شعار قسم مدونات

تعرف على طموحات العرب في الفضاء!

blogs فضاء

قبل أكثر من ألف عام شرع العلماء والمفكرون المسلمين في فترة مميزة من الدراسة العلمية؛ لقد ترجموا أعمالاً يونانية وسنسكريتية عن علم الفلك إلى اللغة العربية واستخدموها لتطوير أساليبهم الخاصة لرصد الأجرام السماوية الغامضة المتلألئة في سماء الليل، كما سجلوا تحركات الشمس والقمر وحسبوا أقطار الأرض والكواكب التي رأوها من الأرض، وتأمّلوا مكانهم في الكون.

 

كانت تلك الفترة هي "العصر الذهبي" الإسلامي وامتدت من القرن الثامن حتى القرن الرابع عشر، وغالباً ما يتم استثارتها في مناقشات علم الفلك في الشرق الأوسط. في بعض الأحيان، تطغى هذه الإنجازات التاريخية في العالم العربي على مساهمات المنطقة الحديثة في هذا المجال، مثل مؤسسة قطر لاستطلاع الكواكب خارج المجموعة الشمسية (the Qatar Exoplanet Survey) التي انضمت إلى برامج البحث العالمية عن الكواكب خارج نظامنا الشمسي في عام 2010. وفقاً لجورج ماتياس ديتيرمان البروفسور المساعد بكلية الفنون في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر: سجل التاريخ علماء الفلك العظماء في العصور الوسطى ولكن لم يكن هناك الكثير من الاهتمام بعلماء الفلك العرب مؤخراً.

 

يقول ديتيرمان: "هناك وعي قليل بالعلماء في العالم العربي، وخاصة بالمقارنة مع شخصيات أخرى. يمكن لمعظم الناس تسمية إرهابي عربي لكنهم لم يتمكنوا من تسمية عالِم عربي، وربما يتعلق الأمر بوجود الكثير من الكتب عن الإرهابيين من العرب". يحاول ديتيرمان تغيير ذلك التصور في كتابه الجديد "علوم الفضاء والعالم العربي: رواد الفضاء والمراصد والقومية في الشرق الأوسط" حيث يروي أعمال وإنجازات العديد من العلماء والفلكيين في المنطقة، من أول مراصد فضائية رسمية في أواخر القرن التاسع عشر إلى خطط بعثة روفر إلى المريخ عام 2020. لقد تحدثت مع ديتيرمان حول هذه الفترة الجديدة في التاريخ.

 

لدينا الكثير من الكتب التي تركز على دور المفكرين العرب والمسلمين في العصور الوسطى في الحفاظ على المعرفة اليونانية أو الفارسية القديمة وترجمتها وتعديلها وتطويرها

مارينا كورين: ما الذي حثك على التركيز على الأبحاث الفضائية الحديثة في الشرق الأوسط بدلاً من العصر الذهبي؟

جورج ماتياس ديتيرمان: لقد وجدت أن علم الفلك الحديث وعلوم الفضاء في العالم العربي -وهو نوع من البحث الذي كان موجوداً منذ عام 1800- لم يتم البحث فيه على نطاق واسع مقارنة بجميع الأبحاث التي أجريناها حول العلوم الإسلامية العربية في العصور الوسطى قبل الحداثة. كان هناك فكرة لوقت طويل مفادها أن العلم هو الشيء الذي تطور عبر التاريخ وكان للعرب دورهم في ذلك التاريخ عند نقطة معينة فقط. كان هناك هذا السرد حيث ظهر العلم منذ آلاف السنين مع البابليين القدماء -وربما الصينيين القدماء كذلك- ثم انتقل إلى الرومان واليونانيين، ثم ورث هذا العلم العرب وحافظوا عليه وعملوا عليه قليلاً، ثم مرر العرب العلم إلى أوروبا في عصر النهضة، ثم انتقل العلم إلى أمريكا التي أصبحت الآن مركز العالم للعلوم.

 

لذلك لدينا الكثير من الكتب التي تركز على دور المفكرين العرب والمسلمين في العصور الوسطى في الحفاظ على المعرفة اليونانية أو الفارسية القديمة وترجمتها وتعديلها وتطويرها، ومن ثم لدينا الكثير من الاطلاع حول كيفية نقل هذه المعرفة إلى أوروبا الحديثة في البداية. حسب هذه الروايات، ببداية الثورة العلمية في الغرب -في أوروبا- مع غاليليو وإسحق نيوتن، كان هناك نهاية للعصر الذهبي في العالم العربي والإسلامي؛ وهذه الرواية إشكالية للغاية.

 

كورين: لماذا؟

ديتيرمان: ينبغي أن أقول إنه ليس مجرد سرد غربي، إنها أيضاً رواية موجودة في العالم العربي نفسه. إنه لأمر خطير أن يكون المرء شديد الحنين تجاه العلم الذي كان في العالمين العربي والإسلامي قبل ألف عام إذ يتغذى على منظور شديد التراجع. قد يظن العرب أنه منذ ألف عام كان لدينا هذا العصر الذهبي عندما كان علمنا متفوقاً، عندما كان علمنا الأفضل في العالم. ماذا حصل؟ ربما نحتاج إلى العودة إلى الكيفية التي كان الإسلام عليها قبل 100 سنة، ربما نحتاج إلى العودة إلى ما كان عليه مجتمعنا قبل ألف سنة. هذا النوع من الإفراط في التركيز على العصر الذهبي قد يساهم حتى في الأصولية (التمسك بأصول الدين) وفي السلفية وفي الإصدارات السابقة من الإسلام.

 

لذلك أردت أن أرى العلماء العرب ورائدي الفضاء وعلماء الفلك الذين لدينا في العالم اليوم. لدينا جامعات ومؤسسات بحثية في جميع أنحاء العالم العربي، ومع ذلك فنحن لا نعرف إلا القليل نسبياً عما يجري هناك. ربما يستطيع بعض المثقفين -سواء في العالم العربي أو في الغرب- أن يذكروا بعض العلماء العرب في العصور الوسطى. لكنني أعتقد أن قلة قليلة من الناس يمكنهم تسمية رائد فضاء عربي أو عالم عربي حتى في العديد من الدول العربية. هناك وعي قليل بالعلماء في العالم العربي وخاصة بالمقارنة مع شخصيات أخرى.

 

كورين: ماذا يفكر علماء الفلك الحديث في أسلافهم في القرون الوسطى؟

ديتيرمان: هذه الفكرة من العصر الذهبي هي جزء قوي من تراثهم، ومثل أي تراث آخر يمكن استخدامه لأغراض معينة؛ حيث يمكن استخدامه لإقناع الحكومة بإنفاق الأموال على علوم الفضاء وعلم الفلك، وهو أمر مكلف. فوضع قمر اصطناعي في مدار الأرض وبناء صواريخ وتلسكوبات كبيرة وكل ذلك يكلف مالاً، كما يحتاج العلماء إلى إقناع السياسيين في أي بلد كان بضرورة إنفاق الحكومة ملايين ومليارات الدولارات على تلسكوب فضائي جديد بدلاً من إنفاقها على الطرق أو المستشفيات أو المدارس أو المعدات العسكرية.

 

لا تزال هناك شوارع سميت تيمناً بعلماء العصور الوسطى المختلفين، مثل ابن سينا هذا الطبيب والكاتب الفارسي العظيم في العصور الوسطى. في قطر في الدوحة حيث أقيم، تم إنشاء سلسلة من الصيدليات تحت اسم ابن سينا. هناك حديقة علمية وتقنية جديدة نسبياً في الدوحة تم تصميمها على غرار المنتزهات العلمية في كامبريدج إنجلترا، أو على غرار المراكز التي تجدها حول الجامعات الكبرى في أمريكا. إنها جديدة نسبياً، مبنية من الزجاج والفولاذ، تشبه سفينة الفضاء، عصرية جداً ومكلفة للغاية. لكنها تحتوي على قاعات اجتماعات تحمل أسماء هؤلاء العلماء العرب والمسلمين في العصور الوسطى. لا تزال ذكرى العصر الذهبي -ذكرى هذا التراث-  جزءاً كبيراً من المشهد العلمي الحديث.

 

واجه فاروق الباز الكثير من التمييز مثله مثل الكثير من العرب. لم يكن الأمر سهلاً عليه، لكن من الواضح أنه شخص ذكي للغاية وقد عمل بجد. وأصبح شخصاً مهماً في دراسة سطح القمر
واجه فاروق الباز الكثير من التمييز مثله مثل الكثير من العرب. لم يكن الأمر سهلاً عليه، لكن من الواضح أنه شخص ذكي للغاية وقد عمل بجد. وأصبح شخصاً مهماً في دراسة سطح القمر
 

كورين: أين تبدأ القصة الحديثة لعلوم الفضاء في الشرق الأوسط بالنسبة لك؟

ديترمان: تبدأ في القرن التاسع عشر، مع هذه النظرة الشمولية الجديدة للكون عندما كان هناك المزيد من الأبحاث الغربية المترجمة إلى العربية بما في ذلك أبحاث حول النظام الشمسي والكواكب المختلفة. تبدأ بإنشاء أول مراصد حديثة ذات تلسكوبات، مثل مرصد الكلية البروتستانتية السورية وهي المؤسسة التي تم إعادة تسميتها فيما بعد بالجامعة الأمريكية في بيروت، والتي تأسست في سبعينيات القرن التاسع عشر. تبدأ بالمراصد التي بنيت في مصر من قِبَل كل من الحكومة المصرية والحكومة البريطانية المستعمرة التي احتلت مصر خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر.

 

كورين: لننتقل في حديثنا إلى القرن القادم، تكتب كثيراً عن فاروق الباز عالم الفضاء المصري الذي عمل في السبعينات مستشاراً للرئيس المصري ومديراً في متحف الطيران والفضاء الوطني (Smithsonian National Air and Space Museum) في واشنطن. كيف تمكن الباز من جسر هذين العالمين؟
ديترمان: ربما كان فاروق الباز أحد أشهر علماء الفضاء العرب. لم يكن عالم فلك في البداية، تم تدريبه كجيولوجي في كل من مصر والولايات المتحدة، لذلك كان متعمقاً في أنظمة التعليم في كلا البلدين. بعد تحصيله درجة الدكتوراه في الولايات المتحدة وبعد نيل شهادة ما بعد الدكتوراة في ألمانيا، حاول العودة إلى مصر مع زوجته الأمريكية وكان ينوي الإقامة في مصر. كان لديه ارتباط عميق بمصر لكنه شعر أن البلاد في ذلك الوقت لم تقدم له الفرص لطموحاته الكبيرة؛ فهاجر إلى الولايات المتحدة وانخرط في برنامج الفضاء "أبولو"، والذي كان يبحث عن الجيولوجيين لمساعدتهم على دراسة السطوح القمرية ومواقع الهبوط المحتملة.

 

لقد واجه الباز الكثير من التمييز مثله مثل الكثير من العرب في ذلك الوقت. لم يكن الأمر سهلاً عليه، لكن من الواضح أنه شخص ذكي للغاية وقد عمل بجد. أصبح شخصاً مهماً في دراسة سطح القمر وفي تدريب رواد فضاء برنامج أبولو الذين هبطوا على القمر.

 

كورين: يبدو أن هذا هو الحال مع سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء سعودي أيضاً. بينما كان سلمان يستعد للطيران على متن مكوك الفضاء، جلبت ناسا أشخاصاً من شركة أرامكو -وهي شركة نفط لديها مكتب قريب من هيوستن- لإعطاء رواد فضاء ناسا دورة مكثفة لمدة يوم واحد عن الثقافة السعودية. لماذا يعتقد مسؤولو ناسا أن ذلك ضروري؟

ديتيرمان: في ذلك الوقت، لم يكن لدى الأميركي العادي -بما في ذلك ربما رائد الفضاء الأمريكي العادي- سوى فكرة بسيطة عن المملكة العربية السعودية. امتلك الناس تلك الأوهام المستشرقة والأفكار الغريبة حول الشرق الأوسط. عندما سمع الناس عن المملكة العربية السعودية، لربما خطر ببالهم لورانس العرب، الجمال والرمل، والحريم والسلاطين والأمراء والشيوخ. الكثير من الأمريكيين لم يعرفوا ما الذي يجب فهمه من لرائد فضاء سعودي. ما هو نوع الشخص الذي سيكون عليه، وكيف تدمجه كأحد أعضاء طاقم المكوك الفضائي؟ لذلك ربما كان الناس في ناسا قلقين من سوء الفهم الثقافي.

 

هناك مشروع المريخ 2117، حيث تخطط الإمارات العربية المتحدة فعلياً لإنشاء مدينة كاملة على سطح المريخ خلال 100 عام. ومن الواضح أن هذا مشروع مبكر جداً على تطويره

اتضح أن هذا الأمير السعودي -كما كان العديد من النخبويين السعوديين في ذلك الوقت- كان متأمركاً بالفعل؛ لقد درس في أميركا، وكان يعرف في الواقع الثقافة الأمريكية أفضل بكثير من رواد الفضاء الفرنسيين، وربما اتقن اللغة الإنجليزية بشكل أفضل منهم. لكن بطريقة أو بأخرى، كان المسؤولون في ناسا أقل قلقا بشأن سوء الفهم الثقافي مع رواد الفضاء الفرنسيين.

 

كورين: لقد ذكرت فتوى أصدرها علماء الإسلام في عام 2014 تحظر المشاركة في بعثة ذهاب بلا عودة إلى المريخ إذا كانت فرص الوفاة كبيرة. "مصير المشاركة في هذه الرحلة -في الآخرة-  مثله مثل الانتحار". كيف يمكن لبعض القيم الأكثر تقليدية للإسلام، والتي تنظر إلى الانتحار على أنه خطيئة أن تتعايش مع استكشاف الفضاء البشري والذي يمكن أن يكون مميتاً؟

ديتيرمان: إن الأخلاق الحيوية الحديثة -الأخلاقيات التي تتعامل مع الحياة البشرية- لا زالت قيد التطور في العالم العربي. بعض الشخصيات في العالم الإسلامي -مثل الأشخاص الذين أصدروا هذه الفتوى- سيكون لديهم مشكلة كبيرة في الانتحار أو الانتحار المحتمل. بالطبع ينطبق ذلك على أي مجموعة دينية تضع تأكيداً خاصاً على قيمة الحياة البشرية، لا يقتصر ذلك على الإسلام فقط.

 

كورين: ولم يمنع ذلك بالضرورة الدول الإسلامية من السعي وراء مهام المريخ.

ديتيرمان: في حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، تطغى الطموحات القومية والسياسية والاقتصادية على هذه المخاوف الإسلامية حول بعثات المريخ. ولعل الإمارات العربية المتحدة تمتلك أكثر بعثات المريخ المخطط لها طموحاً في المنطقة. هناك مهمة المريخ التي سيتم إطلاقها في عام 2020 لإرسال مركبة فضائية تدرس الغلاف الجوي للمريخ. من المفترض أن يصل المسبار إلى المريخ في عام 2021، بالتزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

هناك أيضًا مشروع المريخ 2117، حيث تخطط الإمارات العربية المتحدة فعلياً لإنشاء مدينة كاملة على سطح المريخ خلال 100 عام. من الواضح أن هذا مشروع مبكر جداً على تطويره. إذا كنت ترغب في إنشاء مدينة على سطح المريخ، فقد يعني ذلك أن تفقد بعض الأرواح في هذه العملية بطريقة أو بأخرى. قد يكون هناك اعتراضات من قبل علماء المسلمين تجاه هذه الأنواع من المشاريع، لكن هذه الطموحات موجودة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مترجم عن (ذا أتلانتك)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.