شعار قسم مدونات

أفريقيا.. خزان لا ينضب من أبطال ألعاب القوى!

blogs ألعاب القوى

وتتمةً لموضوع مساهمة الرياضيين الأفارقة في النهضة الكروية بدولتي بلجيكا وفرنسا والذي خُصص له الجزء الأول بأكمله، لن يحيد الجزء الثاني، موضوع هذه الأسطر، عن هذا التوجه لكن مع رياضةٍ أخرى تألق فيها الرياضي الأفريقي، سواء ممثلا بلده الأصلي أو مدافعا عن بلد آخر غير بلده آبائه وأجداده، ولن تكون هذه الرياضة سوى رياضة ألعاب القوى التي كانت ولا تزال شاهدة على أبطال صالوا وجالوا وكتبوا أسماءهم بمداد من الفخر في تاريخ هذه الرياضة.

عملت العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج على تجاوز الخصاص الذي تعاني منه في أحد تخصصات ألعاب القوى، عبر البحث عن رياضيين منحدرين من القارة السمراء الذي يأملون في مستقبل أفضل لا يجدون إليه سبيلا في بلدانهم الأصلية وتجنيسهم. وأثار موضوع تجنيس الرياضيين الأفارقة جدلا واسعا بين مؤيدٍ يرى في ذلك أمرا محمودا من شأنه أن يساعد على الرقي بهذه الرياضة في البلدان التي تلجأ إلى هذا الحل، وبين رافضٍ كليا للفكرة كون الغرض منها هو شراء الميداليات، واعتراف ضمني من البلدان المُجنِسة بفشلها في تكوين عدائين بإمكانهم تحقيق نتائج مميزة.

شارك العديد من رياضيي ألعاب القوى الأفارقة في عدة نسخ من بطولة العالم والألعاب الأولمبية وهم يمثلون بلدين مختلفين؛ أحدهما بلد المولد والآخر البلد المُجَنِس، فمنهم من فشل مع بلده الأصلي ووجد ملاذه في بلد الهجرة محققا نتائج ما كان ليحققها لو ظل في موطنه الأصلي، وخير مثال على ذلك العداءة الإثيوبية الأصل والبحرينية الجنسية، مريم يوسف جمال، التي وجدت ضالتها في البحرين التي وفرت لها جميع ظروف النجاح، بعد أن استعصى عليها الأمر في إثيوبيا نظرا لوجود عدد كبير من العدائين المميزين. وتمكنت مريم يوسف من قيادة البحرين لنيل أول ميدالية لها في الألعاب الأولمبية في دورة 2012 بلندن، بعد أن جردت اللجنة الأولمبية البحرين من ميدالية ذهبية أحرزها، رشيد رمزي، في دورة بكين 2008 إثر ثبوت تناوله للمنشطات.

أثبت الرياضي الأفريقي أنه قادر على أن يبلغ أعلى المراتب وأنه ليس أقل شأنا من أقرانه من الرياضيين من أصول أوروبية أو أمريكية أو آسيوية، فبمجرد أن تُتاح له الفرصة حتى يعض عليها بالنواجذ
أثبت الرياضي الأفريقي أنه قادر على أن يبلغ أعلى المراتب وأنه ليس أقل شأنا من أقرانه من الرياضيين من أصول أوروبية أو أمريكية أو آسيوية، فبمجرد أن تُتاح له الفرصة حتى يعض عليها بالنواجذ
 

وهناك أيضا صنف ثان من رياضيي ألعاب القوى ممن تمكنوا من إحراز ميداليات لفائدة بلدانهم الأصلية، في حين خيبوا أمال البلدان المُجنِسة التي كانت تنتظر منهم الكثير مثل ما حدث مع العداءة الكاميرونية الأصل، فرونسواز مبونغو، التي أهدت بلدها أول ميداليتين في تاريخه في الألعاب الأولمبية في منافسة القفز الثلاثي من معدن الذهب خلال دورتين متتاليتين سنتي 2004 بأثينا و2008 ببكين، إضافة إلى ميداليتين برونزيين في بطولتي العالم سنتي 2002 و2004 بإدمونتون وباريس على التوالي. أسالت هذه الإنجازات لعاب فرنسا التي طلبت ود هذه البطلة أملا في أن تحقق لها ما حققته مع بلدها الأصل، غير أن النتائج كانت مخيبة جدا بعدما لم تحقق مبونغو الرقم المطلوب الذي يسمح لها بالمشاركة في الألعاب الأولمبية 2012 بلندن، وبالتالي لم تتمكن من الدفاع عن ميداليتها الذهبية.

كما سطع نجم رياضيين استطاعوا جمع المجد من أطرافه، مُهدين عدة ميداليات سواء لبلدانهم الأصلية أو البلدان المُجنسة، وهذا ما فعله بالضبط العداء الكيني الأمريكي، بيرنارد لاغاط، الذي حاز مع كينيا على ميدالية برونزية في الألعاب الأولمبية بسيدني في سباق 1500 متر وميدالية فضية سنةً واحدةً بعد ذلك في بطولة العالم بإدمنتون. فسعيا من الولايات المتحدة الأمريكية في أن تصير من الدول الرائدة في سباقات المسافات المتوسطة والطويلة، كما هو الشأن في المسافات القصيرة، قررت تجنيس العديد من العدائين أبرزهم، بيرنارد لاغاط، الذي قاد بلاد العم السام لصعود منصات التتويج في مناسبات متعددة في أكبر البطولات العالمية.

فرض العديد من رياضيي ألعاب القوى المنحدرة أصولهم من القارة السمراء أنفسهم في بلد المهجر الذي قدموا إليه في سن مبكرة ليُبرزوا مؤهلاتهم، كما هو الشأن بالنسبة إلى أبرز العدائين البريطانيين على الإطلاق ويتعلق الأمر، بمحمد فرح، الذي غادر بلده الصومال في سن ثمان سنوات رفقة عائلته في اتجاه بريطانيا. تألق محمد فرح بشكل لافت في منافسات بطولة العالم -متوجا بطلا للعالم في عدة مناسبات- وفي الألعاب الأولمبية في دورتي 2012 بلندن و2016 بريودجانيرو، مزينا عنقه بأربع ميداليات ذهبية في سباقي 5000 متر و10.000 متر.

أثبت الرياضي الأفريقي أنه قادر على أن يبلغ أعلى المراتب وأنه ليس أقل شأنا من أقرانه من الرياضيين من أصول أوروبية أو أمريكية أو آسيوية، فبمجرد أن تُتاح له الفرصة حتى يعض عليها بالنواجذ لأن كل ما يحتاجه ليبرز مؤهلاته الكبيرة هو الاهتمام وأن تُوفَّر له ظروف النجاح. ويضطر الرياضي الأفريقي في أغلب الأوقات للهجرة إلى دول لها من الإمكانيات اللوجستيكية والمادية ما يسمح له أن يُخرج كل ما في جعبته من إمكانيات، ومثالي كرة القدم وألعاب القوى خير شاهدين على ذلك. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.