شعار قسم مدونات

أفضل لاعب في العالم.. اعتذروا لإنييستا!

blogs لوكا مودريتش

توّج لاعب خط وسط ريال مدريد، والمنتخب الكرواتي لوكا مودريتش أمس الاثنين، بجائزة (The best) أفضل لاعب في العالم لعام 2018 وهي جائزة يقدمها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بعد الانفصال الأخير عن مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية. وكان مودريتش قد حصل الشهر الماضي على جائزة أفضل لاعب في أوروبا بعد منافسة شرسة مع زميله الأسبق، ولاعب يوفنتوس الحالي البرتغالي كريستيانو رونالدو ومهاجم ليفربول المصري محمد صلاح، ومن قبلها بشهرين حصل الأمير لوكا كما يحلو لجماهير الريال مناداته على جائزة أفضل لاعب في كأس العالم روسيا 2018 مما جعل أمر فوزه بجائزة أفضل لاعب في العالم مسألة وقت.

والمتابع لأداء الأمير الكرواتي خلال الموسم الماضي 2017/2018 مع فريقه ريال مدريد لا يستطيع نكران أن أداءه كان جيّدا ومؤثراً مع مدربه الأسبق زين الدّين زيدان، ورغم أن الريال خسر لقب الليغا لصالح غريمه التقليدي برشلونة وحلّ في المركز الثالث برصيد 76 نقطة خلف أتلتيكو مدريد، إلا أن مودريتش قد ساهم بصورة كبيرة في تحقيق فريقه للمجد الأوروبي "التشامبيونز ليغ" وذلك بالفوز على فريق المدرب "يورغن كلوب" بعد مباراة شبه سهلة على أرضية ملعب إن إس كي أولمبيسكي في العاصمة الأوكرانية كييف.

مع انطلاقة كأس العالم 2018 ظهر المنتخب الكرواتي بمستوى رائع، وانضباط تكتيكي عالي، وحماس كبير. تمكن على إثرها المنتخب من تصدر المجموعة الرابعة، بعد أن أمطر شباك التانجو الارجنتيني بثلاثية نظيفة في مباراة كتبت نهاية المدرب سامباولي، وسطرت بداية حلم الأمير لوكا بالحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم. وخلال البطولة قدّم لوكا أداء لافتاً، عن طريق لمساته السحرية، وتمريراته البينية، وافتكاكه السّهل للكرة من الخصم، وفنياته العالية. وكان المنتخب الكرواتي على بعد خطوة واحدة من تحقيق اللقب الغالي، إلا أن ديوك فرنسا كان لهم رأي آخر.

قد يرى عشاق ريال مدريد في هذا التتويج أمرٌ مستحق، فلا يوجد من يستحق الجائزة أكثر من مودريتش بناء على معطيات كثيرة، والقول بغير ذلك يعتبر تطرفا كروياً

في تلك البطولة خرجت فرنسا بالكأس، وخرجت كرواتيا مرفوعة الرأس، معيدة للأذهان ذكريات مونديال 1998 في فرنساً والجيل الذهبي للكرة الكرواتية بقيادة المهاجم سوكر. وبعد أن أطلق الحكم الأرجنتيني "نستور بيتانا" صافرة نهاية المباراة معلناً فوز فرنسا بالكأس العالمية الثانية في تاريخها، لم يضع أكثر المتشائمين في حساباتهم احتمالية فوز لاعب آخر بجائزة أفضل لاعب في المونديال، فالأداء المميز واللافت الذي قدمه كرويف الكرة الكرواتية، إضافة إلى تراجع أداء أغلب اللاعبين، أو وداع منتخباتهم مبكراً، يجعل من الذي يتابع كرة القدم يصوت لصالح مودريتش دون تردد. بمعنى آخر، لقد قدّم لوكا مودريتش أداء يمكِّنه من الحصول على جائزة أفضل لاعب في المونديال دون نقاش ولا جدال.

 

ولكن هل ما قدّمه لوكا يمكنه من الحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم؟ قد يرى البعض أو لنقلها صراحة، قد يرى عشاق ريال مدريد في هذا التتويج أمرٌ مستحق، فلا يوجد من يستحق الجائزة أكثر من مودريتش بناء على المعطيات التي ذكرناها سابقاً، والقول بغير ذلك يعتبر تطرفا كروياً، وسرقة بائنة لمجهود اللاعب في وضح النهار، إلا أن المتابع الدقيق لكرة القدم العالمية خلال السنوات القليلة الفائتة، وبالأخص جائزة أفضل لاعب في العالم، يلاحظ أن الرسام أندريس إنييستا، قائد فريق برشلونة السابق، مثلا، حقق بطولة الدوري الإسباني موسم 2010، بالإضافة إلى تحقيقه لقب بطولة كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا -تلك البطولة التي لم يحققها مودريتش- عن طريق هدف أحرزه هو نفسه في الدقيقة 116 من الوقت الإضافي، لكنه في النهاية لم يفز بجائزة أفضل لاعب في العالم "الكرة الذهبية وقتها" لأن من فاز بها وقتذاك كان ليونيل ميسي.

نعم حصل ميسي على جائزة أفضل لاعب في العالم، وحصل فورلان على جائزة أفضل لاعب في المونديال، وبقي إنييستا بلا جائزة. إن كنّا نتحدث عن الأداء فإن الرسام كان في أوج عطائه، وقدّم مستوى فنياً عالياً، يشابه إلى حد كبير الأداء الذي قدمه لوكا في المونديال الأخير، كما انه كان متوفقا على صعيد الألقاب الجماعية، لكنه في النهاية خرج من المولد بلا حمّص. والسؤال الذي أطرحه بلا إجابة لماذا فاز مودريتش بجائزة الأفضل في العالم في حين لم يفز بها إندريس انييستا؟

إن نظرة عميقة، أو حتى نظرة خاطفة لأصداء جائزة الأفضل في العالم، تضع القائمين على أمر الجائزة على المحك، لأن عدم حصول الرسام على الجائزة في وقت كان هو الأحق بها يجعلنا نتساءل عن الآلية، أو المعايير التي تمنح على أساسها الجائزة؟ إن المعايير التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم من أجل تحديد الفائز بهذا اللقب، كتحديد فترة زمنية معينة والنظر إلى المجهود الذي يقدمه اللاعب خلالها، إضافة إلى سلوكه داخل الملعب وخارجه، وأخيراً عملية التصويت، هي معايير -في رأيي الشخصي- شكلية فقط، وقصة انييستا خير مثال.

ما يجعل الجائزة تتداعى، وتفقد بريقها، ليس لأنها لا تمنح للاعبين الذين لا يلعبون داخل أوروبا، أو ليس لأن معاييرها غير واضحة، ومربكة وإنما لأنها تمنح للاعب في الوقت الذي يستحقها فيه لاعب آخر
ما يجعل الجائزة تتداعى، وتفقد بريقها، ليس لأنها لا تمنح للاعبين الذين لا يلعبون داخل أوروبا، أو ليس لأن معاييرها غير واضحة، ومربكة وإنما لأنها تمنح للاعب في الوقت الذي يستحقها فيه لاعب آخر

هل تقوم الجائزة على الحظ إذن؟ لو كانت كذلك لفاز بها المصري محمد صلاح، ولكن على ما يبدو فإن الفيفا يختار أفضل لاعب في العالم بناء على معايير غير واضحة، وثابتة، وتتغير من عام لعام وربما في العام نفسه. وعلى الأرجح أن هناك جوانب تسويقية فيما يتعلق باختيار اللاعبين، فأي لاعب قادر على أن يضاهي ليونيل ميسي كعلامة تسويقية في عام 2010؟ بالتأكيد لا أحد.

ما يجعل الجائزة تتداعى، وتفقد بريقها، ليس لأنها لا تمنح للاعبين الذين لا يلعبون داخل أوروبا، أو ليس لأن معاييرها غير واضحة، ومربكة إلى حد ما، وليس لأنها منحت لمودريتش ولم تمنح لإنييستا وإنما لأنها تمنح للاعب في الوقت الذي يستحقها فيه لاعب آخر. لا أقول بهذا الكلام إن مودريتش لا يستحق الجائزة، وإنما أرمي للقول إن إنييستا كان يستحقها أكثر من ميسي. 

كحال معظم المتابعين لكرة القدم، كنت أظن أن انتهاء عصر بلاتر، قد يؤدي بكرة القدم عموما، وكرة القدم الأوربية على وجه الدقة إلى مراحل أخرى متقدمة، تُلعب معها الكرة خارج المستطيل الأخضر، لأن بلاتر أوصل الاتحاد الدولي لكرة القدم في أواخر أيامه إلى زاوية ضيقة، تم اتهامه على إثرها بقضايا فساد، وتزوير. ولكن على ما يبدو فإن الاستمتاع بكرة القدم، وأصدائها ستبقى حلما معلقاً يعانق ذاكرتي كلما رأيت لاعبا يركض على العشب، أو كلما رأيتُ لاعبا يحمل جائزة لا يستحقها.

وفي الختام أقول: إن الحصول على جائزة الأفضل، لا تعتمد فقط على المردود الذي يقدمه اللاعب على أرضية الملعب، فها هو الرسام قدّم الغالي والنفيس ولم يحصل على شيء، ولا تعتمد على إنجاز اللاعب الفردي والجماعي لأن إنييستا حقق في عام 2010 ما لم يحققه أي لاعب آخر. وإنما هي في -رأيي- تعتمد بشكل كبير على الحظ، وعلى عوامل أخرى مربكة وغير واضحة. عوامل يعرفها القائمون على أمر الجائزة وحدهم.

كلمة لا بد منها: بعد حصول مودريتش على جائزة أفضل لاعب في العالم، على الفيفا تقديم اعتذار رسمي للرسام إنييستا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.