شعار قسم مدونات

كيف ننتقل من التفاخر بتاريخنا العظيم إلى كتابته؟

blogs الأندلس

يمر تاريخ الإسلام بمرتفعاتٍ شاهقة من المَجد ومنخفضاتٍ مُعتمة منذ دخوله إلى يومنا هذا، تمر الدولة الإسلامية بفتراتٍ هي أقوى ما يمكن.. ازدهارٌ حضاري، علمي، واقتصادي، قيَمٌ وعدلٌ وجهاد، حيث يقول المؤرخون: "ولم يوجد فيها فقير". وفتراتٍ أخرى تكون فيها أضعف مما نتخيل، حيث تغرق في الفرقة والفساد، يقتل المسلمون بعضهم البعض، ويغتصبون حتى النساء! نعم، نساء المسلمين.
   

الأندلس

الجميلة الضائعة التي كانت بين أيدينا ذات يوم، تُشكل جزءًا كبيرًا جدًا من تاريخ الدولة الإسلامية التي باتت دُويلات، تتجلى في تاريخها صورة المرتفعات الشاهقة والمنخفضات بوضوحٍ شديد، من بسالة (موسى بن نصير) وشجاعة (طارق بن زياد) إلى فرقة عهد الوُلاة من مجد (عقبة بن الحجاج) إلى ضعف الخلافة الأموية التي تلاها السقوط. ومن عدل (عبد الرحمن بن معاوية) إلى عهد آخر من الضعف، وهكذا يستمر التاريخ يدمر مجدنا – الذي كان – قومٌ ويُحييه قومٌ هم كالأبطال. يمكنك رؤيتهم كذلك في (عبد الرحمن الداخل)، (عبد الرحمن الناصر)، (محمد بن عامر)، والعظيم جدًا (يوسف بن تاشفين) يبدون في تاريخنا كالخارقين.. يتعدون في بسالتهم رسوم جيلنا المتحركة من أمثال (سوبر مان). وكأنهم ولدوا ليصبحوا قادة، يعيدون مجد الأمة الإسلامية بالعدل والجهاد والعلم وحسن القيادة التي لم يشهدها جيلنا أصلًا في حُكام هذا الزمان.

اقرأوا التاريخ؛ لتؤمنوا بأن هذه ربما ليست النهاية! تروا عظمة أبطالنا الخارقين ولتتعلمو من الأمم السابقة، فبما سقطوا سقطنا. ازرعوا في أولادكم بذور صلاح الدين، الفاتح، الداخل، الناصر

أتأثر كطفلٍ صغير أثناء قراءتي لتاريخهم المُذهل! أندهش لأنني أكتشف عظمتنا الراحلة لأول مرة، وأحزن.. أحزن لأننا لا نملك بطلًا مغوارًا كهؤلاء، ولأننا لا نعلم شيئًا أصلًا عنهم. أحزن لأنني أشهد الآن فترة من تاريخنا هي الأضعف بين مثيلاتها، وأتساءَل! متى سيأتي بطلنا المُنتظر؟! أنا لا أسأل عن إمكانية ظهوره! لا أتساءَل إن كان سيأتي ذات يومٍ أم أنه لن يظهر أبدًا! لأنني مؤمنة جدًا بوجوده. ربما الآن، أو بعد عقدين، أو قرنين! لكنه آتٍ لا محالة. متى؟ ربما – في اعتقادي – عندما نستحق وجوده، أو عندما نصنعه نحن في داخلنا، ونغرسه في أطفالنا. أبطال الإسلام الراحلين لم يكونوا مخلوقاتٍ فضائية، أو رسومٍ متحركة خيالية، بل كانوا بشرًا مثلنا، يعتنقون الإسلام. يخطئون كالبشرية أجمع، لكنهم اقتدوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، بشجاعته، وأخلاقه، وقيادته القوية.  واتخذوا من القرآن دستورهم، لماذا إذًا لا نعرفهم؟ أعتقد أن علينا جميعًا – والآن – أن نحيي مجدهم فينا، ونروي فطرتنا السليمة التي اتبعوها هم وأفسدها زماننا، أو أفسدناها نحن!

   

فإمامنا الشافعي كان قد قالها قديمًا: نعيبُ زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيبٌ سوانا. وقد صدق، نحن آفة هذا الزمان؛ وليس الزمن سوى مصطلح علمي يعبر عن مرور الوقت بنسبية، لكننا نحن من نصنع التاريخ؛ فمسلمي تاريخنا هم من صنعوا فترات الضعف تلك، وفترات القوة! بإمكاننا نحن فقط أن نصبح أبطال زماننا هذا فنعيد إلينا مجدنا الراحل ونحييه. وبإمكاننا أيضًا أن نبقى كالغرقى في الوَحل وقد سُلبت منا فطرتنا السوية، حقوقنا، وأوطاننا! حتى إسلامنا انتهكوه، وانتهكنا نحن حرمات الله حتى أصبحنا نحلل الحرام ونتفه الكبائر. اليوم علينا صناعة أبطالنا، فينا ومِنا. نحنُ لا نعيش في أحداث أحد أفلام الفانتازيا، بل نعيش على أرض الواقع حيث نعتنق الديانة الكاملة، التي هي أعظم مما ندرك أو نتصور، وقد جعلتنا نملك منهجنا الخاص وتعاليمنا الدقيقة وقدوة عظيمة أتى بعدها الكثير من الأبطال، الذين يخبروننا بتاريخهم، أن سنوات الضعف والذل التي يكتبها التاريخ تسبق دائمًا سنوات العِزة والمجد.

اقرأوا التاريخ؛ لتؤمنوا بأن هذه ربما ليست النهاية! تروا عظمة أبطالنا الخارقين ولتتعلمو من الأمم السابقة، فبما سقطوا سقطنا. ازرعوا في أولادكم بذور صلاح الدين، الفاتح، الداخل، الناصر، ابن أبي عامر، وابن تاشفين، والكثير من بعدهم ومن قبلهم. هذا من بعد أن ندرك أصلًا مدى عمق الوحل الذي نحن فيه. بعد أن نفتح أعيننا لنرى قتلى سوريا وبورما والعراق، وفلسطين، وليبيا، واليمن، ومصر ونعي أننا نكتب تاريخًا مظلمًا من الذل لا نرتضيه لأمة الإسلام. بعد أن ندرك هذا، علينا أن نبحث في دواخلنا عن فطرتنا السليمة، ونتعلم كيف نصنع من أنفسنا وأولادنا أبطالًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.