شعار قسم مدونات

على قارب الأحلام.. نموت غرقا!

blogs قوارب الموت

لا حديث هاته الأيام في أوساط شباب المملكة المغربية، سواء في دروب المدن أو المداشر وأيضا في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا عن حلم الهجرة السرية على قوارب الموت نحو "الفردوس الأوروبي". صور جثث الشباب المغاربة الذين لفظهم البحر المتوسط، وصور أسرة بأبنائها الصغار وهي على متن قوارب في محاولة للوصول إلى الضفة الأوروبية، أصبحت حديث الاعلام التقليدي والرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يطرح السؤال عن الدافع لاختيار المجازفة بأغلى ما يملك الإنسان وهي روحه للهجرة السرية بطرق غير إنسانية ومأساوية للوصول إلى القارة الأوروبية.

الجواب، يتداوله مؤخرا نشطاء العالم الأزرق "الفيس بوك" وهو البحث عن أمل جديد ينسي هؤلاء الشباب ألم الوطن وتخلي الدولة والحكومة عنهم، في محاولة منهم للتشبث ببصيص الأمل في إعادة تركيب لوحة أحلامهم التي أبت الدولة إلا أن تتركها تتبخر. في خضم هذه الأحداث الأليمة، خرج الناطق الرسمي للحكومة المغربية، مصطفى الخلفي من الحزب الأغلبي، بتصريح مضاد قال فيه "إن المغرب دخل في مسار عنوانه الاستثمار في الشباب، وإن هناك الأوراش المفتوحة ومواجهة المعضلات والتحديات التي تعترض اندماجه وانخراطه في التنمية". رغم أن السيد الوزير لم ينفي في تصريح رسمي، وجود أعداد من الشباب المغربي يقدمون على الهجرة السرية، بمعطيات رسمية. مشيرا إلى عزم المغرب على محاربة الظاهرة واحباطها.

لا أدري إن كان الوزير ينتظر أن يعود هؤلاء الشباب ويتخلون عن حلمهم لمشاهدة اجتماعات الحكومة الأسبوعية وهي تعدد حجم هذه الإصلاحات التي لم تترجم يوما على أرض الواقع أم أن هذه "الإصلاحات" يستفيد منها من تتواجد "أمه في العُرس" كما يقول المغاربة في حديثهم اليومي. لتقريب الصورة أيضا للسيد الوزير ومعه الحكومة ومن يتولون تسيير أمور الشعب المغربي، فإن آخر تقرير رسمي لوزارة الداخلية الإسبانية، يحتل المغاربة المرتبة الأولى بـ3403 مهاجرين غير شرعيين، ما بين يناير و15 يوليوز 2018، مؤكدا أن المغاربة يمثلون نسبة 17 في المائة من مجموع 19997 مهاجرا سريا وصلوا إلى إسبانيا في الفترة ذاتها، ووفق صحيفة «آ ب س» الاسبانية، فإنه يوجد ما يقارب 5000 قاصر مغربي غير مصحوب بإسبانيا، دون ذكر الذين يتسكعون في الشوارع الذين لم يشملهم الإحصاء الرسمي.

لم يترك للشباب بديل سوى المغامرة بحياتهم نحو الأمل الأوروبي، ولو على قارب موت، تاركين دموع أمهات تسيل، وفلذات أكبادهن يواجهون مصيرهم المحتوم أمام غياب بديل لحل هذه المعضلة

ونضيف، لكي تتضح الصورة أكثر، ما أشار إليه تقرير الوكالة الأوربية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية، فإن عدد المهاجرين المغاربة الذي نجحوا في عبور التراب الإسباني عبر "الحريك" بلغ 6 ألاف مهاجر سري ليتصدر المغاربة ترتيب المهاجرين السريين بإسبانيا. ووفق التقرير ذاته، فإن المهاجرون الجزائريون، حلوا في المركز الثاني بأكثر من 5 ألاف مهاجر، ثم الإيفوارييون الذين احتلوا المركز الثالث بـ 4 ألاف مهاجر سري حلوا بإسبانيا. وحسب ما أكد تقرير الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية، فإن عدد المهاجريين السريين الذي عبروا إلى أوروبا سنة 2018 بلغ 22 ألاف مهاجر سري.

في تقديري المتواضع، فإن الشباب المغاربة الذين قرروا في لحظة غضب على استعدادهم لركوب "الأمواج القاتلة" نحو أوروبا بحثا عن متنفس ومستقبل جديد، يفرض نفسه منذ إغفال المغرب تنزيل دستور2011 الذي جعل الكثير منهم يتركون لافتات الحرية والعدالة والاجتماعية والكرامة، قبل سبع سنوات عائدين إلى منازلهم في الأحياء الشعبية، متشبثين بشعلة أمل في مغرب يحقق أحلامهم ولو تدريجيا.

وربما أنهم صدقوا اليوم قبل أي وقت مضى أن دستور 2011 مجرد وعد وكم من وعد لم يوف به ولم يترك لهم من بديل سوى المغامرة بحياتهم نحو الأمل الأوروبي، ولو على قارب موت، تاركين دموع أمهات تسيل، وفلذات أكبادهن يواجهون مصيرهم المحتوم أمام غياب بديل لحل هذه المعضلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي يتخبط فيها المغاربة، والمفترض تفكيكها بسياسات عمومية من طرف الحكومة، تنعكس على الحياة اليومية للمواطنين، وترسم على محياهم ابتسامة يوم جديد عنوانها البارز عيش كريم وكرامة وعدالة اجتماعية ومسؤول يعي حجم آلامهم وآمالهم التي تلامس السماء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.