شعار قسم مدونات

لم يفت الأوان بعد لاستقبال الحب!

blogs الحب

كل شخص يتميز بتفكيره وآرائه، معتقداته وثقافته، قدراته وكذا ذكائه إلا أنه لا يستطيع السيطرة على مزاجه والتحكم في ثباته الانفعالي وهو ما يترتب عنه في أعماق نفسه مخاوف وعقد مختلفة. ولكل شخص منا صفة تميزه عن غيره من الناس سواء خلقية كالحياء، جسمية كالجمال أو اجتماعية كالحب وتعتبر من المحددات الأساسية لشخصيته. وبعبارة أخرى فالعلاقة بين الإنسان وشخصيته، علاقة أخد وعطاء، بل علاقة تأثير متبادل وصراع موصول، حيث أنه في تفاعله يتأثر وينفعل، يتعلم ويعي، يفكر ويشق طريقه في الحياة مصطدما بقوانينها، ومن بين هذه القوانين نجد الحب هذه القوة الدافعة المانعة التي تشعل الصراع من أجل إثبات الذات.

الحب تلك النزعة العاطفية الغامرة الفوارة المليئة بالانفعالات الغريزية والمكتسبة يصعب أن تقيد حركاته أو تنظم مواعيد إرضائه وحين تفطمه من الثدي ينشأ صراع داخلي ليدب التعارض بين الشهوة والمبدأ والتناحر بين النزوة والضمير. قد يكون الحب عابرا طارئا أو دائما مقيما، كل يقسمه حسب ميوله: ميل حب فغرام وعشق، هذا النمو التدريجي الذي يخلق إما حبا ضخما شامخا يلبي الحاجات ويرضي الرغبات والطموح والآمال أو فشلا ذريعا مريرا ومصدرا للإحباط والضيق والألم ومحركا للبؤس.

العيش في البيئة الإنسانية المعقدة والمتغيرة التي تتطلب مرونة بالغة تحتم تواجد الحب، هذا الزائر الذي يمتص عمق المشاعر ويحولها تدريجيا إلى سلوكيات ودوافع تصلح للاستخدام عدة مرات

يقول محمود درويش: "هُناك من يرَى الحبَّ حيَاة وهُنَاك منْ يَراه كِذبة، كِلاهما صَادق: فالأوَّل التَقى بروحِه، والثانِي فقدهَا". حيث أن الأول يفتح أبواب الهناء والسعادة ونشوة فياضة، يمنح الفرح والسرور، يخلد تجارب ناجحة جدا قام لها التاريخ وقعد كأريز وآفروديت، كليوباترا وانطونيو، روميو وجوليت.. أما الثاني فيتيه بك وسط البكاء بين الذكريات، يعزلك عن المجتمع يشعرك بالوحدة ويفقدك الثقة والأمان ويطمس قدرة الاستمتاع، يتململ بك على حافة الهاوية وينقلب لممارسة فعلية للانتقام ممن تعذر الانتقام منهم، إنها التجارب الفاشلة جدا التي لم يعترف بها التاريخ ولم يخلدها سواء في النثر أو الشعر.

كيفما كان الحب فشمسه لا تغيب وهو كفيل بأن يزعزع أركان قناعاتك وينقل إليك مشاعر اللذة والمتعة وكذا أحاسيس الإحباط واليأس، لدى وجب التعايش مع فصول الحب. فهو فارغ في الشتاء تتجمد فيه العواطف وتتهاطل فيه الانطباعات، وجميل في الربيع بمناخه المعتدل تتفتح الحياة ويفوح أريج الهوى، ثم يأتي الصيف لتلتهب الأنفس وتحترق بأشعة الوله وحرارة الشوق، فجأة تهب رياح التغيير الخريفية لتتساقط أوراق الوصب ويتساوى السهر والكمد. سواء أكان الشخص منا قد التقى بروحه أو فقدها فهو في حاجة إلى تعايش مع أفكاره واتجاهاته وتفاعل مع عواطفه وميولاته ومسايرة قدراته وعاداته، واكتساب مناعة ومهارات جديدة لمسايرة الحالة النفسية وحل ما يعترضه من مشكلات.

لم يفت الأوان بعد لاستقبال الحب، فالإنسان أكثر الحيوانات حاجة إلى الحب، كما أنه أقدرها على الحب. فالحيوانات تولد مزودة بالفطرة بغرائز الحيوان المتمثلة في إشباع الحاجيات وتكيف مع البيئة أما الإنسان فهو في تطور مستمر وكلما مرت الأيام يتعلم ويكتسب مجموعة من السلوكيات تمكنه حل مشكلاته ومن إرضاء دوافعه وحاجياته التي لا حصر لها. فالعيش في البيئة الإنسانية المعقدة والمتغيرة التي تتطلب مرونة بالغة تحتم تواجد الحب، هذا الزائر الذي يمتص عمق المشاعر ويحولها تدريجيا إلى سلوكيات ودوافع تصلح للاستخدام عدة مرات فما علينا إلا أن نميز بين حقوقنا وواجباتنا وبين ما نريد وما نقدر عليه ونحسن استغلاله الحب ونقسمه إلى مشاعر العشق والصداقة، العطف والرحمة، الأخوة والأبوة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.