شعار قسم مدونات

متاع الدنيا.. بين الجمال والقبح!

blogs امرأة

إن المبالغة الزائدة في الشيء أو الفعل تُعطي نتائج عكسية تماماً، كذلك عندما يكون الاهتمام بالمنظر الخارجي أكثر من اللازم يُعطي شكلاً غريباً أقرب إلى السيء، إنها المغالاة التي نعاني منها في هذا الزمن، مغالاة في الدين جعلت الكثير ينفرون منه، المغالاة في التربية أخرجت أجيالاً تعاني اضطرابات نفسية وخلل في القيم والأخلاق، المغالاة في الحب جعلت من المحب عبداً لمحبوبه، المغالاة في الحكم جعلت من المسؤولين طغاة، لهذا فكل ما يزيد عن حده ينقلب إلى ضده.

ومن المغالاة اهتمام المرأة الزائد بمظهرها، وإبراز مفاتنها بكل الطرق الممكنة والغير الممكنة، وفي شغفها بحثاً عن الجمال بعد عناء طويل وجدت اللون الملائم لشعرها والأقرب لقلبها وأضافت له أطراف حتى يبدوا أطول مما هو عليه، كما أنها قامت بثورة على حاجبيها لتقتلعهما من جذورهما حتى تتمكن من تنصيب حاجب جديد، وبما أنها تتحدث بعينها كثيراً فكان لا بد من الاهتمام بهما فعملت على وضع عدسات بلون مختلف يشبه عيون نساء الغرب، ولا يكتمل هذا الحديث الصامت إلا برموش طويلة تظلل على هذه العدسات وتغلقها على مهل لتعطي حديثاً مشوقاً وجذاباً، ولم تنسى أنفها الذي طالما كان عقدتها من صغرها، ودائماً كانت تتأفف من أنفها ولا تقرب المرآه في الصباح معلنة سخطها عليه، واليوم ومع توافر أطباء التجميل الماهرين في عمليات القص واللصق أصبح الأمر بسيط وسريع.

 

وإن كانت ترى نفسها تأخرت كثيراً عن تلك الخطوة، التي كان عمرها عائق لها، والأيام زالت عنها هذا العائق كما أنها أصبحت مستقلة بنفسها، لها عملها الذي قبل أن يوفر لها المال جعلها صاحبة قرار، وقامت بتغيير أنفها ولا يدري من حولها أتم استبداله أم تم التعديل عليه؟ وأخيراً انتهت من أنفها وأصبحت تنظر في المرآة بلا خجل، ولكن بعد نظرة طويلة في المرآة تحدثت مع نفسها وقالت في جرأة لا بد من انقلاب على هذه الشفاه التي لا تتماشى مع كل هذه التغيرات الحديثة، وعلى الفور قامت بإقلاب الشفاه للخارج ونفخها، وكلما انتفخت وانقلبت كانت أكثر جمالاً، هكذا تقول مصممة الأزياء في برنامجها.

إن جمال المرأة الحقيقي في روحها وشخصيتها وبسطاتها، إن الروح هي التي تحمل الجسد أياً كان شكله أو حجمه، فإذا ما خرجت الروح سقط الجسد ويبدأ في التحلل

كل هذا ناهيك عن عمليات تكبير وتصغير الثدي والأرداف التي لو تحدثنا عنها سيتحول المقال إلى جنسي أكثر ما هو نقدي اجتماعي، إضافة إلى عمليات المعدة ونحت الجسد وغيرها من العمليات التي يصعب على مثلي معرفتها، هذا باستثناء ما هو ضروري من عمليات لعيب خلقي أو ما شابه ذلك. لقد أصبحت المرأة مثل عروسة المولد التي تتعارك على وجهها الألوان، وعلى شفاها عاكس للضوء، يذكرني بالذي كنت أضعه في صغري على الدراجة، وفوق عينها كان الفن التجريدي حاضراً بكل قوة، ومن الصعب ان تفهم ماذا أراد الفنان بهذه الألوان المتداخلة، قد ترى فيه شكل حيوان، في حين يرى صديقك أنه طائر، ويؤكد الفنان أنها مكنون الانسان وقت شروق الشمس!

اتذكر هذا المسكين الذي ذهب في يوم عرسه إلى الكوافير ليأتي بعروسته، وبعد أن أمسك يدها جذبتها بشدة وابعدته عنها وأخبرته بأنه ليس عريسها، وبعد التمحيص فيها تأكد أنها صادقه، وعاتبه الجميع على فعلته، بل كان المفروض عليهم أن يلتمسوا له العذر فإن زوجته المستقبلية جاءت منذ الصباح ومرت على خط انتاج طويل لوضع امرأة أخرى من المساحيق والبودرة عليها، وسوف تُزيل عنها هذه المرأة عند غسيل وجهها وحتماً لن تظل طول عمرها بدون غسيل.

كما أن أخونا العربي ذهب في صباح عرسه إلى القسم ليرفع دعوى ضد زوجته وأهلها، ولائحة دعواه أنهم تآمروا عليه بالنصب والخداع، لم تكن هي التي كان يذهب إليها ويتحدث معها، لم تكن هي التي كان يحلم بها ويقاسمها الآمال والأحلام، وقد لا أجد حرج في أن يطلب الرجل ولو مرة واحدة أن يرى زوجته المستقبلية عندما تصحوا من نومها ولا مانع إن كان بعد غسله، وليكن عدم حرجي هذا من باب المزاح فقط.

إن الاحساس بالنقص وعدم الرضا هو الدافع الأكبر لخوض هذه العمليات وإجراء التعديلات على الوجه والجسد بحثاً عن الكمال والسعادة. ومن التصور الخاطئ أن جمال المرأة قاصر على جسدها ومفاتنه، وما كان ينشأ هذا التصور إلا بانعدام الأخلاق وانتشار الشذوذ تحت شعار الحرية، هذا الخلل في تصور الجمال والتضارب في مفهوم الحرية نتج عنه هذا القبيح المغلف بوهم اسمه جميل.

يزداد جمال المرأة حينما يكون الود عطاء منها لا ينقطع، حينما يكون خوفها هو صدق مشاعرها، عندما يكون نقائها هو عين براءتها وعفتها، حينما تكون كلماتها ضمادة تداوي الجروح
يزداد جمال المرأة حينما يكون الود عطاء منها لا ينقطع، حينما يكون خوفها هو صدق مشاعرها، عندما يكون نقائها هو عين براءتها وعفتها، حينما تكون كلماتها ضمادة تداوي الجروح
 

كل إنسان حر في أقواله وأفعاله، طالما أن تلك الحرية لن توقع ضرر على أحد، والخلاف هو مفهوم الحرية عند الجميع، إن الحرية التي ينادون بها مستوردة من الغرب، شيء مستهلك سابقاً، إنها تلك البوصلة التي أينما أشارت ذهبوا، إنه الطريق الذي تسلكه ولا تدري إلى أين؟ وليس هذا إلا انعدام للحرية، ما أنت إلا مقلد وتابع تسير بذاتٍ غير ذاتك، إن الحرية مسئولية تجعل من الفرد مسئول قائد لنفسه ورقيب عليها، كما أنها تسمو بالإنسان لتصنع ذاته الفريدة بسماتها المختلفة والمتميزة.

إن جمال المرأة الحقيقي في روحها وشخصيتها وبسطاتها، إن الروح هي التي تحمل الجسد أياً كان شكله أو حجمه، فإذا ما خرجت الروح سقط الجسد ويبدأ في التحلل، كما أن الروح هي التي تدفع الجسد، ومهما بلغت من العمر تظل في شبابها، على عكس الجسد الذي يشيخ ويمرض ويفنى، لذلك من الأولى أن تكون الرعاية بالروح والنفس هي الأحق بكل هذا الاهتمام، وكلما كان غذائها طيب كانت ثمارها أطيب.

يزداد جمال المرأة حينما يكون الود عطاء منها لا ينقطع، حينما يكون خوفها هو صدق مشاعرها، عندما يكون نقائها هو عين براءتها وعفتها، حينما تكون كلماتها ضمادة تداوي الجروح، حينما تكون النفس التي يكون السكون إليها لا لغيرها، حينما تكون مصنع الرجال، حينما تكون الأصالة منبعها، حينما يكون الحب دم يجري في عروقها، حينما تكون الراحة هالة تحيط بها أينما كانت حطت، إنها خير متاع الدنيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.