شعار قسم مدونات

وطني تقتله الكاميرا!

مدونات - كاميرا 2

كانت الفكرة ولا زالت هي الكاميرا! ما أظهرته وما تُظهره الكاميرات ومن ثم وسائل الإعلام والميديا وغيرها من أدوات ووسائل نقل المعلومات والصور والأفكار، كانت وما زالت هي الأساس في تكوين الأفكار لدى المتلقيين. إذ وَجدتُ خلال فترة بحثي وتنقلي بين أكثر من دولةٍ صورةً استباقية في كلٍّ منهم عن الأخرى، سواء كنتُ جزءاً منها أو زائرةً لها! وحين آتي بالتفاصيل قد تجد نفسَك أيُّها القارئ تارةً مكان السائلِ وتارةً مكان المسؤول، وهذا بناءً على مكانك في الأحجية وبناءً على ماضيك السابق مكاناً.. فإن كنتَ قد تنقلت من مدينة لأخرى في موطنك أو من موطنك لدولة أخرى سترى ذلك حتماً.

فعندما كنت في وطني – فلسطين المحتلة – كنتُ أحملُ رؤى معينة عن صورتنا أمام العالميْن العربي والإسلامي، وكنت أظنّ أننا شُغلهم الشاغل، كبرتُ قليلاً ودَخلت الميديا ووسائلها حياتي فاكتشفتُ عكس ذلك، وكوننا لا نُشكّل شغلاً لأحد أو حتى الشغل المؤقت لأيٍّ من الدول والمجتمعات أو الأفراد! هنا علمتُ أنك كلما خرجتَ من دائرتك تعلمتَ الواقع أكثر وانتبهتَ لعدم مركزية الكون حولك، وقد تكتشف أيضاً النظرةَ العامةَ لك، وهي ما قد يكون بالمناسبةِ أبعد ما تكون عن تلك التي حلمها عقلك وأيقنها فكرك.. ما دفعني للتفكير بهذا الكلام وهذه التفاصيل هو ما مررتُ به في كل مكانٍ زرتُه، فحينما كنت في مصر الحبيبة وجدتُ نظرات التساؤل عن الحياة في فلسطين وعن كيفية المعيشة بين الصهاينة كاحتلال، وكيف نتنقل وكيف نرتضي بهذا وكيف لنا أن نتحمل وكيف وكيف وكيف!

يجب أن نتيقن أن أي مجتمع فيه من الطبقات ما لا نتخيل وفيه من الاختلافات ما نعرف وما لا نعرف!

كل هذا عادي جداً، فالكلُّ يسأل ويتمعن في تفاصيل الاحتلال والمحتل تحديداً، وينمو فضوله حينما يرى جزءاً أمامه من هذا الواقع الصعب الذي لا يعلم، فتأخذُه الأسئلة والفضول مأخذاً واسعاً، ويبدأ في طرح كل ما يجري في تفكيره وما لا يستسيغ فهمه وما يراه غريباً، فالواقعُ مختلفٌ قليلاً عن الكاميرا. لكن الغريب هو سؤالهم العجائبي لي: "هل لديكم إنترنت؟" و"هل لديكم منتزهات ومولات وملاهي؟" و"هل لديكم ملابس جميلة كالتي لدينا!" و"هل تخرجون من بيوتكم بشكل عادي؟!". وكان الأكثر غرابة "هل تعرفون البيتزا وتذوقتموها؟!" كان السؤال الأخير قاتلاً بالنسبة لي! هذه الأسئلة كلها تُثير استفزازي حقاً، لكونها تشعِرُني أنني كائنٌ فضائي، قد حَطّ من سماءٍ أخرى وعالم آخر! فالأخبار الدائمة عن الجوع أو القتل أو التشرد أو الاعتقال أو الاقتحامات أو الاستشهاديات وغيرها من الأمور الموجودة بالتأكيد، والتي تحصل بالتأكيد جعلتنا في نظر المتابعين أننا في الألفية السابقة ولا نحيى حياةً كحياتهم أو لم ترتقِ معارفنا لمعارفهم!
 
المطلوب هنا توضيح كامل للحال والظروف التي تتواجد داخل المجتمع – الفلسطيني على وجه الخصوص اتجاه ما سبق وبشكل عام للفكرة ككل- ، كما يجب أن تكون هناك برامج شاملة تعريفية بالتاريخ القديم والحاضر.. فنعم لدينا مما لديكم وقد يكون أكثر! نعم نلبس ونأكل ولدينا متنزهات وحدائق وماركات عالمية من الملابس والسيارات الفارهة وكل شيء تتخيلونه أو تريدون السؤال عنه.. نفس الفكرة تعرضتُ لها في السعودية لكن بشكل أخف، كون السعوديون لا يعلمون شيئاً عن فلسطين وما لفّ لفها بشكل عام. وحينما عدتُ لأرض الوطن، واجهتني الأسئلة ذاتها لكن معكوسة! هل صدقاً المصريون يعيشون في المقابر والعشوائيات؟"، "هل التحرش في الشوارع مرعباً حقاً كما نقرأ؟"، "هل هم فقراء جداً كما نراهم في الأفلام؟" وهل وهل وهل! أسئلة مستفزة أيضاً كون خلفية كل السائلين تمحورت حول الإعلام وما يُقحِمه في عقولنا من خلال الأخبار أو البرامج أو الأفلام أو المسلسلات، بالتالي الجهل بالآخر قد يكون أفضل من رسم صورة مزيفة أو مغلوطة أو صحيحة على فئة صغيرة جداً من المجتمع ومن ثم تقديمها على هيئة صورة عمومية لمجتمعٍ أو دولةٍ ما!

علينا أن نعي أكثر ونسعى أكثر للبحث عن الواقع أو لمعرفة تدرجاته واختلافاته جميعها، يجب أن نتيقن أن أي مجتمع فيه من الطبقات ما لا نتخيل وفيه من الاختلافات ما نعرف وما لا نعرف! إذن تعميم فكرة معروضة في فيلم على ملايين من الأفراد هي شيء كارثي حقاً! أن تشعر أنك كائن زومي أو فضائي فقط بناءً على جنسيتك أمر يُثير الرعب والريبة، حيث يكون الآخر قد شكّل في وعيه صورةً عنك بما رأى وسمع سابقاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.