شعار قسم مدونات

دولة إسلامية في قالب علماني!

blogs - mosque

قبل أيام قلت "بعض شباب الإسلاميين الذين يقيمون في الخارج يعيشون حالة انفصام بين تصورهم للدولة وبين ما يرونه من نماذج الدول القائمة على قواعد الإنسان الحر". هذا الكلام قلته كرد على ما قالته الناشطة اليمنية توكل كرمان عندما طرحت فجأة فكرتها حول الدولة التي تريدها في بلادها. توكل هي ناشطة منخرطة في حزب سياسي ذو توجه إسلامي وهو حزب الإصلاح اليمني، أو إخوان اليمن كما يسمونهم في أغلب وسائل الإعلام. ساستعرض هنا ما قلته حتى لا أكلف من يقرأ بالرجوع والبحث عن حديثي.

حديث توكل كرمان حول "العلمانية والديمقراطية" يشرح حالة الانفصام الذي يعيشه بعض شباب التيارات الإسلامية الذين يعيشون في الغرب "العلماني الديمقراطي". هم يردون هذا النموذج الغربي الذي يقدس الإنسان وحقوقه، وحريته التي هي حق مقدس. توكل كرمان هي عينة من الحالة "الانفصامية" لدى هؤلاء الشباب. نجد أن شباب الإخوان الذين هُجروا إلى تركيا "العلمانية الديمقراطية" يرونها نموذج يجب أن تكون عليه بلدانهم، لكنهم عندما يصلون للحكم تجدهم أبعد من أن يقوموا بإصلاح بنيوي على تيارهم دعك عن النظام الأساسي للبلاد.

بعد فوز الإخوان في مصر، وليبيا، وتونس إبان الثورة العربية المطلبية ووصلهم للحكم نصحهم أردوغان أن يتحولوا إلى رجال دولة ويغيروا في التفكير الذي يتحكم في التيار، ويقوموا بعملية إصلاح تتوافق والحكم لهذا العقد من الزمن، بمعنى أن يستجيبوا لمتطلبات المرحلة ماذا كانت ردت فعلهم؟ لقد رفضوا جميعهم هذه المقترحات، بل وهاجموا أردوغان حينها، لم تخطف الإشارة غير حركة النهضة بعد أن أوت للسقوط لم ينقذها سوى الحوار الوطني، وتقديمها تنازلات على مستوى الحكومة. هذا ما قلته.

هذا الجيل يرى ويقرأ نماذج لدول قائمة، دول مسلمة لكنها قائمة كمؤسسات دولة على البناء العلماني هذا الدول تُلبي حاجات مواطنيها من كل نواحيها الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية

لكن اتهامي لها أو لهم وأعني أخر جيل من الإسلاميين بالانفصام كان اتهام مخطئ؟ سأحسن الظن في ذلك وأقول أنني كنت مخطئ في هذا السياق، وأن هذه الصحوة صحوة متأخرة أو يمكن أن نطلق عليها "صحوة الدولة الإسلامية في النموذج العلماني، أو ذات الهيكل الإسلامي". هذا التحول يمكن أن يكون اضطراري إذا أتت هذه الدعوة من قيادي متقدم أو من القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية، لكن أن تأتي من الشباب هذا يعني من دون أدنى شك هو تحول طبيعي في الفكر الحركي "الشاب" لطبيعة الحركة الشبابية المتفاعلة مع العالم والعصر.

لكن لماذا يتجه هذا الجيل من التيار الإسلامي لنموذج الدولة العلمانية برغم كل الشحن الأيدلوجي الذي تعرض له شباب التيار؟ لا يمكن لنا قراءة هذا التحول إلا في صورة واحدة وهي اقتناع الشباب بأن بُنية الدولة الحديثة في أي مكان في هذا العالم الذي أصبح مترابط بشكل لا يمكن تصوره هي بُنية علمانية هذه "حقيقة" ماثلة أمامنا شئنا أم أبينا، ويجب التعامل معها في هذا الخصوص. هنالك حقيقة أيضًا يجب أن نعترف بها وهي ليست ثمة نموذج لدولة إسلامية لا حاضر ولا تاريخي يمكن أن يتطور ويبنى عليه نموذج الدولة الحديثة العادلة، بل أغلب النماذج التي أرادت بناء دولة "إسلامية" نماذج فاشلة بحكم واقع التجربة الحديثة للدولة "وليس ببعيد عن تجربتنا السودانية القائمة حتى اليوم" لذلك لا يمكن لهذه التيارات أن تخدع هذا الجيل الواعٍ المدرك لمتطلبات عصره.

ماذا نريد من الدولة؟

هنالك مقومات أساسية يجب أن تتوفر في أي دولة بغض النظر عن تركيبة سكانها ودينها، هذه المقومات هي حرية الإنسان وحقوقه وكرامته، هذه الأشياء واجب على كل دولة في هذا العصر أن تصونها، وإلا ليست هنالك ثمة دولة. بالعودة لما طرحته توكل كرمان حول الدولة، لقد قامت بإجراء استفتاء على صفحتها عبر فيسبوك ووضعت متابعيها بين خيار الدولة العلمانية ووضع دول بعينها كنماذج، وبين الدولة التي اسمتها "بالكهنوتية" ووضعت أيضًا لها نماذج من الدول التي تعتبرها دول لا مكان فيها لحرية الإنسان وكان أغلب متابعيها اختاروا النموذج الأول. هذا الجيل يرى ويقرأ نماذج لدول قائمة، دول مسلمة لكنها قائمة كمؤسسات دولة على البناء العلماني هذا الدول تُلبي حاجات مواطنيها من كل نواحيها الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية. وتكفل أيضًا حق المواطن في أن ينتقد ويكتب ويتحدث عن أي شيء دون حجر عليه.

وفي ذات الوقت هذه الدول ملتزمة تجاه امتها ودينها وشعائرها وهذا يؤكد أن ليست ثمة تعارض بين النموذج العلماني الذي يُصوره الإسلاميين للمجتمع وبين حقيقة الدولة ذات المؤسسات العلمانية، أو لنسميها بمفهوم أكثر وضوحًا بالدولة العادلة المحايدة تجاه مواطنيها. ومن هنا وجب على هذا الجيل وهؤلاء الشباب من الإسلاميين أن يدفعوا بقوة نحو هذا النموذج، نموذج الدولة الوطنية الحديثة التي هي بالضرورة دولة "علمانية المؤسسات" أو لنقل دولة إسلامية في غالب علماني، أو دولة علمانية في غالب إسلامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.