شعار قسم مدونات

في مصر.. ماذا يمكن أن تصنع 5 دقائق؟

blogs الثورة المصرية

أكثر ما يحزنني حين أجد من أبناء الثورة المصرية وربما عاش لحظات صعبة مع مشوارها الطويل والمرير في الغالب من لا يشعر بقيمة الوقت ولا اللحظات التي تمضي في وجود الانقلاب العسكري وما يفعله بالوطن والمواطن. من يعرف قيمة الوقت ويحسبه بالدقائق والثواني هم الموجوعين والمأزومين في وطننا السليب من قبل العسكر. إذا أردت أنت تعرف قيمة الدقيقتين فسأل أهل زنزانة يسمح لهم بدخول الحمام مرة واحدة في اليوم لمدة دقيقتين ومن يتجاوزهما يضرب حتّى تسيل الدماء منه.

إذا أردت أن تعرف قيمة الخمس دقائق فاسأل أهالي المعتقلين في العقرب عن وقت الزيارة التي قد تأتي مرة واحدة في العام ولا تتجاوز الزيارة الخمس دقائق أو أقلّ عبر الزجاج دون تلامس وعبر خط هاتفي. إذا أردت أن تعرف قيمة الخمس دقائق هذه فسأل أسر هؤلاء المعتقلين كم أفنوا من أعمارهم أسبوعيا في السفر وطوابير الزيارة وأغلبهم ينتظر أكثر من ١٢ ساعة ولا يسمح له في الغالب بها. أمّا اذا أردت أن تعرف قيمة الساعة أو أقل فاسأل شاب يتعرض الآن للتعذيب والضرب والتنكيل وربما فاضت روحه إلى بارئها. أما إذا أردت أن تعرف قيمة اليوم أو أكثر فسأل معتقل يجلس في زنزانة مع أربعين فرد نصفهم يقف والنصف الآخر يجلس بالتوالي لأن المكان لا يتسع لهم.

على مستوى الوطن كل دقيقة تمضي تعني انهيارا كبيرا في كل شيء في الأخلاق والاقتصاد والحريات، كل يوم يمضي يعني ديون أكثر وتدهور لا ينتهي في الخدمات. كل ساعة تمضي من عمر الوطن هناك المئات من حالات الانتحار والطلاق والاغتصاب وسرقة وخطف الأطفال وموت على الطرقات وفي المستشفيات بسبب الإهمال. في مصر لا يتم تدمير الحاضر فحسب بل يتم تدمير الماضي والمستقبل كذلك، انظر إلى تجارة الآثار التي انتعشت بشكل غير مسبوق وعشرات الآلاف من القطع الأثرية التي أصبحت تخرج بانتظام من المنافذ الرسمية للدولة لتمحو تاريخ أمة تضرب في أعماق التاريخ فوق سبعة آلاف عام.

كل منّا يحتاج إلى نشر الوعي بين جموع الشعب بكل وسيلة ممكنة، كل منّا مطالب بتوظيف إمكانياته وقدراته لخدمة الثورة والوطن، كل منّا مطالب بإنفاق المال والجهد والوقت لنصرة المستضعفين

انظر إلى مستقبل أجيالنا القادمة بل حتّى جيلنا حين يكتمل سد النهضة وتشّح المياه وينتشر الجفاف وندخل في سبع سنين عجاف أو يزيد، انظر إلى المديونية الخارجية الهائلة التي أصبحت تقارب ميزانية الدولة بكاملها، ولن يمضي عام أو عامين حتى تكون الميزانية بكاملها لتسديد القروض ولن يبقى جنيها واحدا للإنفاق على الخدمات العامة أو دفع رواتب الموظفين! كل وقت يمضي حاليا هو خصم من مستقبل الوطن، من حق أبنائنا وأحفادنا في العيش بحياة كريمة في وطنهم. كل وقت يمضي دون عمل وجهد وتضحية وتجرد لإسقاط الانقلاب هو خيانة لن يغفرها لنا التاريخ ولا الأجيال القادمة. إنّ من لديه إخلاص حقيقي لهذا الدين وهذه الأمة، يجب أن يعرف قيمة الوقت وأنّ الواجبات أكثر من الأوقات، وأنّ هناك يوم للحساب طويل وعسير على كلّ من قصرّ وقضى وقته مشغولا بنفسه وحياته دون أن يعمل على استنقاذ هؤلاء المظلومين الملهوفين.

إلى من سيقرأ هذه الكلمات أعلم أنّ الوقت الذي استغرقته في قراءة هذا المقال هناك الآلاف من صرخات المعذبين وآهات الموجوعين لو رفع عنها جدار الصمت لأحترق قلبك شعورا بالتقصير على انشغالك عنهم. عزيزي قارئ هذه الكلمات لا يخدعك شيطانك أنّه ليس في الإمكان أفضل مما كان، ولا تلقي اللوم على الآخرين بحثا عن راحة لضميرك لن تجدها، اعلم أنّك مسئول ومحاسب وسنفاجئ جميعا يوم الوقوف بين يدي الله بالآية الكريمة: "وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ". ما كنت تظنّ أنّك لن تحاسب عليه، ما خدعت به نفسك من حكمة وتعقّل حتى تريح ضميرك من وخز التقصير والمسؤولية، ستجده يوم القيامة صفعا على وجهك، يوم لا ينفع ندم ولا حسرة. لن تنفعك وقتها الحكمة القائلة انج سعد فقد هلك سعيد، إنّ هذه الكلمات كتبتها لنفسي أولا ولأحبابي ثانيا، فهناك المئات من الواجبات التي يمكن فعلها على مستوى الفرد وعلى مستوى المجموع لمن يريد النجاة لنفسه قبل الأخرين.

 

كل منّا يحتاج إلى نشر الوعي بين جموع الشعب بكل وسيلة ممكنة، كل منّا مطالب بتوظيف إمكانياته وقدراته لخدمة الثورة والوطن، كل منّا مطالب بإنفاق المال والجهد والوقت لنصرة المستضعفين هناك، كل من اجتمعت لديهم الهمة والعزيمة يجب أن يفكروا في سدّ إحدى الثغرات الكبرى في معركتنا مع الانقلاب. إن العمل على تحرير مصر من الاحتلال العسكري ليس خدمة لمصر وحدها، بل هو نصرة لأهلنا في فلسطين وسوريا واليمن والعراق وليبيا، أبجديات التاريخ والجغرافيا والعقل والمنطق تقول ذلك بكل الطرق. اللهم اجعلنا ممن يقولون فيفعلون ونسألك الثبات على الحق حتى الممات، مقبلين غير مدبرين، اللهم افتحي لي قلوب الناس وعقولهم حتى نعمل معا على استنقاذ أمتنا الجريحة، وارزقنا الإخلاص في السر والعلن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.