شعار قسم مدونات

هل يمكن الحديث عن حركة مناهضة للعولمة؟

blogs مجتمع

لقد تقبلنا بفكرة أننا نعيش الآن في قرية عالمية الكل فيها في تواصل متزايد وأقرب للأخر. تُعبر فكرة (هارفي) أن العولمة هي ضغط الزمان والمكان عن فكرة أن الزمان يمحو بشكل متزايد المكان حيث تناقص الوقت الذي يستغرقه البشر والبضائع للتحرك حول العالم اليوم الى درجة وذلك من خلال التطور في مجالات عدة كتقنيات التواصل والنقل مثلاً، ومع أن عبارة العولمة أصبحت شائعة الاستخدام في وسائل الإعلام والسياسة منذ ثمانيات القرن العشرين إلا أن ما نفتقر إليه هو اتفاق حقيقي حول ماهية العولمة. العولمة هي ما يمكن تسميته مفهوم قابل للجدل أساساً وهذا يعني أنه لا يوجد اتفاق من أي نوع حول ماهية العولمة وحتى إن حدث يظل الأهم كيف يمكننا أن نفسر معنى للعمليات المرتبطة بالعولمة. علاوة على ذلك تثور أشكال عنيفة من الجدل حول تأثير العولمة من حيث اتساع مشاكل عدم المساواة وعولمة الفقر.

يقول (أنتوني غيدينز) يعتبر معظم الناس أن العولمة ببساطة هي سحب القوة من التجمعات السكنية والأمم المحلية ووضعها في الحلبة العالمية، والحقيقة أن تلك أحد نتائجها فالأمم تفقد حقاً بعض القوة الاقتصادية التي كانت بحوزتها من قبل مع ذلك لديها التأثير المضاد فالعولمة لا تسحب للأعلى فقط بل تدفع للأسفل أيضاً مما يولد أشكال ضغط جديدة على الاستقلال المحلي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يمكن الحديث عن حركة مناهضة للعولمة؟ إن هذا المصطلح غالباً ما يصف شبكات فضفاضة من منظمي الحملات الذين حاولوا الاحتجاج على النتائج السلبية للعولمة وهيمنة المؤسسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة مثل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية الذين يقاومون هذه الأفكار الخاصة بالعولمة وتحديها بالتركيز على مقاومة لأدب العولمة الكبرى أو عولمة الأعمال التي تقدم وجهة نظر اقتصادية واضحة عن العولمة بوصفها طريقاً للازدهار والتقدم.

هذا الاهتمام بالتأثيرات السلبية للعولمة والمصائب الأخلاقية التي تسببها العولمة للعالم هو إلى حد كبير نتيجة حقيقية أن الناس تجرؤا على أشكال الفهم الموجودة للعولمة

هناك جدول حول المدى الذي يمكن فيه تسمية النشاطات المناهضة للعولمة بحركة في المقام الأول فقبل أي شيء هي تشكيل شبكة واسعة ومتنوعة من الناشطين بأهداف مختلفة وغالباً متضاربة. ولقد شكل ظهور المنتديات الاجتماعية العالمية منذ 2001 وما تلاها واحداً من أكثر التطورات إثارة من حيث مقاومة السياسة العالمية فهذه المنتديات السنوية التي ترتبط بعدد من المنتديات الإقليمية والمحلية الفرعية وفرت فضاء للمناقشة والجدل حول مواضيع تتعلق بعولمة الليبرالية الجديدة وترسيخ استراتيجيات المقاومة.

بالتالي يمكننا الإشارة إلى ظهور حركة اجتماعية عالمية ملتزمة بتحدي رأس المال العالمي الليبرالي الجديد وتشكل جزءاً من التحدي للهيمنة الخطابية للعولمة لذا اقترح الكثيرون الذين تبنوا هذه الحركة ان على مجموعات المقاومة العمل على تحطيم الخرافة التي غالباً ما تبررها الحكومات بأنها عاجزة في وجه العولمة وكذلك رفض القبول بأن أيديها مقيدة بالاندفاع الحتمي لقوى الاقتصاد العالمي.

يمكننا أيضاً الإشارة الى دور البحث الأكاديمي في المساعدة على تطوير أشكال نقد الرأسمالية العالمية هنا يأتي نوع مهم من الفكر الذي يساوي بين العولمة وبين الجور والظلم! أنه فكر المدرسة النسوية على سبيل المثال الأجور المتدنية وشروط العمل الاستغلالية التي تعاني منها القوة العاملة النسائية في المصانع العالمية حول العالم إذ غالباً ما تكون شروط العمل الاستغلالية هذه انعكاساً للفكرة التي يعتقد بها على نطاق واسع من أن النساء مجرد عمال ثانويين يعملون لدعم أجور الرجال الذين يعيلون الأسرة ولهذا يقترح العديد من مناصري المدرسة النسوية بأننا بحاجة للتفكير بأن الافتراض بأن وظيفة النساء الأساسية هي التكاثر تكمن وراء أشكال الخطاب الأساسية في العولمة. لذلك ربما ليس بالمدهش إذا ما أخذت التأثيرات المجنسة للعولمة الاقتصادية إلى حد كبير في الاعتبار أن الحركات النسائية قد لعبت دوراً مهماً ضمن ما يسمى بالحركة المناهضة للعولمة.

إن ما يظهره هذا النقاش عن المقاومة هو أن العولمة بغض النظر عن كيفية فهمنا لها تطرح قضايا معيارية هامة خاصة الآن إذ أن الأسئلة المتعلقة بالفقر تختلط بشكل لا يمكن فصله بأشكال النقاش حول العولمة. إن هذا الاهتمام بالتأثيرات السلبية للعولمة والمصائب الأخلاقية التي تسببها العولمة للعالم هو إلى حد كبير نتيجة حقيقية أن الناس تجرؤا على أشكال الفهم الموجودة للعولمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.