شعار قسم مدونات

لماذا يستمع كثير من الشباب لمنصور الكيالي وإخوانه؟

blogs علي منصور الكيالي

لا يمكن تفسير أي نص أدبي بدون أن تكون وعيا بظروف كتابته ومتمكن من اللغة التي كتب بها، هذا بالنسبة لأي نص عادي فكيف إن كان نصا مقدسا أنزله الله على قلب نبيه، ستكون مهمة تفسير النص المقدس أصعب وأثقل وتوزن بالذهب، لكن في عصر اليوتيوت بليت الأمة بأناس يفسرون القرآن لا علم لهم لا باللغة العربية قواعدا وشرحا ولا بالبحث العلمي منهاجا وأصولا ولا بالسنة النبوية سندا ومتنا همهم هو الشهرة والظهور في برامج تلفزية لأن لتلفزة قيمتها الرمزية والمادية مقارنة مع الأنترنيت ومن بين هؤلاء من بليت بهم الأمة علي منصور الكيالي وهو كما عرف نفسه مهندس معماري وعالم فيزيائي وخبير لغات قبائل ودكتورة في البحوث الإسلامية وثلاثون سنة من الدراسات القرآنية هذه السيرة العلمية المحترمة لم تشفع له بارتكاب خطايا علمية والتاريخية نستعرض قبسا منها:

الفرق بين القرية والمدينة والصوم والصيام

يقول العالم منصور الكيالي أن القرية تطلق على من كان جميع سكانها كفار مستشهد بآية من سورة الكهف وهي: "فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ "، ويضيف علي منصور الكيالي أن لما وجد غلامين مؤمنين تحولت القرية إلى مدينة متناسيا أن مكة تسمى أم القرى وأن مصر التي كان من حكمها النبي يوسف وهو مؤمنا طبعا سميت بالقرية في قوله تعالى على لسان إخوة يوسف: "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا".

 

ويختم الفيديو بقوله هذا عمل في القرآن لفترة سبع وثلاثين سنة سبع وثلاثين سنة ولم يقرأ سورة يوسف التي تدحض نظريته، وعن آية سورة التوبة التي خاطبت الكافرين قائلة: "فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ" فزعم الكيالي أنها تخاطب المسلمين ويضيف أن موسم السياحة ينطلق منذ بداية رمضان وأن السياحة هي التفرغ للعمل والتكافل الاجتماعي ضاربا بعرض الحائط تفسير السياحة في المعاجم اللغوية ومتناسيا أن الأمر لكفار قريش وليس للمسلمين وأن تفسير الآية حسب الطبري يعني فسيروا فيها مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه.

هناك خيوط تحرك هؤلاء لأغراض سياسية في مقدمة هذه الأغراض تجفيف المرتكزات التي تقوم عليها الحركات الإسلامية المعتدلة، والضرب في ما يمكن تحريك الشعوب

أما بالنسبة للفرق بين الصوم والصيام فيقول الكيالي أن الصوم هو قول الحقيقة ولو لم أسمعاها من الكيالي لما صدقت أن هناك عاقل يقولها، والعجيب استشهاد الكيالي بسورة مريم الآية 26 التي يقول الرحمن فيها: "فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا"، وصوما هنا حسب الشيخ الكيالي هو الكلام الصادق والحسن لكن بتكملة الآية نفسها يتضح لنا خطأ الكيالي والكارثة التي وقع فيها إذا افترضنا حسن نية الرجل فالآية تقول: "فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا" كيف ستقول الصدق وهي لن تكلم إنسيا، ثم يقول أن الحديث القدسي الذي رواه البخاري ومسلم ذكر الصوم وليس الصيام فقال الكيالي أن الحديث يقول كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّوم فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ والحقيقة أن الحديث يقول عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ.

 

وفي هذا الباب نلاحظ أن الكيالي وقبله عدنان إبراهيم عندما يخدم الحديث أهوائهم يستشهدون به وعندما لا يخدم أهوائهم فهم عنه منصرفون، لهذا ينكر الكيالي بعد الأحاديث التي لا ترضي هواه كأحاديث نعيم القبر وعذبه وضاعا قاعدة تقول لا عذاب قبل الحساب مع أن القرآن ينسف هذه القاعدة نفسا ويتحدث عن عذاب في الدنيا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وفي تفسيرها يقول ابن عباس: العذاب الأدنى بلاء الدنيا، هذا ينسف قاعدة لا عذاب قبل الحساب. 

الدوافع السياسية لمنصور الكيالي وإخوانه

يلاحظ المرء أن صيحات المفسرين الجدد للقرآن والتنويريين تعالت بعد 2013 أي مع الخريف العربي وفتحت لهم قنوات الدول التي ساهمت في هذا الخريف وانظروا إلى الكيالي من أي قناة كان يذيع برامجه وانظروا إلى إبراهيم عيسى وبرنامجه مختلف عليه وهو يذيع من قناة أمريكية، الشيء الذي يجعلنا نقول أن هناك خيوط تحرك هؤلاء لأغراض سياسية في مقدمة هذه الأغراض تجفيف المرتكزات التي تقوم عليها الحركات الإسلامية المعتدلة، والضرب في ما يمكن تحريك الشعوب.

 

وخير دليل أن منصور الكيالي لم يتكلم نصف كلمة عن بشار الأسد وإن عدنان إبراهيم هو الصديق الصدوق لوليد بن طلال آل سعود وإبراهيم عيسى من أوائل الذين حاوروا قائد الانقلاب عبد الفتاح، الشيء الذي يجعلنا نستكشف يوما بعد يوم حقيقة هؤلاء، فالشعوب العربية لم تعد تجد مفر فالمداخلة من أمامهم والتنويريين من ورائهم، بقي أن نقول أن لا يفهم من كلامنا أننا كتب المفسرين القدامى مقدسة لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها بل هي ذاتها فيها الحسن والسيئ، الجيد والرديء، لكن تفسير يحتاج إلى عدة شروط أهمها أن لا بد للمفسر من معرفة اللغة العربية وقواعدها وآدابها لنحو والصرف والاشتقاق والبلاغة، ولا أظن أن الكيالي يمتلك معرفة باللغة العربية وخير دليل طريقة قرأته للقرآن التي تحتوي على عدة أخطاء مثل قوله: الحج أشهر معدودة والأصل "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ" وكل هذه الأخطاء يجعلنا نتساءل لماذا يستمع كثير من الشباب لمنصور الكيالي وإخوانه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.