شعار قسم مدونات

هل ما زال الفلسطينيون يؤيدون "حل الدولتين"؟

blogs فلسطين

لقد مر خمس وعشرون عاماً منذ أن تصورت اتفاقية أوسلو حل الدولتين للصراع بين فلسطين وإسرائيل، لكن تبقى التحديات الأساسية للفلسطينيين على ما هي عليه. لم تكن أوسلو تقتضي فقط أن يذعن الفلسطينيون لتضحيات هائلة فقط، بل تطلب الأمر الثقة بأن الإسرائيليين سيفعلون الأمر ذاته في المقابل. علاوة على ذلك كانت مطالب التضحية بعيدة عن أن تكون متساوية؛ طُلِب من الفلسطينيين التخلي بشكل دائم عن 78% من وطنهم، في حين طُلِب من اليهود الاسرائيليين أقل من ذلك بكثير، إذ احتاجوا إلى التخلي عن المطالبة بـ 22% فقط من الأراضي المحتلة.

 

يعود نجاح اتفاقية أوسلو في الغالب إلى قيادة ياسر عرفات -رئيس منظمة التحرير الفلسطينية- وإسحق رابين -رئيس وزراء إسرائيل- الجريئة. كان هذان القائدان على استعداد لتوقيع خطابات اعتراف متبادل في اللحظات الأخيرة قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو التي فرضت على أغلبية كبيرة من الفلسطينيين فكرة التنازل عن المطالبة بالأراضي سعياً لتحقيق السلام.

 

ومنذ ذلك الوقت، أظهر قيام إسرائيل دون هوادة ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة -في قلب دولة فلسطين المستقبلية- للفلسطينيين أن الطرف الآخر غير راغب بالالتزام في جزئيته في الاتفاق. كان أحد أعظم إخفاقات أوسلو هو عدم قدرتها على وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية، مما جعل الفلسطينيين يشكون فيما إذا كان لديهم شريك ملتزم في عملية السلام.

 

عجز الثقة

بعد وقت قصير من توقيع اتفاقية أوسلو في 13 سبتمبر/أيلول 1993 ولسنوات عديدة بعد ذلك، كان التأييد الفلسطيني لحل الدولتين عالياً جداً، وبلغت ذروة التأييد 80%. لقد غيرت الاتفاقية وعملية السلام -التي أفضت إليها- البيئة النفسية في فلسطين. جنباً إلى جنب مع الثقة في الدبلوماسية، ولّدت الاتفاقية التفاؤل العام وخففت من تبنّي العنف والتشدد مع توفير الشرعية والدعم العام للسلطة الفلسطينية المنشأة حديثاً بقيادة عرفات والحزب الحاكم فتح.

 

يوازي الانخفاض في دعم حل الدولتين بين اليهود الإسرائيليين الانخفاض ذاته لدى الفلسطينيين، ومستوى الدعم الشعبي للحل -الذي يصل إلى 43%- مماثل بين صفوف الفلسطينيين واليهود الاسرائيليين

بعد خمسة وعشرين عاماً تلاشى كل ذلك؛ يبلغ تأييد حل الدولتين أدنى مستوى له منذ أوسلو، حيث أفاد 43% فقط من الفلسطينيين أنهم سيقبلون ذلك. أكثر من نصف الشعب ينظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها عبء على الشعب الفلسطيني، وتطالب أغلبية كبيرة تتراوح بين 60 و70 في المائة عام 2018 استقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ويبلغ التأييد العام لحركة حماس -أكبر فصيل إسلامي في فلسطين- حوالي الثلث مقارنة بحوالي 40% لحركة فتح. تراجعت الثقة في الدبلوماسية؛ فتجد أن 25% فقط من الفلسطينيين يعتقدون أن الدولة الفلسطينية ستنشأ في السنوات الخمس المقبلة. في المقابل تزداد شعبية العنف لا سيما بين الشباب وفي عدة أحداث خلال السنوات الثلاث الماضية أيّد غالبية الشعب ذلك.

 

لم يحدث ذلك من قبيل الصدفة، فخلال ذات الفترة، استمر بناء المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة بلا هوادة. حجم مشروع الاستيطان اليوم هو أربعة أضعاف ما كان عليه عند توقيع اتفاقية أوسلو: فقد نما من حوالي 100,000 مستوطنة في عام 1993 إلى أكثر من 400,000 مستوطنة اليوم (دون احتساب المستوطنات في القدس الشرقية أو قطاع غزة). في السنوات القليلة الماضية، أفاد 55 إلى 65 بالمائة من الفلسطينيين أنهم يعتقدون أن بناء المستوطنات قد توسع لدرجة أن حل الدولتين لم يعد عملياً أو ممكناً. يتحول ثلاثة أرباع الذين يصلون إلى هذا الاستنتاج في المتوسط إلى معارضة حل الدولتين، في حين تظل نسبة مماثلة ممن يعتقدون أن حل الدولتين ممكناً مؤيدة لهذا الحل. بعبارة أخرى، يرتبط دعم حل الدولتين ارتباطاً وثيقاً بتصورات الجدوى، وتبدو المستوطنات غير مجدية.

 

يوازي الانخفاض في دعم حل الدولتين بين اليهود الإسرائيليين الانخفاض ذاته لدى الفلسطينيين، ومستوى الدعم الشعبي للحل -الذي يصل إلى 43%- مماثل بين صفوف الفلسطينيين واليهود الاسرائيليين. على الجانب اليهودي الإسرائيلي أيضاً، يرتبط الدعم بمفاهيم الجدوى؛ يعتقد اليوم نصف اليهود الإسرائيليين تقريباً أن التوسع الاستيطاني يجعل حل الدولتين غير عملي. ومع ذلك، هذا لا يساوي الإجماع بين اليهود الإسرائيليين على أن المستوطنات مدمرة لعملية صنع السلام لأنهم على عكس معظم الفلسطينيين لا يرون بالضرورة حل الدولتين على أنه السبيل الوحيد للسلام. ينظر العديد من اليهود الإسرائيليين إلى الحكم الذاتي الفلسطيني -وهو نسخة معدلة قليلاً عن الوضع الراهن- كحل مقبول.

 

لم يؤد أي تطور آخر في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية إلى إلحاق الضرر بقدر كبير بهذا المفهوم الأساسي للتقسيم والاعتراف المتبادل مثل استمرار بناء المستوطنات؛ كما فعل قتل 10,000 فلسطيني على أيدي الجيش الإسرائيلي منذ أوسلو؛ وفشل القيادة الفلسطينية وبناء الدولة والحكم، وصعود حماس واليمين الإسرائيلي، وعدم جدية المجتمع الدولي، وإعادة احتلال إسرائيل للضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، وانتخاب نتنياهو المتكرر وانتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في حين أن العديد من هذه التطورات الأخرى يمكن عكسها أو التغلب عليها في نهاية المطاف، فإن المستوطنات يصعب التراجع عنها وهذا هو السبب في أنها قد تهدد بشكل دائم احتمالات السلام الفلسطيني الإسرائيلي.

 

لا الرأي العام الفلسطيني ولا الرأي العام الإسرائيلي يشكلان عائقاً أمام السلام في شكل حل الدولتين. يقدم بحث المسح الفلسطيني الإسرائيلي الذي يتم تنفيذه بصورة مشتركة دليلاً على وجود دعم واسع لحل الدولتين عندما يرى الجمهور أنه ممكن، وعندما يكون لدى كل طرف سبب يثق به في الآخر. على الجانب الفلسطيني، تعتبر القيادة القوية والموثوقة والديمقراطية والحكم الرشيد وسائل فعالة في بناء التأييد. فالقناعة والثقة بأن دولتهم المستقبلية ستكون ديمقراطية يمكنها أن تقطع شوطاً طويلاً في إقناع الشباب الفلسطيني المتشككين بالتخلي عن مطالبهم بحل الدولة الواحدة ودعم التوصل إلى حل الدولتين بدلاً من ذلك. إن الإشارات التي تثبت الاحترام المتبادل -مثل الاعتراف الإسرائيلي بالنكبة الفلسطينية عام 1948 أو الاعتذار عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ ذلك الوقت- يمكن أن تقطع شوطًا طويلاً نحو توليد الدوافع التي يتطلبها السلام.

 

لكن الحقائق على الأرض -بما في ذلك مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية وهدم المنازل الفلسطينية وبناء المستوطنات اليهودية- تعزز عدم الثقة الفلسطينية. تسبب هذه الممارسات في اعتقاد الغالبية الساحقة من الفلسطينيين -80% أو أكثر- بأن طموح إسرائيل على المدى الطويل ليس في صنع السلام وإنما ضم الأراضي الفلسطينية وطرد الفلسطينيين في نهاية المطاف أو على الأقل حرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية. لا يعتقد معظم الفلسطينيين أن لديهم شريكاً إسرائيلياً في السلام، مما يجعلهم مترددين لأسباب مفهومة في دعم عملية سلام تتطلب منهم تقديم تضحيات هائلة.

 

عجز القيادة

إن هذه العوائق الماثلة أمام حل الدولتين خطيرة، ويتطلب التغلب عليها قيادة قوية وذات مصداقية في كل من إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة. ولسوء الحظ، فشل كل من القادة الثلاثة بشكل بائس. من خلال انتقاد الطابع الوطني الاسرائيلي وخطابها الأساسي، يعّقد عباس مهمة القيادة على الجانب الآخر. من خلال رفضه التصالح مع حماس فإنه يعمل على تعميق الانقسامات في معسكره، وبتعزيز الاستبداد في نظامه، فإنه يقلل من شرعيته المحلية. أما نتنياهو فهو أسوأ بلا شك؛ من خلال توسيع المستوطنات وتفضيل المواقف السياسية اليمينية المتطرفة والشركاء في الائتلاف على الأكثر اعتدالاً وتشجيع التشريعات التي تدمر التوازن الدقيق بين طابع إسرائيل اليهودي و"الديمقراطي"، فإنه يغذي أسوأ مخاوف الفلسطينيين. وفوق كل ذلك، من خلال تعامله المثير مع أكثر القضايا حساسية في إطار المفاوضات -القدس واللاجئين- ألحق ترامب ضرراً أكبر باحتمالات السلام خلال عشرين شهراً من إدارته أكثر مما قام به أي رئيس أمريكي خلال السنوات السبعين الماضية.

 

من الواضح أن حل الدولتين لم يصل نهاية مسدودة بعد. إذا كان لدى الفلسطينيين سبب للثقة في جدوى هذا الحل ونوايا الطرف الآخر، فيمكن أن يرتفع الرأي العام المؤيد لهذا الحل ويتم تسخيره من قبل قائد قوي قادر
من الواضح أن حل الدولتين لم يصل نهاية مسدودة بعد. إذا كان لدى الفلسطينيين سبب للثقة في جدوى هذا الحل ونوايا الطرف الآخر، فيمكن أن يرتفع الرأي العام المؤيد لهذا الحل ويتم تسخيره من قبل قائد قوي قادر
 

كما أن السياسة الإقليمية ضمن هذه القضية ليست أفضل حالاً، يعتبر محمود عباس نفسه معزولاً بشكل متزايد بعد أن فقد الدعم غير المشروط لشركائه التقليديين من العرب السنة الذين يتورطون في صراع من أجل الهيمنة الإقليمية ويحتاجون إلى دعم نتنياهو وترامب. تتدخل القوى الإقليمية غير العربية -مثل إيران وتركيا- في هذه الفجوة، لكن عباس ليس مستعداً تماماً للوثوق بها حتى الآن. قد لا تتمكن هذه القوى من توفير الدعم المالي والسياسي الضروريان لإبقاء السلطة الفلسطينية على قيد الحياة، كما أنها أكثر انسجاما مع الحزب المنافس "حماس" أكثر من فتح.

 

إذا نظرنا للموضوع من خلال منظور الرأي العام، من الواضح أن حل الدولتين لم يصل نهاية مسدودة بعد. إذا كان لدى الفلسطينيين سبب للثقة في جدوى هذا الحل ونوايا الطرف الآخر، فيمكن أن يرتفع الرأي العام المؤيد لهذا الحل ويتم تسخيره من قبل قائد قوي قادر. لكن هناك ديناميات أخرى تؤثر في هذا الشأن؛ يقع اللوم على القيادة المحلية السيئة في كلا الجانبين على المدى القصير. أما على المدى الطويل، تبقى المصادرة الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية وهدم المنازل الفلسطينية وبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية أكثر التهديدات خطورة على حل الدولتين. من السذاجة في ظل هذه الظروف أن يأمل الفلسطينيون في النجاة من خلال تحويل ديناميات إقليمية أو دعم دولي. إذا كان هناك أي احتمال أن يكون لهذه العوامل تأثير معاكس؛ فإن إحلال السلام على شكل حل الدولتين أضحى احتمالاً بعيداً أكثر مما هو عليه بالفعل.

 

وبدون دعم الشركاء الإقليميين أو المجتمع الدولي، ينبغي للفلسطينيين التركيز على المصالحة الوطنية المحلية وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، تليها بعد ذلك مباشرة الانتخابات الوطنية التي يمكن أن تساعد في توفير قيادة قوية وشرعية ونظام سياسي أكثر خضوعاً للمساءلة. والأهم من ذلك التمسك ببوادر الأمل، فجميعها عناصر أساسية في النضال من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة. أما في إسرائيل، فلن يتمكن من حماية الآفاق المستقبلية لحل الدولتين سوى تحالف حكومي خالٍ من الاعتماد على دعم المستوطنين والجماعات الدينية القومية المتطرفة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مترجم عن (فورين أفيرز)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.