شعار قسم مدونات

هكذا ربوا صبيانكم على الرجولة!

مدونات - رجل

أن تصبح ذكراً فهذا أمراً لا يد لك فيه وليس من اختيارك ولم تبذل فيه جهداً يُذكر، أن تصبح رجلاً فهذا مناط الاجتهاد وعمود خيمة الذكر وبدونه تصبح خيمتك بلا أوتاد تقتلعها أضعف ريح وتكشفها أصغر كاشفة. يعتز كثير من الذكور برجولتهم وفحولتهم وعنفوانهم الجسدي ويفتخرون بعضلاتهم ومنابت الشعر في أجسادهم – وأنا منهم -، فبمجرد أن يتحول صوت الذكر من صوت طفولي لطيف لصوت أجش خشن عند سن البلوغ، تستشعر نوعاً من النزعة الذكورية ينمو بداخله ويصبح يميل للصراخ والصدام ليستعرض ذكورته الآخذة في النمو.

كأنه استخرج للتو رخصة الرجولة ويرغب بشدة في ممارستها على غيره من البشر، ولا يدرك أن الأمر كله مجرد نمو في الحنجرة يؤدي إلى اتساع صدى الأحبال الصوتية، وكل العوامل الأخرى التي تحدث مثل النمو الجسدي السريع والتكيف المعرفي للشخص، لا يتمكن الصوت من اللحاق بها والتعامل معها، لذلك يتغير ويتشقق ليصبح أجش وذلك حسب ما ذكره موقع "scienceabc" العلمي. رفقاً بنفسك أيها الذكر، فلا داعي أن تتفاخر بإفرازات عدد من الهرمونات في جسدك وعلى رأسهم هرمون التستوستيرون، فالأمر كله ليس من اختيارك أو اجتهادك. من العيب أن تتسمى باسم وتتصف بصفة وأنت تجهل تعريفها، فعليك أولاً أن تعرف معنى الرجولة اصطلاحاً، فتعريف الرجولة في معجم المعاني الجامع هي كالتالي: رُجُولَةٌ: كمال الصِّفات المميِّزة للذَّكر البالغ من بني آدم، أظْهرَ رُجُولَةً: قُوَّةً، شَجَاعَةً، حِنْكَةً، نُعَرَة الرُّجولة: شعور مبالغ فيه بالصّفات الرجوليّة ويشدَّد فيه على بعض الخواصّ كالشجاعة والقوّة. وقال سيبويه إن الرَّجُل: هو الذكرُ من نوع الإِنسان خلاف المرأَة، وقيل: إِنما يكون رَجلاً فوق الغلام، وذلك إِذا احتلم وشَبَّ، وقيل: هو رَجُل ساعة تَلِدُه أُمُّه إِلى ما بعد ذلك، وتصغيره رُجَيْل ورُوَيْجِل.

قبل أن تنظر إلى عضلاتك، راقب أخلاقك وسلوكياتك فهي أبقى، وقبل أن تفتخر بهيئتك، افتخر بعلمك وثقافتك في أبهى.

وليست الرجولة بالسن المتقدمة، فكم من رجل طاعن في السن وتصرفاته طفولية وأفعاله صبيانية، فتجده يفرح بتوافه الأمور ويشعل حرباً على الصغائر، ويتطلع إلى ما بيد غيره وكأنه طفل صغير ولكنه ذو لحية وشارب. أذكر هنا ما فعله عبد الله بن الزبير حين مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مجموعة من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي هو مفرد في مكانه، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك! وهذا غلام عربي دخل على خليفة أموي يتحدث باسم قومه، فقال له: ليتقدم من هو أسن منك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة. هكذا ربوا صبيانهم على الرجولة، فانظر إلى رجالنا – مجازاً – وستدرك الفارق!

ولتعلم أيضاً أن الرجولة ليست قاصرة على الرجال، وإليك الدليل من موقف الصحابية التي قتل أبوها وزوجها وأخوها فماذا قالت؟ مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بِامرأةٍ مِن بَني دِينَارٍ وقد أُصِيبَ زَوجُها وَأَخُوها وَأَبُوها مَعَهُ بِأُحُدٍ، فَلَمَّا نُعُوا لها قَالَت: فَمَا فَعَلَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ؟ قَالُوا: خَيرًا يَا أُمَّ فُلانٍ، هو بِحَمدِ اللهِ كَمَا تُحبِّينَ، قالت: أَرُونِيهِ حتى أَنظُرَ إِلَيهِ. قال: فَأُشِيرَ لها إليه، حتى إذا رَأَتْهُ، قالت: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعدَكَ جَلَلٌ.. أَيْ كُلُّ مُصِيبَةٍ دُونَكَ هَيِّنَةٌ صَغِيرَةٌ. فالرجولة صفات تصلح للرجال والنساء وليست حكراً علينا معشر الرجال دون النساء. أعجبني كثيراً قول كاتب فرنسي "الرجل الحقيقي ليس من يُغري أكثر من امرأة، بل الذي يُغري المرأة ذاتها أكثر من مرة) فليس الهدف أن تثير إعجاب أكثر من امرأة بشبابك وعضلاتك وهيئتك، ولكن الهدف أن تظل تعجب نفس المرأة التي فضلتك على غيرك من الرجال بتصرفاتك وسلوكياتك، وتكف أَذَاكَ عنها فإنها صدقة تتصدق بها عن نفسك. وأخيراً، قبل أن تنظر إلى عضلاتك، راقب أخلاقك وسلوكياتك فهي أبقى، وقبل أن تفتخر بهيئتك، افتخر بعلمك وثقافتك في أبهى. واستقم يرحمك الله، كي تستقم امرأتك. ولتكن رجلا وكفى..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.