شعار قسم مدونات

الاهتمام بالكماليات.. كيف أخفقنا بتحقيق حاجتنا الإنسانية؟

BLOGS مجتمع

إِنَّ أَهم ما يُمَيّز الإنسان على وجه الأرض هو الاستمراريّة من أجل الحصول على الحاجات الأساسية حتى يصل لِأقصى درجة ممكنة لإشباع هذه الأساسيات وصولاً إلى تحقيق الذات. وَعِندما نَظرت من حولي إلى حجم المُبالغة والتضخم المُفرط مِن أَجل الحصول على الكَمالِيات والتفريط بالأساسيات حضر لِذهني "نظرية ماسلو" ونظريته في أساس حصول الفرد على ما يريد حيث تقوم على التدرج وفق سلم وهرم لو اتبعناه لما وصلنا لهذه الدرجة من الإخفاق.

فَحسَب هذه النظريّة يتوجب على الإنسان النجاح في تأمين الاحتياجات الأساسية الفسيولوجية من (تنفس، أكل، ماء، جنس). ولكن في المقابل أخذنا القشور في توفير هذه الاحتياجات فمثلاً: حربنا المستمرة في الحصول على الغذاء حتى نصل لمرحلة التُخمة من كمية الطعام الذي يعدم على أعتاب سلال المهملات، ثم يأتي أحدهم من قارعات الطرق ينتظر أحدنا أن ينهي وجبة طعامه وأخذ ما تبقى منها ليسد رمق جوعه. وعن الجنس على الرغم من أنهُ سنة الله في الأرض إلاّ أنَّ التركيز على هذا الجانب أصبح بشكل مبالغ فيه حتى أصبحنا نتميز بالدونية، وإِنّ كل ما يحيط بنا من ملابس وصور لا تُصوّر لنا إلاّ أن الرقي لا يكون إلاّ بالإباحية والتي تؤثر على عقول أطفالنا وشبابنا.

ثُمَّ نعلو الدرجة الثانية من السلم حتى نحافظ على السلامة الجسدية والأمن الوظيفي الصحي والأُسري إِضافة إلى ذلك أَمن الممتلكات، لو تمعنا من حولنا نجد أن أكثر ما نعاني منه هو انعدام معظم هذه الاحتياجات في هذه الدرجة فلا أمن وظيفي ونجد جُل شبابنا يسكن المقاهي ويُفَرّغ كل طاقاته في التهام السجائر وتناول المشروبات الكحولية حتى يخرج من هذا الواقع الأليم الذي أعدم حقه في الوظيفة والابتكار، وبذلك تُهدم صحة المجتمع عن طريق دمار أعظم المُكونات فيه. وبالإِشارة للأَمن الصحي تم التمني لجعله حقيقة؛ الإنسان يمرض ويموت في سبيل الحصول على العلاج المجاني وإن حصل عليه فلا يكون إلاّ بضع حبات من المُسكنات. وعن الترابط الأُسري لا وجود حقيقي له في مجتمعنا فأمراض التَفكُك ما بين الأم والأب لا حصر لها وبالنسبة لِلأَبناء نجدهم لا يحاورون إلاّ الأجهزة الإلكترونيّة فهي السبيل للإجابة عن السؤال الذي يجول في خاطرهم.

لقد أصبح كل منا يملك في جيبه ذلك الهاتف المحمول الذي يحمل كل الكرة الأرضية في آن واحد، ولكن في ذات الوقت ابتعدنا أكثر

تشير الدرجة الثالثة في الهرم فهي إلى ضرورة أن يكون هناك علاقات اجتماعية وأُسرية مترابطة وهي تكاد تكون في هذه الأيام معدومة، الصديق لا يلتقي صديقه إلا بعد مرور سنوات طويلة من التخرج وإن حدث ذلك يكون صدفة عابرة في أحد المتاجر، وهذا تأكيد على أن الكماليات أسرَتنا وحرمتنا من الحديث مع أقرب الناس لأنفسنا. وإذا أردنا مراسلة ذلك الصديق يكون برسالة نصية في قالب جاهز لا يحمل في محتواه إلاّ البرود، ولا يتم الرد عليها إلاّ بعد فوات الأوان.

إن الكمالية جعلت عقولنا فارغة نجد الوقت لنعلق على صفحات إلكترونية ليل نهار في المقابل لا نطمئن على بعضنا البعض إلاّ بعد مُضيّ هذه السنوات. لقد أصبح كل منا يملك في جيبه ذلك الهاتف المحمول الذي يحمل كل الكرة الأرضية في آن واحد، في ذات الوقت ابتعدنا أكثر. وعلى الصعيد الأُسري فهي لا تعاني إلاّ مِن التَفكُك مع وجود حالات طلاق لا تحصى لأن الأساس في ذلك الزواج قائم على أساس التقليد الأعمى في كمالياته المزيفة ما بين الطرفين حتى نجد أن الشاب محاط بهالة كبيرة من الديون والفتاة أنهكت نفسها بالبحث عن "Make-up artist" خاصتها حتى تُجاري من سبقتها من المشاهير حتى أن كلا الطرفين غير مُقتنعين بكل هذه الخزعبلات ولكن لا يَنفِضاها عن كاهِلهم.

 

ثُمَّ يأتي في نهاية المطاف قرار الشاب بالانفصال لأن فتاة أحلامه لا تروق له وهي ضمن مواصفات وُضِعت له من قبل فنانة التجميل، وبالنسبة للفتاة هي ترى ذلك الشاب الذي صوره لها ذلك الفوتوغرافي المحترف بأبهى حلة بعيداً عن صورته أثناء الكدّ والعمل. أما عن أمن الممتلكات كأننا نعيش على هذه الأرض لنبقى نرهق تلك النفس بالتملك والشراء إِنَنِي لا أُقلِل مِن أهمية ذلك ولكن نحن في الدول النامية نقوم بالتقليد حتى لو كان ذلك على حساب صحتنا وطموحاتنا. حيث قال صنّاع الماركات العالمية: إن الماركة ما هي إلا كذبة أوجدناها حتى نسرق أموال الأغنياء فصدقها الفقراء.

وإذا تمعنا بالدرجة الرابعة من هذا الهرم نرى أنّ تقدير الذات والثقة وضرورة الإنجاز والاحترام المتبادل هي العنوان، وعند التركيز أكثر نكون قد أضعنا عمرنا دون الوصول لتحقيق الابتكار أو حل المشكلة، فنضع أنفسنا وسط دوامة من اللّطم على ما مضى وهدم ما تبقى لنا من أمجاد، ولكن الكماليات وأَسّرها لنا جعلتنا نُقزم إنجازنا فكلما نرتقي وننجح نقوم بجلد ذاتنا أكثر فنقنع أنفسنا بالتقصير المستمر.

 

الدرجة الخامسة من سُلم الحاجات لدى
الدرجة الخامسة من سُلم الحاجات لدى "ماسلو" تشير إلى ضَرورة الحاجة إلى تحقيق الذات وهذا لا يكون إلاّ مِن خلال حل المشكلات وتقبل الحقائق
 

بالنسبة للثقة أصبحت الكنز المفقود ما بين الأفراد حيث الكماليات أعدمت جو الثقة ما بين الإنسان على هذه الأرض. وأما الإنجاز في دولنا العربية يتم تصديره للخارج حتى يأخذ براءة الاختراع من الدول المستضيفة لذلك الابتكار. وبالإشارة للاحترام المتبادل هو عبارة عن عملة نادرة في هذا الزمان حيث نجد أن المعظم يريد أن يدافع عن رأيه حتى لو كان فيه نوع من التنازل عن أخلاقنا المبادئ لا تجزأ نعم، ولكن الحوار وتبادل الآراء هو الأساس في الوصول للاحترام المتبادل.

إِنَّ الدرجة الخامسة من سُلم الحاجات لدى "ماسلو" تشير إلى ضَرورة الحاجة إلى تحقيق الذات وهذا لا يكون إلاّ مِن خلال حل المشكلات وتقبل الحقائق. إن هذا في زمن الكماليات الذي يسيطر على عالمنا حاجتان مفقودتان حيث نحن أمة تترك المشاكل متراكمة دون حل يذكر وأصبحنا عبارة عن شعوب لا تتقبل الحقائق المسلم بها، وتمسكنا بالكماليات حرمنا أنفسنا من التمتُع بصفة الإنسانية التي وهبنا إياها الله وأدى لتعب نفسياتنا، فلا اجتماع على مائدة طعام من قبل الأسرة أصبحنا مجرد أرقام بدون أحاسيس أو عبارة عن مشروع يقلد آخر على صفحات المواقع الإلكترونية والسبق لمن يُبهر في صور أعياد الميلاد والزفاف قبل الآخر. 

وإذا لم نقم بكل تلك الخطوات يتم تصنيفنا ضمن قائمة الأشخاص المعقدين، أصبحت احتياجاتنا الأساسية مرهونة بسفر هنا أو هناك وعليها تبنى سعادتنا في الوقت الذي نجهل أبرز المعالم في وطننا، أصبحت أساسياتنا تبنى على أساس تمجيد إنجازات الغرب متناسيين أَننا كنّا المرجع لذلك الغربي إذا أرادوا تقليدنا بالإنجاز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.