخطابي نحو الجنوب، وأمكنته بريطانيا من شراء 7 طائرات حديثة واستطاع أيضاً استمالة كل قبيلة يحررها من الاستعمار الفرنسي لتحارب معه المستعمر. فكان الرد الفرنسي قاسياً ودموياً، بقصف كل القرى التي دعمته ودخلت في حلفه بما فيها الأطفال والنساء والشيوخ، فأضحت جبال وقرى ومداشر المغرب بقعاً حمراء من الدم، فكانت الجثث متناثرة في كل جهة. ورغم كل هذا فقد كان القادم أسوء من فرنسا وإسبانيا. طالبت فرنسا من الخطابي عقد هدنة، لكن للأسف فرنسا كانت تخاطب قطاراً زاحفاً لا يتوقف كلما زادت وحشية الفرنسيين إلا وزاد تعنت الخطابي وإصراراه على تحرير المغرب. وخلال شهر واحد فقط استطاع الخطابي اختراق جميع خطوط الدفاع الفرنسية، مما دفع فرنسا لتهجير القبائل خوفاً من أن تنظم لجيش الخطابي. وفي عز الثورة أًصدر السلطان يوسف بن الحسن بياناً بعصيان الخطابي وأنه يوفض الفتنة النائمة ويفسد في الأرض. ورغم هذا لم يثني عن استمرار الخطابي في الزحف نحو الجنوب بدعم قبائلي من مختلف الفصائل.

الضربة القاضية
المغاربة لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فانتصر بهم فهم خير أجناد الأرض.

حاولت فرنسا وإسبانيا مجدداً الاستلاء على الحسيمة بعد أن حشدت ربع مليون جندي، لكن قوة دفاع جيش خطابي دفعتهم للهرب في مراكبهم الى الجزر القريبة، في انتظار الطيران الفرنسي الاسباني، الذي جعل من شمال المغرب أول منطقة في العالم تعرف تجربة للقنابل الكيماوية في إحدى أبشع الحروب في العالم، ما زلت ترسباته وآثاره الى يومنا هذا. بعدها بدأت المفاوضات مع جمهورية الريف المستقلة يقضي بحصول الريف على الاستقلال الذاتي في إدارة الريف مقابل اعترافهم بسلطان المغرب وفرنسا واسبانيا ممثلين عن المغرب دولياً. وفي أثناء المفاوضات عرفت فرنسا حدثاً هاماً وهو صعود الحزب اليميني لسلطة الحكم فتم إضافة بنود أخرى منها تخلي الخطابي عن أسلحته والسماح لقوات الجيش الفرنسي والاسباني بالعسكرة داخل الريف. إضافةً الى نفي الخطابي، فأعلن الخطابي أن الريف مقدس ولن تطأ أرضه قدم أي حقير مستعمر، ولوشاء الله أن يموت فسيموت وبندقيته في يده. في ذلك الوقت تم سؤال الجنرال الاسباني برانغواير عن حرب الريف فقال (استخدمت الاسلحة الكيماوية بمتعة حقيقية). لمدة سنة، استمرت اسبانيا وفرنسا بضرب الريف بالغاز السام والحصار وتجويع الانسان والحيوان، أمام كل هذا الضغط اضطر الخطابي إلى تسليم نفسه لفرنسا التي نفته الى جزيرة لا ريونيون وبعدها هرب لمصر التي كانت مثواه الاخير.

كلما تأملت جيداً في التاريخ قديمه وحديثه، إلا وتكتشف أن بلاد المغرب الأٌقصى، كانت ولا زالت منبعاً خالصاً للثوار من جيوش طارق بن زياد وكتائب المغاربة في حطين وبن تاشفين والمرابطين والموحدين وموحى اوحموزياني وعبد الكريم وماء العينين والزرقطوني والروداني. تتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المغرب وطن للحرية والأحرار قد يخبو حيناً لكن يعود أقوى وأقوى. فقال الحجاج بن يوسف الثقفي فيهم: (المغاربة لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فانتصر بهم فهم خير أجناد الأرض. واتق فيهم ثلاثاً نسائهم، فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الاسود فرائسها، أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم، دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك) رحل الخطابي وترك خلفه إرثا لم يمحه الزمن، بعد أن استلهم منه تشي جيفارا خطط حرب العصابات، وكان قدوة للزعيم الصيني ماوتسي تونغ. رحل محمد بن عبد الكريم أسطورة الريف والمغرب عن الحياة لكنه أكد للعالم أجمع عبقريته الفذة في بناء نظم جديدة للخطط العسكرية. توفي الخطابي مؤكداً أن المغرب وطن للحرية والأحرار، وأن الحرية رفاهية لا يستحقها سوى الأبطال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.