شعار قسم مدونات

غياب العدل.. نظرة على المشهد السياسي المغربي!

blogs المغرب

غريب ما يقع ببلدي، نخب سياسية وفكرية غارقة في الريع والانتهازية حتى الثمالة.. أحزاب تحولت إلى دكاكين خاوية على عروشها من أي برنامج إلا برنامج تسويق الوهم للشعب.. مؤسسات مصابة بالإعاقة الحركية لا تتحرك إلا بعد دفعها.. مشهد سياسي عام يقدم فيه الضعيف قربانا ويترك صاحب الحظوة يمارس نزواته التحكمية.. شعب عاطفي في حالة سكر وفاقد للبوصلة قتلت في وجدانه كل قيم الوطن والوطنية وأصبح مجرد كومبارس. مشهد سياسي بقدر ما يثير الاستفزاز فهو أيضاً يثير السخرية، الصورة فيه معقدة بالرغم من وضوحها.

 

مشهد، النخب السياسية والفكرية فيه مدجنة، والأحزاب كالراقصة على السلم، لم يسمعها من هم تحتها، ولم يرها من هم فوقها، والمؤسسات أصبحت مختبرات للبحت وإنتاج القرابين.. مشهد أسوأ ما فيه هو أن القرابين رغم الظلم الدي يلحقها لا تستطيع أن تنبش ببنت شفة وتصدح ملء فمها: «آنا ضد هدا المشهد وضد الاختيار/الإخراج"، وما أقسى من أن ترى نفسك تساق للإعدام وأنت مظلوم في مشهد دبر ليلا وتواجه كل ذلك بالصمت لا تدافع عن نفسك، تخشى من الصراخ أكثر مما تخشى من الإعدام.. مشهد الكل فيه ضحية الصمت، والكلام لن يكلف أكثر من الصمت.

غريب ما يقع ببلدي، مشهد أساسه صناعة تأزيم الواقع كوسيلة لضمان البقاء والاستمرار. مشهد كل مخططات الرهط فيه تختصر في قاعدة شيطنة كل تحرك شعبي أو فردي واعي وحامل لمشروع مجتمعي.. والتقليل من أهميته وفعاليته، واعتماد استراتيجية فرق تسود.. مشهد يتم فيه تغيبت حرية حركة الشباب والشعب.. ويتم فيه سجن البعض في الأوهام ويمنع آخرين من المشاركة، وبذلك أصبحت الأزمة تشمل وتشل كل مشروع تنموي مستقبلي عبر تغييب الوعي بأولوية العناصر الأساسية الفاعلة..

 

مشهد كله تحليلات أمنية سياسوية ضيقة وتفاصيل وعناصر لا دور حقيقي لها. مشهد يمكن القول أن جينات الباطل أقوى فيه من جينات الحق رغم أن حقيقة التاريخ وسيرورته تؤكد لنا أن انتصار الباطل دائما يكون ظرفيا ولا يستمر عكس الحق الذي تبقى له دائما الكلمة الأخيرة. فـ"نـور الحق أضـوأ من الشمس، فَيَحِـقّ لخفافيش البصائر أن تَعْشُو عنه" كما يقول ابن القيم. الباطل له جعجعة وجَلَبَة، له صوت هدير بكل دعوى فـجّـة، ولكن لا بد سيرحل أهل الباطل ويزول باطلهم، فلا يبقى لهم ذِكر حَسَن ولا أثَـر نافِع.

يجب على الشباب الخروج من مرحلة الصمت وقاعة الانتظار إلى مرحلة الفاعلية وقاعة المواجهة العقلية والعلمية والعملية مع الباطل وأهله من رهط بلدي صناع الأزمة

ولكن إلى متى سيستمر الرهط يفسدون في بلدي ولا يصلحون؟ هل بلدي في حاجة إلى مزيد من الانتظار حتى يفشل هؤلاء الرهط المفسدون؟ متى سيكتشف أهل بلدي حقيقة الباطل الممارس عليهم؟ لا شك أن الباطل أبدا لن ينسحب طوعيا ما لم تكن هناك قوة حق منضمة مضادة تستطيع أن تحول دون سيطرة جينات الرهط وسحرهم على جينات الشعب، وبذلك تنقل بلدي من مرحلة المشروع التنموي الفاشل الذي صنعته أيادي الرهط وأساسه صناعة تأزيم الواقع كوسيلة لضمان البقاء والاستمرار إلى مرحلة المستقبل التنموي المنشود والصادق الذي يحتاج ويستدعي التحرك الآن وفوراً.

 

وهنا يجب على الشباب الخروج من مرحلة الصمت وقاعة الانتظار إلى مرحلة الفاعلية وقاعة المواجهة العقلية والعلمية والعملية مع الباطل وأهله من رهط بلدي صناع الأزمة وهدر الوقت والطاقات وتجاهل القيمة الحضارية للأرض. فالمستقبل التنموي المنشود يصاغ من الآن وبالتحرك الفوري بداية لدعم التنظيمات السياسية الوطنية والتاريخية وإنقاذها من تحكم الانتهازية، وتبقى التجارب والمقاربات كتب رهن الإشارة يستفيد منها لشحذ النفس ومراجعة الذات للقيام بفن الأدوار الإنسانية التي تحتاج إلى فنون التعبئة والمراجعة والمواجهة. أما أن نجلس في المقاهي ونكتب على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية والاجتماعية.. وننتقد الذي يحدث، فذلك كله ليس من صناعة المستقبل في شيء.

وهنا أريد أن أشير أنه حينما أقول أن المستقبل التنموي المنشود يصاغ من الآن وبالتحرك الفوري فأنا لا أقصد الدعوة إلى التسرع في الإنجاز وإنما هي دعوة إلى استعجال القيام والخروج إلى ساحة المعركة التنموية بعيدا عن ثقافة الاستسلام والصمت والرضوخ للأمر الواقع الذي فرضه الرهط، فما عاد مقبولا الاحتجاج والقول أن فلان فعل أو لوبي الرهط أفسد، فلا يمكن بعد اليوم القبول بقول: ليس لنا ولم نكن و لو أنه كان لنا. وهي دعوة إلى كل النخب السياسية والفكرية المستقلة والحرة داخل الوطن وخارجه وكل الهيئات المدنية المستقلة وكل الفاعلين الاقتصاديين والإعلامين النزهاء والشرفاء للمشاركة كل من موقعه حتى نخرج جميعا من مرحلة الانصياع الأعمى للرهط بدعوى الحرص على المصلحة العامة ونحن نعتقد أننا نحسن صنعا.

 

يجب أن نتحرك جميعا من اليوم بعيدا عن كل آثار الماضي المصطنع، ماضي جماعة الظلم والرهط. يجب أن نتحرك بكل استقلالية مصدقا لقوله تعالى في سورة النحل الآية 75: "ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ". و"العبد" هنا صفة أبقت له نوعاً من التصرف في أن يخدم نفسه بعد أن يخدم سيده، أما "مملوك" فقد ألغت إمكانية الخدمة الذاتية وأبقت جوانب الاستفادة من خدمة السيد لتحقيق بعض المصالح الشخصية، "لا يقدر على شيء" أغلقت الباب تماماً، وجعلت الرِّق كلياً وشمولياً بحيث لا يمكن للعبد أن يخدم في كل حركاته إلا السيد، "الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون"، هي الشهادة الإلهية بغياب العلم عند غياب الوعي بأهمية الإنفاق من الرزق الحسن لإزالة كل أثر للعبودية، والرِّق المفقد للقدرة.

 

المجتمع الذي يتطور فيه الاستبداد ويكون فيه ظلم اجتماعي يصاب بالبكم، فلا يستطيع الكلام، وحتى إذا تكلم لا يُسمع له، فهو في حكم الأبكم
المجتمع الذي يتطور فيه الاستبداد ويكون فيه ظلم اجتماعي يصاب بالبكم، فلا يستطيع الكلام، وحتى إذا تكلم لا يُسمع له، فهو في حكم الأبكم
 

وهذه المقارنة الإلهية في القرآن بين صنفين من الناس لم تأتِ عبثاً، وإنما أراد العلي القدير أن يؤكد أن القوة الوحيدة المؤهلة لمواجهة قوى الظلم هي تلك المتصفة بثقافة العلم والإنفاق والحرية، أما أولئك المنغمسون في العبودية لذاتهم أو لشهواتهم أو لغيرهم أو مملوكين للأخرين وعديمي القدرة فلا تغيير يرجى منهم ولا مستقبل. ومثلهم كمثل من قال عنهم تعالى: "وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِي بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِيْ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ"، وإذا كان الله تعالى تحدث في المثل الأول عن فاقد القدرة والحركة، فإنه في هذه الآية يتحدث عن فاقد التعبير، لأنه أبكم لا يستطيع الجهر بما يريد أو بما يعانيه، فاقد القدرة "لا يقدر على شيء" عديم المنفعة وعديم الفائدة "كَلّ على مولاه" ونحن هنا أمام مستويات عليا من الرِّق؛ فالإنسان يمتاز بقبوله وشوقه للرِّق مع زهد سيده فيه لكلفته وعدم منفعته.

خلاصة الأمر في هاتين الآيتين أن غياب العدل "القانون" واستفحال الاستبداد والظلم يصيب المجتمع بالبكم، وهو أول صفة جاءت في الآية، والعلاقة واضحة في الآيات في المقابلة بين العدل وبين البكم، لأن المجتمع الذي يتطور فيه الاستبداد ويكون فيه ظلم اجتماعي يصاب بالبكم، فلا يستطيع الكلام، وحتى إذا تكلم لا يُسمع له، فهو في حكم الأبكم. وختاما أقول لكل أهل بلدي المخلصين إن هناك سوء تدبير وتسيير وولوعاً بالتخدير، لكن كيف الخروج من ذلك؟ الخروج يكون بالاهتمام بأصوات الشعب النزيهة والشريفة على مختلف ميولتهم الثقافية والفكرية والعلمية الموجودة داخل الوطن وفي خارجه؛ فالراشد من أصوات الشعب ينبغي أن يحفظ، والقاصر منها ينبغي أن يُرشَّد، والمعوج منها ينبغي أن يُقوَّم والغائب منها ينبغي أن يوجد.

أما الرهط فزمنهم سائر نحو الانهيار وفيهم يحق القول أن مثل رهط بلدي كمثل أبو رغال دلّ أبرهة على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله بالمغمس، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك مهجورا في صحراء قاحلة فَرَجَمَت قبرَه. شخص لا قيمة له نفعي ولو على حساب قومه.. ولو على حساب بيت مقدس. شخص ليس لديه مبدأ، النفع والمصلحة الشخصية عنده فوق كل اعتبار. دلّ العدو على عورات قومه! دلّ عدوّه على الطريق إلى مكة.

مات أبو رغال وتلاشَتْ فقاعته وبقي له سوء الذِّكر مسطور مزبور في كُتب التاريخ. مات عبد العزى بن عبد المطلب المعروف بأبو لهب.. حامل لواء الباطل ضد الحق ومات أحمد بن حنبل رحمه الله. فالأول زَبَـدٌ تلاشى والثاني سَيلٌ نفع الله به، كم ورّث من عِلم؟ وكم تَرَك من قول؟ وكم خلّف من حِكمة؟ فيا بُعد ما بين الرَّجُلَين! الدنيا كلّها تعرِف من هو أحمد بن حنبل وتذكره بكل خير! ولكن من يذكر عن أبي لهب خيرا؟ سائِل الدنيا.. واسأل التاريخ. ففي التاريخ مُعتَبَر، وفي الأيام مُدَّكَر يا رهط بلدي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.