شعار قسم مدونات

هكذا يخوض مرضى السرطان معركتهم اليومية

blogs السرطان

لطالما كان مرض السرطان كلمة مخيفة للجميع كأنه ملك موت مجسد بصفة علة أو باب أسود لا يوجد وراءه سوى ظلام دامس لا يمكن تجاوزه فمجرد التلفظ باسمه كافية لتقشعر جلود الجميع لأنه بالنسبة لأغلب الناس مرض السرطان هو رمز لنهاية الحياة هو نقطة وصول آخر محطة في تاريخ الإنسان هو قطع حبل الأمل وتدمير للمستقبل. للأسف كنت أنا من بين من كان يعتقد أن هذا المرض هو حكم بنهاية الحياة أنه شيء صعب تقبله والتعايش إلى جانبه حتى جاء ذلك اليوم الذي علمت فيه أن أعز إنسان لدي، أول رجل فتحت على ابتسامته عيناي مصاب بسرطان البروستات.

عند معرفتي بالأمر، اجتاحني شعور غريب لا يمكن تفسيره مزيج من الألم والخوف والمسؤولية في تلك اللحظة بالضبط، تغيرت رؤيتي لذلك المرض لم أود أن أحتفظ بالصورة التي كونتها عنه، فهمت أنه علي أن أكون مصدر قوة لأبي لا مصدر ضعف وخوف كان بحاجة لتفاؤلي ومساندتي أكثر من أي وقت مضى أردت أن أبعث داخلي ما يكفي من الأمل حتى أنشره إلى داخل نفس والدي ولا يستسلم لمرضه أبدا.

كان أبي رغم مرضه يتمتع بقوة كافية لتقبل المرض والتعايش معه اقتنع به وقاوم من أجل الشفاء علمني مجددا كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز أصعب الأمراض برضا وقناعة بقدر الله وقضائه. بعد ذلك، حان دور جدي أبي الثاني، الذي أصيب بسرطان في المستقيم كان وقع الخبر أخف من سابقه لأني كنت قد تأقلمت مع المرض ورأيت كيف أن للجانب النفسي دورا كبيرا في تحسن المريض وشفائه حاولت أن أمده بالقوة الكافية للتعايش معه لأنه كان صعبا عليه استيعاب الأمر في بدايته.

مرض السرطان ليس بملك موت حتمي وهو ليس بإعلان للموت البطيء كما يظن الكثير وإنما هو تكاثر لخلايا مريضة يمكن أن تفتك بالإنسان وتستوطن جسمه إن هو لم يقاومها ولم يحاربها

كنت أرافقه لحصص الأشعة التي كان يتلقاها كعلاج أولي كان هناك الكثير من المرضى الذين ينتظرون دورهم أيضا داخل المصحة كل واحد منهم يحمل قصة مختلفة ظروفا مختلفة لكن الهدف كان واضحا وواحدا، ألا وهو محاربة مرض السرطان.. خلال تلك الأيام التي كنت أقضيها بالمصحة تعرفت على الكثير ممن كانوا في نفس حالة جدي أو أصعب، أناس متشبثون بالحياة حتى آخر نفس يحكون كيف كان صعبا عليهم تقبل الأمر في البداية لكنهم حاولوا أن يكونوا أقوياء ولا يستسلموا أمام جبروت المرض كانوا يمزحون ويضحكون وفي أعينهم لوعة أمل لم يستطع إطفائها هذا الداء فهناك من كان يقطع مسافات طويلة يجبر على تغيير المسكن والمدينة ونمط الحياة كي يحارب ضد السرطان وذلك رغم قلة اليد والحيلة، إلا أنهم كانوا كلهم عزم وإصرار كلهم تفاؤل وتشبت بالحياة، تكفي ابتسامتهم الصادقة لتنسيك هموم الدنيا بكاملها.

هؤلاء الناس كانوا جنودا مسلحة بإرادة وإيمان قوي ضد السرطان علموني ما لم تستطع كتب الطب والفلسفة تلقينه لي علموني أن مرض السرطان ليس بنهاية وإنما بداية لمعركة على الإنسان أن يثبت لنفسه فيها أنه قوي بما فيه الكفاية ليجابهه ويقضي عليه أنه لا مستحيل بوجود قدرة الهية وإرادة قوية وأنه مهما حصل للإنسان عليه أن يحتفظ بابتسامته ويتشبث بذلك الأمل الذي يبقيه على قيد الحياة لأن لا شيء يستحق أن يستسلم لأجله الشخص أبدا.

فمرض السرطان ليس بملك موت حتمي وهو ليس بإعلان للموت البطيء كما يظن الكثير وإنما هو تكاثر لخلايا مريضة يمكن أن تفتك بالإنسان وتستوطن جسمه إن هو لم يقاومها ولم يحاربها ولن يكون ذلك بالجلوس بخوف وترقب في انتظار حلول النهاية بل يكون بالشجاعة والإيمان والإرادة القوية بحب الحياة والتشبث بالحق في العيش كإنسان، بخوض المعركة هاته بثقة في الله وفي النفس كأنها تحدي سيقنع به نفسه والآخرون أنه إنسان قوي لا يهزه شيء أبدا. فلا عالم للحظة وكيفية موتك سوى الخالق وبينما أنت حي ترزق فوق هذه الأرض فمن واجبك المحاربة من أجل نعمة الحياة وعدم الاستسلام لهذا الداء بتاتا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.