شعار قسم مدونات

رحلة بحث عن طلاق!

blogs - طلاق

جلس يتسامر مع زوجته، وقبل الانتهاء من السهرة التفت زوجته وقال: جارتنا أم فلان لا أريد أن تزوريها بعد اليوم، ولا تدخلي منزلها بعد اليوم، فسكت الجميع وذهبوا إلى النوم، في صباح اليوم التالي، استيقظ الزوج وتوجه إلى العمل كما هو معتاد، واستيقظت الزوجة وبدأت في ترتيب البيت كما هو معتاد ولم تخرج كما اعتادت لتجالس الجارات، وبقيت في المنزل، وفي الوقت المناسب أعدت الطعام ليكون جاهزا قبل وصول الزوج إلى المنزل، وبعد الانتهاء من إعداد الطعام وتجهيز السفرة، خرت من المنزل قاصدة منزل جارتها فلانة تحديدا، وعندما عاد زوج ولم يجدها في المنزل توجه بسؤال إلى بعض صديقاتها وجاراتها إذا كنت عندهم، فهي على غير العادة لم تكن في انتظاره وقت دخوله المنزل.

لم يكن خبر وجدها في منزل جارتهم فلانة صادم للزوج فقط، فلم تكتفي الزوجة بمخالفة طلبه السابق، بل وقفت تهدد به وتقول: "من أنت حتى تأمر على ومفكر "ماليش" أهل يردوا عليك، شو يعني طلعت عند فلانة أو علانة شو دخلك أنت، عمرك رجعت البيت ولقيتني بره الدار، وقصرة معك في شيء، هذه حريتي وما بقبل تدخل في حياتي، بدي أروح وأجي أنا حرة، وإذا مفكر حالك زلمي إخوتي أزلم وبعرفوا كيف ربوك". بدون تردد قال الزوج: "خل أهلك يربوني وأنت طالق".

 

ولم يكن حالها أفضل من حال إحدى الفتيات في القرية المجاورة التي تشاجرت مع زوجها على إدارة المنزل وشراء بعض الحاجات وصرخت في وجه زوجها "إخوتي بيعرفوا بربوك، وكأنها كلمة أصبحت ترددها الزوجات بدون تفكير في عواقبها، ولكن حال الزوج وردة فعله كانت مختلفة ابتسم وقال لها: "لك إخوتك يربوني طيب خليهم يربوني" وغادر المنزل، والمفاجئة بنسبة لزوج عندما عد إلى بيته وجد إخوتها في المنزل وقد أخلوه من مقتنياتها ونقلوها إلى بيت والدها، وقد جلسوا بانتظاره، ولم يترددوا بالاعتداء عليه بالضرب حتى فقد الوعي.

ولم يكن أغرب من كلتا القصتين سو قصة العروس التي طلقت على لوج يوم زفافها، بعد أن بدأت تهمس في أذن العريس: "شوف أهلك، هذا يوم عرسي مش عرس خواتك خليهم يقعدن، ليش إمك كل شوي بتحرك كثير وبتمسك بيد فلانة وعلانة وتجيبهن يرقصن على اوج، المفروض لوج الي وبس اليوم"، ما هي إلا لحظات حتى نظر العريس لها ونزل عن لوج وقال: "أين أبو العروس"، وعندما حظر والدها قال العريس: "أعتذر أمام الحضور أخطأت بزواج من ابنتك مسامح بنتك في ما أخذت وهي طالق" وغادر العرس.

من أقصى تشدد في هيمنة الزوج إلى أقصى التشدد إلى مناكفة الزوج، هكذا تغير الحال، فلا مكان وسط بينهم، جيل يضيع جيل وننسى

ثلاث حالات طلاق وقصص من واقعنا وغريبة عن مجتمعنا الفلسطيني والعربي، بتفاصيلها أو قريبة منها وهي ليست سوى نموذج لكمية الطلاق الكبيرة التي اجتاحت المجتمع الفلسطيني بطريقة لم نعتد عليها، وفي المقابل لم تكن هذه الأسباب الوحيدة للطلاق، فالزوج كان سبب في العديد من الحالات، وعلى سبيل المثال ذهب شاب لخطبة فتاة كان يحبها منذ الدراسة، وبعد الخطوبة ببضع أيام اقترب منها وقال: "أريد أن أخبرك سر صغير، كنت قبل الخطبة أتكلم مع بعض الفتيات على مواقع التواصل، ولي مع بعضهم بعض القصص الغرامية، وأردت أن تعلمي"، الغريب أن حال هذه الفتاة في رده الفعل لم يختلف عن تسعون بالمائة من حال فتيات التي حصلن على نفس المعلومة من الخطيب قبل الزواج، ولكن ماذا تفعل بعد أن تجده يتكلم مع بعض الفتيات على موقع التواصل الاجتماعي، وفي الغالب يدور بينهم كلام يخجل منه إنسان، وربما يخجل زوج أن يقوله لزوجته.

بل الغريب أن بعض الرجال يتحدي الزوجات بالحديث العلني مع الفتيات، ويتحدي الزوجة بأنها ليست أنثى ولا تملك من صفات المرأة ما يؤهلها لتنال انتباهه، ويلا تردد في تهجم عليها باستمرار، موبخا نفسه على اليوم الذي جن به وتقدم لخطبتها، ثم يقف ويقول على ماذا رفعت قضية طلاق أو خلع، أنا بماذا قصرت معها، البيت لا يخلو من طعام وفاكهة وثياب، ومال الحمد لله نعيش حياة مريحة اقتصاديا، صحيح ما تقول ولكن أين راحة البال والسكينة أين يتحقق الهدف من الزواج في قوله تعالى: "وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" الأعراف"189″ كيف تسكن إلى هذه الحياة ومع هذا الزوج، ثم تسأل لماذا ارتفعت نسبة الطلاق.

لم يعد يحمل الرجل من صفات الرجولة إلا اسمها، ولم تعد تعرف الزوجة من حقوقها وواجباتها إلا حقها في المساواة وندها للرجل في حياته، غاب مفهوم التكاملية، وغاب معنى الزواج والهدف منه، بل أصبحت بعض الفتيات تفهم أن الزواج مهرب من جبروت الأب وتحكمه لتصبح حرة وتفعل ما تريد في بيتها دون تدخل من أحد، وليس من أجل انتقال هذا التحكم من الأب إلى الزوج، وهنا لا نغفل عن ضياع مفهوم الزواج وكيفية تشكل بيت صحي على مفاهيم وطرق صحيحة من المنشئ من التربية من الأسرة، من الأم والأب، الذين اختلطت عليهم مفاهيم الحياة بسبب التغيرات المجتمعية السريعة، وفقدان لمفهوم الأسرة الممتدة والنظام الأبوي في التربية لصالح الأسرة النواة، بدون تجهيز جيل واعي لهذه الانتقال، فقد حدث بشكل متسارع في الجيل الذي ولد وعاش بعد خمسينات القرن الماضي وسبعيناته، وهذا الجيل هو من يشكل الآن الأب المسؤول عن إنشاء جيل جديد المفروض أنه الآن في عمر الزواج ويعيش حياة اجتماعية تختلف اختلاف كامل عن أيام والدة وجدة، فلا دور الأب نفس الدور، ولا إمكانياته نفس الإمكانيات.

 

يا شباب أمتي، من لم تكن جاهز للزواج لاا تتزوج، ومن لا يعرف حقوقه وواجباته فليتعلم، ولا تعتمد على جيل من سبقك بتعلم زمانهم، فزمانهم غير زمانك وحياتهم غير حياتك
يا شباب أمتي، من لم تكن جاهز للزواج لاا تتزوج، ومن لا يعرف حقوقه وواجباته فليتعلم، ولا تعتمد على جيل من سبقك بتعلم زمانهم، فزمانهم غير زمانك وحياتهم غير حياتك
 

وفي نفس الوقت ما زال هذا الجيل يرغب في لعب دور الأب المهيمن كما فعل معه والده، فيكون المسؤول الوحيد عن الإبن أو البنت والمهيمن على كل مناحي حياتهم، وفي نفس الوقت غير مسؤول عن وضعهم الاقتصادي، كما أنه خرج من رحب والده اقتصاديا بسبب الطفرة الاقتصادية التي صاحبته في شبابه مطلع سبعينات القرن الماضي حتى نهاية التسعينات. إن الطفرة الاقتصادية في النصف الأخير من القرن الماضي ضيعت القيم والعادات والتقاليد التي كان يحتكم إليها الأزواج، وكما كان عيب على زوجة أن تخالف زوجها حتى وإن اعتدى عليها بضرب ليل نهار، بل في الغالب كانت تعزر الزوجة من قبل أهلها إذا ما عوقبت من الزوج، فلو أنها قصرت ما عوقبت، حتى وإن علم أهلها أن الزوج مفتري كان من العيب الوقوف مع الزوجة وجعلها تأخذ نفس ضد زوجها.

 

من أقصى تشدد في هيمنة الزوج إلى أقصى التشدد إلى مناكفة الزوج، هكذا تغير الحال، فلا مكان وسط بينهم، جيل يضيع جيل وننسى قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) النساء.

هكذا صور الإسلام العلاقة لرجل وامرأة تفضيل بعضهم على بعض في المواقف والأماكن فكل لما خلق له، وإذا فضل الرجل في القوامة أي قيادة الحياة الزوجية فذلك لكونه المسؤول عن الإنفاق، وإذا أباح الإسلام تعنيف الزوجة في حال النشوز إلا أنه لم يترك الأمر مستباح كما فعل أجدادنا، فالرجل لا يجب أن يكون حر في قهر زوجته واستعباده، ودفاع الزوجة عن نفسها ليس عيب كما كانوا يعتقدون، وفي نفس الوقت كانت ردة فعل الجيل الجديد تجاه هذا السلوك خاطئ فلا يجوز أن نخرج من تبعيه العيب والحرام إلى تبيعيه الجرأة والتحدي وصولا إلى حدود الوقاحة.

اختم بقولة تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) النساء، الزواج لم ولن يكون هروب من بطش الأب يا فتيات أمتي، والزوجة ليست عبدة أو سلعة ترضي بها نفسك، يا شباب أمتي، من لم تكن جاهز للزواج لا تتزوج، ومن لا يعرف حقوقه وواجباته فليتعلم، ولا تعتمد على جيل من سبقك بتعلم زمانهم، فزمانهم غير زمانك وحياتهم غير حياتك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.