شعار قسم مدونات

في الدول العربية.. هل أدفع الضريبة المستحقة أم أتهرب؟

blogs ضريبة

منذ بداية التجمعات الإنسانية، ونشوء الشكل البدائي للمدن والدول، كانت القيادات بأجهزتها ومفكريها تسعى إلى وضع نظام يضمن تحصيل الأموال من أفراد المجتمع، وذلك حتى تملك تلك السلطة البدائية أموالاً بشكل دائم تتمكن بواسطتها من الإنفاق على الأفراد ذاتهم أو إنشاء أي مشروع بدائي يقوم بخدمة النفع العام، وكانت تلك السلطات في المجتمعات البدائية تتعسف في النظام الضريبي وتتخذ منه أشكالاً مختلفة فكانت تجبر الناس على العمل بالسخرة وتقديم الجهد الجسدي والبدني كضريبة تدفع للدولة جبراً، أو تجبرهم على التجنيد الإجباري وخوض الحروب فيما كان يعرف بضريبة الدم.

ومع تطور المجتمعات على مر العصور وظهور النظم الديمقراطية وتطور النظريات والمذاهب الاقتصادية تطور مفهوم الضريبة، ظهر التقسيم الحديث لها حيث انقسمت إلى ضريبة مباشرة تقتطع من المكلف مباشرةً وهي ضريبة الدخل، وضريبة غير مباشرة لا تفرض على المواطن مباشرة ولكن يتم نقل عبئها من التجار إلى المواطن، فيتحمل عبئها في النهاية، وحيث يشكل هذا التقسيم ميزاناً يجب المحافظة عليه ومراقبته باستمرار، فانعدام أو انخفاض ضريبة الدخل في الدولة بالاقتران مع انعدام أو انخفاض ضريبة المبيعات فيها يعني عدم وجود أي إيراد للدولة من قبل المكلفين وبالنتيجة عدم وجود أموال تدخل خزينة الدولة، وبالنتيجة تدهور اقتصادي بجميع المقاييس، تماماً كوجود نظام ضريبي يفرض ضريبة دخل مرتفعة بالاقتران مع ضريبة مبيعات مرتفعة أيضاً، فاتخاذ هكذا إجراءات بشكل جماعي، لا يعني سوى انهيارا اقتصاديا على المدى القريب لا البعيد، على كافة الأصعدة، وبكل المقاييس. 

وإذا تحدثنا عن ضريبة الدخل بشكل مجرد، فهي من أفضل الأنظمة التي تتبعها الدولة لتطوير مرافقها العامة الرئيسة من صحة وتعليم وقضاء، وقد تصل ضريبة الدخل في بعض الدول الأوروبية إلى نسبة أربعين بالمائة من دخل الفرد، واقتطاع هذه النسبة الكبيرة من دخل الفرد يقابله خدمات لائقة على مستوى الصحة والتعليم بشكل رئيس، بحيث ينتفع القسم الأكبر بل وجميع المواطنين من خدمات صحية وتعليمية ومواصلات حكومية تتفوق في جودتها على أي مرفق خاص، لكن عندما تقتطع الدولة قرشاً واحداً من الفرد محدود الدخل، وفي نفس الوقت هذا الفرد لا ينتفع بأية خدماتٍ صحية أو تعليمية، دون أن نخوض في كونها خدمات لائقة من عدمها، هو لا ينتفع من الأساس بأي بها، حتى الخدمات غير اللائقة لا يجد نصيباً له فيها، فتخرج الدولة هنا من دائرة تحقيق العدالة الاجتماعية وتدخل في دائرة الجباية، الجباية البحتة التي لا هدف لها سوى استنزاف المواطنين وسرقتهم.

على الدولة التي لا توفر لمواطنيها تعليماً مجانياً أو صحةً مجانية، أو مواصلات إنسانية، أن تخجَل كل الخجل، من طرح فكرة الضريبة حتى، أو حتى ذكر هذه الكلمة على لسان مسؤوليها

وتجدر الإشارة إلى أن المسمى الحقيقي لأي تشريع ضريبي لا يحقق العدالة الاجتماعية بين الأفراد هو تسميته بالتشريع الفاسد، ولا يمكن الخوص في صحته من بطلانه، فهو فاسدٌ، فكما نسمع عن الفساد المالي الذي ينصب على المال والفساد الإداري الذي ينصب على السلطة، هناك ما يسمى بالفساد القانوني الذي ينصب ويقع على التشريع ذاته، فترى نصوصاً قانونية مصفوفةً بانتظام توحي لك بأنها معيار النزاهة والحق، إلا أنها في حقيقةٍ الأمر ليست سوى فساداً في فساد، فالحديثُ عن أي تشريع ضريبي يهدفُ إلى الجباية وحدها دون أي أدنى بيان لمقابل هذه الضريبة بالتحديد، هو فسادٌ تشريعي يتمثلُ في تشريع نصوص من القانونٍ تخدمُ الباطِل، وهي في حقيقة الأمر ليست سوى كلمة حقٍ في ظاهرها، أريد بها باطل.

كما أن على الدولة التي لا توفر لمواطنيها تعليماً مجانياً أو صحةً مجانية، أو مواصلات إنسانية، أن تخجَل كل الخجل، من طرح فكرة الضريبة حتى، أو حتى ذكر هذه الكلمة على لسان مسؤوليها، فإذا كنت تدفع من أموالك الخاصة على التعليم والصحة، ولا تستطيع ركوب المواصلات بسبب رداءتها، وإذا قمت بدفع الضريبة لن يتغير أي شيءٍ من هذا، لماذا تدفعَ؟ ولأجل من تدفع؟ وماذا قدمت لك الدولة حتى تدفعَ لها؟ في هذه الحالة وللأسف يتحول دور الدولة من تنظيم الإيراد إلى فرض الإتاوات.

وأنت كمُكلّف بدفع هذه الضريبة وبحكم رابطتك السياسية مع الدولة وهي رابطة الجنسية، فإن أبسطَ حقوقك هي أن تتساءل؛ ما هي النتيجة التي سنراها؟ هل سيتم افتتاح المستشفيات؟ هل سيتم تغيير الأسرّة الطبية التي تملؤها بقع الدم لعدد كبيرٍ من المرضى والتي لا زال يجلس عليها حتى اللحظة مرضى جدد؟ هل سيتم افتتاح المدارس؟ هل سيذهبُ ابنك إلى مدرستِه ويعودُ سليماً؟ هل ستركب زوجتك مواصلاتٍ عامة تحفظها وتحفظ كرامتها؟ هل سترى طريقاً واحداً مستقيماً عندما تقودُ سيارتك في الشارع؟ إذا كانت الإجابة نعم، فادفع الضريبة المستحقة عليك وأنت تبتسمُ ابتسامة وطنية عريضة، أما إذا كانت الإجابة لا، فتهرّب عن الدفع أخي المكلف، تهرّب جزانا وجزاك الله كل الخير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.