شعار قسم مدونات

خروجا من المأزق الفلسطيني.. منير شفيق يطرح رؤية ثالثة

blogs مسيرة فلسطينية

يلحظ أي مراقب أن ما حدث بين الفرقاء الفلسطينيين من خلافات منذ عام ٢٠٠٦ ظل يلقي بكلكه الكئيب على الحالة السياسية الفلسطينية البائسة، وواضح أن مشروعات المصالحة تنتهي إلى أفق مسدود، بل لعل المصالحة كل يوم تصبح أبعد منالا من تحرير كامل التراب الفلسطيني، وتبدو محادثات فتح وحماس حول المصالحة اليوم وقد تحولت إلى نوع من العبث وإضاعة الوقت، بل أصبحت تضعف الموقف الفلسطيني.

 

منير شفيق المفكر الفلسطيني والمقاوم منذ نعومة أظفاره طرح في فصلية دراسات فلسطينية وفي عددها الأخير رؤية لتجاوز هذا المأزق، أظن أنها جديرة بأن تحظى بالاهتمام من النخب الفلسطينية، لعلها تؤدي للخروج من عنق الزجاجة الذي وجدنا أنفسنا مسجونين فيه، وحيث أنني لم ألحظ أن رؤاه قد نالت ما تستحقها فإنني وجدت تقديمها للجمهور ضروريا.

 

وبداية لا بأس أن أذكر القارئ بمنير شفيق المناضل السبعيني الذي عمل طوال عمره في صفوف المقاومة ووصل إلى أن يكون مديرا لمجلس التخطيط الفلسطيني بقرب ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية وإن بدا واضحا أنه له تحفظات جوهرية علي نهج المنظمة السياسي منذ برنامج النقاط العشر، ومنير شفيق اليوم هو الأمين العام للمؤتمر القومي الإسلامي كما أنه الأمين العام لمؤتمر فلسطينيي الخارج. وهذه الخبرات كلها تؤهله ليكون من صانعي الرؤية المتميزين في الساحة الفلسطينية.

 

مسيرة العودة هي نوع ناجح من استعادة الانتفاضة الشاملة، وقد صهرت معظم ألوان الطيف الفلسطيني فيها

جوهر الرؤية التي يطرحها منير شفيق تقوم على تجاوز موضوع المصالحة التي أصبحت قريبا من الاستحالة وبدلا من ذلك يطرح برنامج عمل لا يحتاج للمصالحة ومن السهل أن يجتمع عليه الفلسطينيون، ويؤدي في حال العمل به إلى التقدم بالقضية الفلسطينية للأمام، ويمكن هنا أن نعرض الموضوع على شكل نقاط معطيات:

١-واضح أن المصالحة الفلسطينية من المستحيل تحققها فطلب أبي مازن نزع سلاح حماس غير مقبول ومستحيل عند حماس، وكذلك تجاوز موضوع السلاح من مستحيلات أبي مازن ومن ورآءه. ولذا فإن الشعب في غزة والضفة لا يجب أن يستمر في التعلق بوهم اسمه المصالحة أو أن يجعلها شرطا لازما قبل أي برنامج فلسطيني.

 

٢- ليس هناك حل عند القوى المؤثرة يفرض على إسرائيل وكل الحلول المطروحة مهما كانت تسمياتها، سواءً أكانت صفقة القرن أم غيرها إنما تمارس الضغط على الفلسطينيين حتى تعيدهم إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.

 

٣- مسيرة العودة هي نوع ناجح من استعادة الانتفاضة الشاملة، وقد صهرت معظم ألوان الطيف الفلسطيني فيها.

 

٤- انتفاضة الأقصى يمكن تغذيتها لتستمر، وقد حققت نجاحا لافتا بإجبار إسرائيل على التراجع عن خطتها بفرض البوابات الإلكترونية.

 

٥- احتفاظ إسرائيل لنفسها بحق العودة عسكريا إلى أراضي غزة والضفة. دليل ذلك أنها عند انسحابها أحادي الجانب من غزة وكذلك عند البنود التي تتعلق بأراضي باء وجيم في الضفة استخدمت تعبير إعادة الانتشار، وهذا له معنى مختلف عن إعادة المنطقة إلى أصحابها الفلسطينيين مثلا. وهو المعني الذي أشرنا إليه.

 

٦-منذ مطلع الألفية لم تحسم إسرائيل أي حرب لصالحها، بدأت الألفية بالانسحاب من لبنان ثم هُزمت من حزب الله في حرب ٢٠٠٦ ثم فشلت في حروبها الثلاثة على غزة، وهذا دلالة على ضعف لا يحتاج إلى دليل.

 

محطات تاريخية:

انطلقت استراتيجية الكفاح المسلح عام ١٩٦٥ بهدف تحرير كل فلسطين واستمرت كذلك حتى عام ١٩٧٤ عندما تقرر في المجلس الوطني برنامج مرحلي لتحرير فلسطين وكان هذا البرنامج المرحلي مفصلا إلى:

المرحلة الأولى: إقامة سلطة وطنية مقاتلة على أي جزء يتحرر من الأرض المحتلة.

المرحلة الثانية: الانتقال إلى التحرير الكلي.

لكن هدف المرحلة الأولي تشتت في دهاليز السياسة وأدي إلى تنازلات وتحول الهدف إلى إقامة دولة والاعتراف بحدود إسرائيل، وحل الدولتين، وجرى التخلي عن هدف التحرير الشامل حتى وصلنا إلى مفاوضات بلا مرجعية ووصلنا إلى التنسيق الأمني ومنع خيارات المقاومة العسكرية وأصبح ليس أمامنا إلا الرهان على المفاوضات.

 

يقرر الأستاذ منير شفيق بعد تأمله للمعطيات السابقة أن هناك هدفين قابلين للتحقق في ظل غياب المصالحة:

الأول: دحر الاحتلال عن القدس ومنع تهويدها.

الثاني: تفكيك مستعمرات القدس والضفة الغربية وبلا قيد ولا شرط.

 

تراجع الاحتلال عن الضفة يُتوقع أن يكون أصعب من تراجعه في غزة، ولكن انتفاضة سلمية شاملة في الضفة وعنيدة لا تقبل مفاوضات ولا تراجع ولا محاولة لحل نهائي قبل إنجاز هدفها كفيلة بتحقيق ذلك
تراجع الاحتلال عن الضفة يُتوقع أن يكون أصعب من تراجعه في غزة، ولكن انتفاضة سلمية شاملة في الضفة وعنيدة لا تقبل مفاوضات ولا تراجع ولا محاولة لحل نهائي قبل إنجاز هدفها كفيلة بتحقيق ذلك
 

كلا الهدفين واقعي وممكنً.. ولا تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا معارضته، فلم يستطع أي منهم في السابق دعم أي من سياسات الصهاينة في تهويد القدس ولا في بناء مستوطنات في الضفة، وكانوا يعارضون ذلك علانية، ولكنهم كانوا يتذرعون بالحاجة للمفاوضات حين يكون الهدف إقامة دولة فلسطينية وبسبب التعنت الإسرائيلي أصبح هذا الهدف غير واقعي. وهنا على الفلسطينيين أن لا يطالبوا بحل ناقص ولا يفاوضوا على شيء من ذلك حتى تحقيق كامل لوقف مشروعات اليهود في القدس وتفكيك مستعمرات الضفة.

 

والمطلوب تصعيد الثورة الشعبية التي نجحت في القدس لتعم كل أرجاء الضفة الغربية وتصعيد فعاليات مسيرات العودة في غزة.. ويجب ألا تتخلف فتح عن دورها التاريخي.. وأهم بند هنا وقف التنسيق الأمني أو تحييده، إن استمرار التنسيق الأمني في ظل عمل شعبي جامع ضد تهويد القدس وضد بقاء المستوطنات سيفضح خيانته وعلى الأقل سيؤجل مطالبة إسرائيل ومن خلفها به ما لم يتحقق تفكيك مستعمرات القدس والضفة. وهنا ستواجه إسرائيل قدرا من الضغط لا يملك أحد أن يساعدها على تجاوزه إلا بالرضوخ لمطالب الفلسطينيين التي لا خلاف عليها حتى عند القوي المتعاطفة مع إسرائيل.

 

آفاق مستقبلية:

إن انتقال الحراك الشعبي الفلسطيني إلى أسلوب الانتفاضة الشاملة في القدس والضفة وغزة وتوحد الشعب الفلسطيني بجميع فصائله خلفها وصولاً إلى العصيان المدني السلمي سيكون زلزالا لصالح الفلسطينيين في الدول العربية والإسلامية وفي العالم. بل سيكون مؤثرا شعبيا ورسميا، وإذا تمكننا من الاستمرار فإن العدو سيعقل أن الانسحاب وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط أقل خسارة عليه من استمرار الانتفاضة، وخاصة مع الإصرار على غلق باب المفاوضات ما لم يتحقق مطلب الجماهير المشروع. ومن المتوقع ومع استمرار التصعيد الشعبي أن نتنياهو وجيشه لن يجدوا حلا إلا بالتراجع في الضفة مثلما تراجع شارون في غزة.

 

وأخيرا، فإن تراجع الاحتلال عن الضفة يُتوقع أن يكون أصعب من تراجعه في غزة، ولكن انتفاضة سلمية شاملة في الضفة وعنيدة لا تقبل مفاوضات ولا تراجع ولا محاولة لحل نهائي قبل إنجاز هدفها كفيلة بتحقيق ذلك، وخاصة مع استمرار الانتفاضة في غزة سلميا وإسنادها بقاعدة المقاومة المسلحة الموجودة في غزة، هذه القاعدة هي التي تمكنت من دحر أكثر من عدوان إسرائيلي على غزة. إن المأمول أن برنامجا كهذا سيصل بالفلسطينيين إلى هدفين مرحليين مهمين لا يرتهنان للمفاوضات العبثية ولا بمصالحة تقيم في الوهم، وستعطي الشعب الفلسطيني دفعة مؤثرة إلى الأمام بدلا من المراوحة المريضة حول موضوع المصالحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.