للوهلة الأولى، قد يبدو طفل يعاني من متلازمة داون مثل أي طفل آخر؛ لأن الجزء الأكبر من حياته يتعلق باللعب مع الحيوانات والرياضة والذهاب للمدرسة ومشاهدة الرسوم المتحركة. ولكن بصفتي والدا لطفل مصاب بمتلازمة داون، شعرت بالذعر عندما سمعت لأول مرة عن ارتفاع معدلات إجهاض الأجنة المشخصة بالحالة خاصة في الولايات المتحدة؛ حيث تتراوح هذه المعدلات من 67 في المائة إلى 90 في المائة وما فوقها. وقد علمت أنا وزوجتي أن الجنين مصاب بمتلازمة داون في تشخيص ما قبل الولادة ولكننا قررنا أن ننجبه عكس ما يفعل الكثيرون ويفضلون أن يتم الإجهاض في هذه الحالة. ولكن أليس هذا قرارا شخصيا؟ ولا يجدر بنا أن نهتم إذا ما قرر الناس إجهاض جنين بمتلازمة داون؟

بلى الأمر كذلك فعلا، ولكن لما للأمر من تأثير كبير في المجتمع علينا أن نفهم الموضوع بشكل أفضل؛ إن الاختيار المحتمل للآباء والأمهات بإجهاض الجنين ذي متلازمة داون ينبع من دافع وقائي في كثير من الأحيان، حيث أن هذه الخيارات غالباً ما تتأثر بالتحيز ضد الأشخاص المصابين بمتلازمة داون. لماذا نعتقد أن التحيز ضدهم هو السبب؟ لأن التفسيرات المحتملة الأخرى غير مقنعة ببساطة فعلى سبيل المثال، لا تؤثر متلازمة داون سلبًا على شعور الإنسان بالرفاه، وهو موقف تدعمه الأبحاث. بل إن الجميع يعرف هذه العلاقة بين متلازمة داون والرفاه؛ والصورة النمطية الشائعة هي طفل بمتلازمة داون سعيد ومبتسم ومرح طوال الوقت. ما يعني أن ذلك ليس السبب في اختيار الناس للإجهاض بمعنى أن مخاوفهم ليست بشأن نوعية الحياة التي سيحظى بها طفلهم.

وبالمثل، فإن المخاوف المتعلقة بالآثار السلبية على عائلات للأطفال المصابين بمتلازمة داون لا أساس لها من الصحة؛ حيث تظهر الأبحاث أن هذه العائلات تميل إلى أن تكون مستقرة وتسير حياتها بشكل جيد مثل العائلات التي تضم الأطفال غير ذوي إعاقة. ويعرف العديد من الناس هذه العائلات، كما يعرفون أنها تزدهر وتنجح مثل أي عائلة. ما يعني أن الإجهاض واسع النطاق للأجنة المصابين متلازمة داون لا تدفعه المخاوف المتعلقة بأداء العائلة.

 

وقد أشار البعض إلى أنه في بلدان لا يوجد فيها وصول عالمي إلى الرعاية الصحية، فإن احتمال جلب طفل معاق إلى العالم سيكون أمراً شاقاً. وهذه النقطة -بطبيعة الحال- منطقية تماما. ففي الواقع، بلا تأمين صحي جيد سيكون إنجاب أي طفل بالأساس أمرا شاقا. ومع ذلك، حتى في الولايات المتحدة صاحبة أعلى معدلات إجهاض في العالم يمتلك كثير من الناس تأمين صحي جيد. لذلك لا يبدو أن هذا القلق ينطبق على مجموعة كبيرة من الآباء الذين لديهم وصول جيد إلى الرعاية الصحية. إذا لم تكن هذه هي الدوافع على ما يبدو، فإن بعض الأسباب القوية الأخرى يجب أن تكون مسؤولة عن المعدلات العالية للإنهاء الانتقائي لحياة المصابين بمتلازمة داون؛ والانحياز هو المرشح الرئيسي هنا.

 

فلأن متلازمة داون إعاقة إدراكية لا يستطيع من يعاني منها أن يمارس كل أنشطة الحياة اليومية بمفرده. وتثمن الثقافات الحديثة عامة -والغربية خاصة- الاستقلال، وبالتالي فإن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من التبعية غالباً ما يتم وصمهم. ووفقًا للأيديولوجية المؤثرة في العديد من البلدان، لا يتوقع الناس الحصول على المساعدات الحكومية، كما أن البرامج الاجتماعية هي بمثابة استنزاف لدافعي الضرائب. ويمكن لمثل هذه المعتقدات أن تترجم بسهولة إلى كراهية لمن يعتمدون على غيرهم، وهو ما يؤدي بدوره إلى التأثير في القرارات الإنجابية.

كما أن هناك دليل على أن التحيز ضد الأشخاص ذوي الإعاقات المعرفية واسع الانتشار ويُنظر إليه على أنه مقبول. وقادت منظمة الأولمبياد الخاص مبادرة طالبت الناس فيها بالامتناع عن استخدام لفظ "المتخلفين" و"المتأخرين" في أنماط خطابهم.  وغالبًا ما تُستخدم هذه العبارات والألفاظ في أفلام هوليود وغيرها من المنتجات الإعلامية المربحة؛ فمثلا في فيلم تيد TED) (2012)، بطولة مارك والبرغ، يقول الممثل "متخلف غبي" في نكتة.  ويبدو أن "النكتة" لم تتلقى أي اعتراض من أحد؛ فقد بلغ إجمالي أرباح الفيلم 550 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، وأنتج الاستوديو جزء مكملا.

 

يمكن للتحيز أن يكون شيئا كريها في العديد من مجالات الحياة. ولينمو، يحتاج الطفل المصاب بمتلازمة داون تعليمًا خاصًا جيدًا، ورعاية صحية. وعندما يكبر يجب أن يكون أمامه الكثير من الخيارات في السكن والعمل، كما يحتاج الأصدقاء، ومثل هذه المواقف التمييزية ستهدد كل هذه الحقوق. ولمواجهة ذلك يجدر بالمزيد من الناس أن يرغبوا في إنجاب الأطفال مع متلازمة داون، لتصبح مجتمعاتنا أكثر ترحيباً بأشخاص يختلفون عنا ويعتمدون علينا. فهل ترحب -وتختار- أن تضم فردا بمتلازمة داون إلى أسرتك؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المادة مترجمة عن: ايون "aeon"