شعار قسم مدونات

وأد المرأة ما زال مستمرا.. فبأي ذنب قُتلت؟

blogs امرأة

تؤثر الأسطورة المتوارثة عن إغواء الشيطان لحواء واستدراجها لتقنع آدم بخطيئة لا ندرك كنها على فكر الرجل العربي وحتى بعض الرجال الغربيين. هي قصة زرعت بطريقة عجيبة في العقل اللاواعي للرجل، فباتت المرأة رمزا من رموز الإغواء الشيطاني في معظم الأعراف المجتمعية على مر العصور واختلافاتها. خدع الوهم عقل الكائن الرجولي فجعله دائم الاحتقار للكائن الأنثوي الذي يشاركه رحلة الحياة. كانت هذه هي اللعبة الشيطانية الكبرى للعبث بالحياة الإنسانية، أن تصبح المرأة الوجه الآخر للغواية، لأن قوى الظلام تدرك أن المرأة قوة عظمى في الكون إنها "رحم الحياة"، قال تعالى: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" سورة النساء.

الله اختار المرأة لتكون منبع الخلق البشري، وهذه مكانة لا تليق إلا بعظيم، قال تعالى: "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ" سورة الزمر. لكن الشيطان الوجودي وبدهائه سعى منذ اللحظات الأولى للخلق الآدمي بجهد إلى جعل المرأة الحلقة الأضعف، وأعتقد أنه نجح إلى حد ما مستغلا ثغرة حب الرجل للملك، خصوصا عندما نرجع بالزمن للوراء، ونتأمل واقع المرأة عبر التاريخ. أقسم إبليس أن يفسد حياة هذا الإنسان الذي كان سببا في طرده من رحمة الله، "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ" سورة الأعراف، ولسان حاله يقول: "وراء كل رجل امرأة ووراء كل امرأة امرأة"، إذن المرأة عدوي الأول فهي سبب وجود الجنس الآدمي والذي أكرهه بشدة.

المرأة في الحقيقة ليست حليفة إبليس بل هي عدوه الأكبر. لكن تم تزوير الحقائق بطريقة ممنهجة فباتت "بوابة الوجود البشري" "بابا من أبواب الشيطان". حواء لم تغوي آدم وتساعد الشيطان كما تزعم الحكاية المتوارثة والتي أضحت عقيدة راسخة لدى الذكوريين. قال تعالى: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ، فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى، فَأَكَلَا مِنْهَا بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ". سورة طه.

عند الرومان، الرجل هو المالك لأفراد العائلة، وله كل السلطة على الزوجة والأبناء وزوجاتهم والبنات ويملك حق بيعهم، وله السلطة الكاملة على البنات وعلى أموالهن الموروثة من أمهاتهن

يمكن القول أن الرجل مخدوع بالوهم منذ بداية الخليقة الآدمية، فقد خدع الشيطان آدم وأغواه بالأكل من الشجرة "الملك الوهمي"، وكانت تلك هي نقطة ضعف الرجل على مر العصور حبه للقوة و السيطرة. زور الرجل الحقائق ليحظى بالسلطة على هذا الكائن الذي يشاركه العالم. ربما حان الوقت لندرك أن عار الخطيئة البشرية الأولى والذي لحق بحواء ليس من الواقع في شيء، إنما المرأة ضحية لقصة وهمية، فقد أريد للمرأة أن تكون رمزا للغواية في تجاهل للحقيقة الصارخة التي تقول أن المرأة رحم الوجود البشري فهي من تنجب الإنسان، ورحم الفكر البشري فهي من تربي هذا الإنسان. المرأة قادرة على تغيير تاريخ العالم، وتحجيم مكانتها كان مخططا له.

سندرك هذا عندما نعرج على مكانة المرأة عبر التاريخ ،فلم يعترف الرجل بالمرأة يوما ككائن مستقل، ودائما ما حاصرها بسياج أوهام باطلة جعلتها في الدرك الأسفل. بعض طوائف اليهودية تنزل المرأة منزلة الخدم، حيث لأبيها الحق في بيعها قاصرة، و لم تكن ترث إلا في حالة لم يكن لأبيها ذرية من البنين. أما المرأة في عهد اليونان فقد كانت محرومة من الثقافة والتعليم والمساهمة في الحياة العامة. وفي شريعة الهنود ليس للمرأة حق في التحرر من تبعية أبيها أو زوجها أو ابنها، فإذا ما ماتوا أجبرت على أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها، فالمرأة في عرفهم "تابعة"، ولا حياة لها بعد موت الزوج، فكانت تحرق معه حيّة على موقد واحد، واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر، كما كانت المرأة تقدم قرباناً للآلهة طلبا للرضى.

أما عند الرومان فالرجل هو المالك لأفراد العائلة، وله كل السلطة على الزوجة والأبناء وزوجاتهم والبنات ويملك حق بيعهم، وله السلطة الكاملة على البنات وعلى أموالهن الموروثة من أمهاتهن. أما "هنري الثامن" في إنجلترا فقد حرَّم على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس، ولم تكن لها حقوق شخصية، ولا حق في التملك الخاص، فكانت المرأة خاضعة لأبيها أو زوجها، وكانت تباع وتشترى.

لم تتمتع المرأة عند العرب في الجاهلية بحال أفضل فقد اعتبرت ندير شؤم، "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ"، سورة النحل.  فالمرأة في الجاهلية اعتبرت عاراً وإثماً يجب التخلص منه، الأمر الذي ساهم في انتشار عادة وأد البنات عند بعض القبائل العربية.. العالم يكفر بالمرأة ولا يؤمن بإنسانيتها، فللآن يتم وأد المرأة ربما اختلفت فقط طريقة قتل هذا الكائن الأنثوي، الذي لم يحظ بعد بالمكانة التي يستحق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.