شعار قسم مدونات

مكياج الحرية لا يخفي تشوهاتنا العنصرية!

blogs أوقفوا العنصرية

أصبحت العنصرية كوباء فتاك عصف بجسد الإنسانية جمعاء فارداها قتيلة بين ليلة وضحاها فأصبح تقبل الأخر باختلافاته أمرا أشبه بضرب من الخيال. أصبحنا نعيش في مجتمع مستنسخ لا يقبل التعدد والاختلاف يقصي حامل الكتاب بدل الهاتف الذكي فكيف له أن يتقبل شخصا من غير دينه أو عرقه أو جنسه. منذ القدم كانت حناجر العرب والمسلمين تصدح بأن العربي ليس بالضرورة إرهابي بمجرد ارتكاب شخص من نفس دينه أو عرقه عملا إرهابيا أودى بحياة العشرات المئات أو حتى الآلاف وسخروا أنفسهم للدفاع عن قضيتهم وإقناع الطرف المعني أنه لا سبب للخوف منهم والشعور بتهديد حقيقي يصدر منهم.

ولم يكتفوا بهذا بل سخروا السينما لنفس السبب فنجد مثلا فيلم "اسمي خان" لمخرجه الشهير كاران جوهار والذي يحكي عن قصة كفاح شخص مصاب بالتوحد وجد نفسه فجأة وسط مجتمع أمريكي يضطهد المسلمين خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة وسعيه المتواصل للقاء الرئيس الأمريكي لإخباره أنه ليس بإرهابي وكان رضوان بطل القصة يردد جملة طوال أحداث الفيلم مفادها أن اسمه خان وأنه لست إرهابي. لخص هذا الفيلم قصة كفاح وصمود مسلمي أمريكا كمثال بوجه جميع أواع الظلم و الاضطهاد الممارسة بحقهم وكيف نجحوا ولو قليلا بتغيير نظرة المجتمع الأمريكي لهم.

إن أمريكا هي فقط كمثال لأن المجتمع الأوروبي لا يقل عنها عنصرية واضطهادا للعرب والمسلمين والسبب بطبيعة الحال واضح. إلا أن الأمر اختلف ولو قليلا مؤخرا فنسب إصابة الغرب باللإسلاموفوبيا انخفضت وأصبحنا نرى تعايشا وتسامحا أكبر بين الغرب والعرب فإحكام العقل والمنطق لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تلك النتيجة ففي الأخير لا أحد مسؤول عن أفعال وتصرفات أحد أخر مهما كان يقربه. عندما نرى ونسمع قصة كفاح العرب والمسلمين لإثبات الأمر نعتقد أنهم سيكونون أول من يدافع عن الاختلاف والتعايش والتسامح إلا أن الأمر ليس كذلك بالمطلق فهم وبرغم ما يعايشوه نجد أغلبهم عنصريين.

احتقار واضطهاد أي شخص مهما كان لونه أو أصله أو دينه أو عرقه لوصمة عار علينا جميعا وجب علينا التصدي لها واجتثاثها من الجذور والعمل على الحد من انتشار كل ما يمكن أن يزيد حدتها

في المغرب كمثال وبعد أن أصبح من الوجهات المفضلة للمهاجرين الأفارقة أصبحنا نسمع ونلمس عنصرية ملموسة من بعض المغاربة تجاه الأفارقة خصوصا بعد أن توالت هجمات بعض المهاجرين الأفارقة على أملاك وأشخاص مغاربة قصد السرقة وقد حدث أن قتل مغاربة جراء بعض هذه الهجمات. بعد مثل هاته الأحداث وجد بقية المهاجرين أنفسهم في موضع اتهام وريبة على إثرها كان عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ويبرؤوا اسمهم ويظهروا للجميع أن ما بدر عن الباقين ما هو إلا تصرف شاذ لا يعني أن جميعهم هكذا وأنهم هم أول الرافضين والمنددين لأفعال شنعاء مثل هذه. ولم يكتف بعض المغاربة بالتنديد بل تجاوزوا الأمر وطالبوا بترحيل جميع الأفارقة لبلدهم الأم نتيجة أفعال شنيعة ارتكبها بعضهم.

شخصيا لا أرى هذا الأمر لائقا بشعب جل أبنائه من المهاجرين المعرضين في كثير من الأحيان للعنصرية والاضطهاد ببلدان المهجر فبدل أن يتفهموا الأمر ويظهروا تسامحا وتعايشا مع المهاجرين الباقين الأبرياء من كل جنح أو تهمة رأينا شيئا أخر تماما ربما كان نتيجة غضب لحظي أعمى بصيرتهم عن رؤية الصواب وإحكام المنطق لكنه كان مؤذيا جدا لفئة واسعة لم نر منها إلا الخير. إنني لا أرى فرقا بين ما يعانيه الأفارقة والعرب في بلدان المهجر فكلهم يحاسبون على أفعال ارتكبها أشخاص أخرين لا يشاركونهم شيئا سوى نفس العرق أو اللون فنيران الكراهية المصوبة نحوهم من قبل فئات من المجتمع المضيف أمر لا هو مقبول ولا منطقي.

إن العنصرية لمشكل جدي أصبح يهدد الجميع بدون استثناء فلم يعد تعرضك للعنصرية والاضطهاد رهين بتخطيك حدود بلدك فمن الممكن أن تتعرض لمثل هذه التصرفات بمجرد حلولك بمنطقة غير منطقتك الأصلية بسبب لهجتك أو أصلك أو لونك. إن اختلافنا هو نقطة قوتنا وغنانا فبدل أن نتعاون ونستفيد من ثقافات بعضنا البعض أصبح كل منا يقدس ويمجد أصله وعرقه وثقافته ويعتبر أن الأخر مجرد شيء غير قيم لا ينفع ولا يصلح لشيء في نكران كامل للأخر وذاته.

إن احتقار واضطهاد أي شخص مهما كان لونه أو أصله أو دينه أو عرقه لوصمة عار علينا جميعا وجب علينا التصدي لها واجتثاثها من الجذور والعمل على الحد من انتشار كل ما يمكن أن يزيد حدتها ويدفع الأشخاص على ارتكابها في حق الأخرين ويمكننا الاقتداء بالأطفال في هذا الصدد والتشبه بروحهم الطيبة وقلوبهم النقية لأننا حقا نستحق العيش في عالم أساسه التسامح والحب والأمان لا في عالم الكره والتفرقة في جسده تنهشان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.