شعار قسم مدونات

البلوكتشين.. ثورة التكنولوجيا القادمة

مدونات - البتكوين

قد تكون تلك مرتك الأولى في القراءة عن البلوكشين "Blockchain"، وفي الواقع قد تكون المرة الأولى التي تُصادف فيها هذا الاسم أصلًا. تَعرف أغلبية العامة عن البتكوين، لكن بالكاد يملكون أي معرفة عن تلك التقنية التي كانت سببًا في نجاحها من الأصل. مع ذلك تُعد البلوكشين أحد أكبر الموضوعات الدارجة على لسان التقنيين في العصر الحالي، واعتُبرت من بعضهم الثورة التقدمية التالية جنبًا إلى جنب ابتكار الطباعة والانترنت. باختصار مُجحف فالبلوكشين هي أشبه بدفتر الكتروني عام تُسجَّل فيه البيانات المُختلفة، وتكون بعدها تلك البيانات مُستديمة دائمًا وغير قابلة للتلاعب، ولهذا الدفتر نُسخ في كل مكان تحتوي على ذات البيانات، فإن ضاعت أو فسدت إحداها عُوِّضنا بالنُسخ الأخرى.

كما رأينا فالبلوكشين أداة عالية الفعالية، لكن كيف تعمل؟ من اسمها بالإنجليزية فهي مُكَوَّنة من سلسلة من البلوكات، كل واحدة فيها تحوي ثلاثة عناصر:

البيانات: والتي تختلف أنواعها وفقًا للمجال الذي تُستخدم البلوكشين فيه، فمثلًا بلوكتشين البتكوين بياناته تكون المُرسل والمُستقبِل ومقدار المال المُرسل في العملية.

الـ hash وهو سلسلة من الأرقام والحروف المُرتبة عشوائيًا تكون أشبه بالبصمة، كل بلوك تُنشأ تُكَوَّن لها بصمة مُختلفة وفريدة عن غيرها، وبتغيير أي جزء من بياناتها تتغير تلك البصمة، وتُصبح البلوك مُختلفةً بشكل كامل عن نسختها السابقة. وهذا مُفيد للغاية في الكشف عن التغيرات التي تجري للبلوكات.

Hashالبلوك السابق: تحتوي كُل بلوك على البصمة الخاصة بالبلوك السابقة لها، وهو ما يجعلها تُحقق الشطر الثاني من الاسم الإنجليزي "Blockchain" كونها بذلك تُشَكِّل سلسلة من البلوكات المترابطة، وذلك ما يجعلها آمنة للغاية. عند أي محاولة للتلاعب في بيانات أحد البلوكات يتغير الـ hash الخاص بها، يكون غير موافق للـ hash الموجود في البلوك التالية، جاعلًا بذلك كل البلوكات التالية لها غير صالحة وغير موافقة لما قبلها.

تكمن ثورية البلوكشين في كونها حافظة راسخة مُستديمة للبيانات، مُوَفِّرةً بهذا الأمر الثقة المطلوبة عند الأفراد في أمان البيانات الخاصة بمُختلف شؤون حياتهم وحصانتها ضد التزوير أو الضياع.

يُمكن التغلب على الحيلة السابقة وحدها بسهولة إن تم تعديل الـ hashes في كافة البلوكات لجعلها مُتوافقة مع بعضها الآخر، وهذا الأمر ليس صعبًا لتوافر الكمبيوترات الخارقة القادرة على ذلك. لذا فللحد من الأمر وُجدت تقنية "proof-of-work" لإبطاء عملية تعديل أو تكوين بلوكات جديدة. وهي في حالة البتكوين على سبيل المثال تُؤخر عملية إضافة بلوك جديدة إلى البلوكشين بمقدار عشر دقائق، بهذا فعملية تعديل مجموعة من البلوكات تحتاج إلى وقت طويل للغاية. بالإضافة إلى كل ذلك فالبلوكشين محمية بكونها مُوَزَّعة على عدة أماكن. فهي ليست موجودة في مكان واحد إن عُدِّلت فيه أو فسدت تفسُد، بل تُستخدم شبكة خاصة أي فرد بإمكانه دخولها، وبدخول الفرد يحصل على نُسخة كاملة من البلوكشين. تُستخدم نُسخ أولئك الأفراد من البلوكشين فيما بعد للتأكد من أن كل شيء على ما يُرام، فعند إضافة بلوك جديدة من أحدهم تذهب إلى الجميع على الشبكة للتأكد من كونها غير مُتلاعَب بها، وعند الإجماع على تأكد سلامتها من قبلهم تتم المُوافقة على إضافتها، وتُضاف إلى البلوكشين عند الجميع. لذا، فللتلاعب في إحدى البلوكات يجب تعديل كافة البلوكات – وهو ما يحتاج وقتًا هائلًا-، بالإضافة إلى السيطرة على أكثر من نصف الشبكة للمُوافقة على إضافتها. وهو ما يجعل الأمر أقرب إلى المُستحيلات.

شهد عام ٢٠٠٩ أول تطبيق ضخم للبلوكتشين بإصدار البتكوين، وهي عُملة رقمية تكون المُعاملات المالية بها قائمة على تخزينها في البلوكشين كما ذُكر بالأعلى. البتكوين نشأت على يد فرد/ جماعة غامضة مجهولة الهوية أطلقت على نفسها اسم Satoshi Nakamoto. على عكس العُملات التقليدية المُدارة من البنوك تُدار مُعاملات البتكوين في شبكة البلوكشين الخاصة بها. طريقة عمل بلوكتشين البتكوين فريدة للغاية، ورُبَّما تُختصر كالتالي: لكل فرد في شبكة البتكوين محفظة خاصة فيها مقدار ما يملكه من بتكوينز، وتحدث المُعاملات المالية بين الأفراد بانتقال البتكوينز بين محافظهم. تحدث العديد من تلك المُعاملات المالية حول العالم، تُجمع بعدها في بلوك واحدة لتخزينها في البلوكشين كالمُعتاد. وكما نعلم تستعمل البلوكشين تقنية الـ "proof-of-work" لتأكيد إضافة عُنصر جديد إليها، والتي تكون في حالة بلوكتشين البتكوين عبارة عن مُعادلات رياضية شديدة التعقيد يجب أن تُحل لكي تُضاف البلوك إلى السلسلة ويتم تأكيد المُعاملات بنجاح. تتسابق حواسيب الأفراد المرتبطين بشبكة البلوكشين في حل تلك المُعادلات، والفائز فيهم ينال جائزة: يُوَلَّد مقدار "جديد" من البتكوين ويوضع في محفظة صاحبه الخاصة. وهذه العملية هي التي يُطلق عليها اسم "تعدين البتكوين".

تكمن ثورية البلوكشين في كونها حافظة راسخة مُستديمة للبيانات، مُوَفِّرةً بهذا الأمر الثقة المطلوبة عند الأفراد في أمان البيانات الخاصة بمُختلف شؤون حياتهم وحصانتها ضد التزوير أو الضياع، ومُفسحةً لنفسها الطريق كي تُصبح ذات يد طُولَى في العديد من المجالات، أبرزها مجال الاقتصاد. مثلًا عالم الاقتصاد يُعد قائمًا على توثيق المُعاملات المالية وعقود البيع والشراء بين الأفراد بشكل رئيسي. يكون التوثيق في الوقت الحالي بالطريقة التقليدية مُعتمدًا على سجلات خاصة مملوكة لشركات أو مؤسسات بعينها، وهو ما يُتيح إمكانية التلاعب في تلك السجلات من قبل البعض بسهولة، مُعرضًا الناس لخطر الاحتيال لانعدام وجود عوامل أمان كافية تضمن ثبات تلك السجلات وحصانتها من يد العابثين. ولا يُنسى أيضًا أن تلك السجلات قد تكون مملوكة لمؤسسة واحدة أحيانًا، ما يجعلها عُرضة للزوال بشكل كُليٍّ إن حدث واختُرِقت ذات مرة. هنا تتجلى أهمية البلوكشين باعتبارها ثابتة حصينة غير قابلة للتلاعب بأي شكل، وباعتبارها أيضًا غير مركزية ومُتاحة للجميع، فإن انهارت إحدى دعائمها تبقى هي قائمة كأن لم يكن. يُقال أن الثورات التقدمية الكُبرى دائمًا ما تأتي لسد حاجة نعاني إثر انعدامها. فالطباعة على سبيل المثال أتت لتسُد حاجتنا للمعرفة بإتاحة العلم للجميع، أتت المُحرِّكات البُخارية سادَّةً حاجتنا الحثيثة للطاقة. وأتى الإنترنت فقضى على المسافات بين الأفراد مُلبيًا لحاجتهم في سُرعة التواصل وتبادل البيانات. هُنا، يتوقع البعض أن تكون البلوكشين هي ثورتنا التقدمية التالية، سادَّةً حاجتنا لأساس تقوم عليه العديد من نُظُم المُجتمع.. حاجتنا للثقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.