شعار قسم مدونات

الحق في التعدّد والحق في الطلاق!

blogs زواج

“يا لك من رجل زائغ العينين ولا تفكر إلا في نفسك فقط، وأناني وليس عندك مروءة ولا شهامة، ولا تعبأ بمشاعر المرأة التي تعبت وكافحت معك حتى أصبحت تمتلك ثروة لا بأس بها، تحملت معك المتاعب والآلام وصبرت حتى اشتد ساعدك فرميتها بسهم الخيانة والغدر وتزوجت بأخرى زعما منك أنها هرمت ولم يعد لها رغبة في أن تعطيك حقوقك الشرعية، ذهبت للأخرى ولم تمانع في المهر الذي طلبته رغم أنك لم تعط لزوجتك الأولى مثقال ذرة من هذا السخاء الجمّ، اذهب لا سامحك الله على صنيعك وكسرك لقلب امرأة مسكينة لا تستحق منك هذا".

هذا المقدمة ما هي إلا جزء من جملة اتهامات تنهال على الرجل سواء من امرأته أو أهلها أو أصدقائه أو غيرهم إذا ما تزوج بامرأة أخرى، ويبدأ الهجوم الشديد عليه، وكأنه قد صبأ أو ارتكب المنكرات والعياذ بالله. بداية وبعيدا عن أي تعصب أو تحيز، قضية التعدد لها منافع وأضرار، مثلها مثل أي شيء في الحياة، فهي قد تصون الرجل من الوقوع في الزنا إذا كانت زوجته معتلة صحيا، فهذه طبيعة الرجل البيولوجية هو يهتم بالأشياء الحسية والمادية أما المرأة فيهمها الجانب العاطفي أكثر. صديق لي كان يعاني من مشكلة في حياته بعد فترة وجيزة من زواجه، أبلغني أنه يفكر في الزواج بامرأة أخرى والسبب أنه قوي ولديه فحولة طاغية، وزوجته لا تقدر على ذلك، لكنها في ذات الوقت ترفض طلبه بشدة، احتدم الخلاف بينهما لهذا السبب ولم ينتهي.. لكنه حسم الأمر في النهاية.

والشرع كما أجاز التعدد للرجل فقد أجاز أيضا للمرأة طلب الطلاق إذا ما وقع عليها ضرر ما منها على سبيل الإيجاز:

التي ترفض التعدد لأنها ترى أنه مظلمة للزوجة، هي لم تعرف ظروف الرجل حين يُعدّد، هل لديه مشكلة ما – مثلا- تتعلق بحياته مع زوجته؟ لا يجب علينا رفض التعدّد لأنه لا يعجبنا، بل لكل حالة ظروفها الخاصة بها

1- عجز الزوج عن القيام بحقوق الزوجة كالنفقة والمعاشرة والسكن المستقل ونحوها.

 2- إهانة الزوج لزوجته بالضرب – لغير سبب شرعي- واللعن والسب ونحو ذلك، ولو لم يتكرر بمعنى أنه يجوز لها طلب الطلاق ولو حدث هذا من الزوج مرة واحدة.

3- إذا تضررت بسفر زوجها كأن سافر الزوج أكثر من ستة أشهر وخافت على نفسها الفتنة.

4- إذا حُبس زوجها مدة طويلة وتضررت بفراقه، على ما ذهب إليه المالكية.
5- إذا رأت المرأة بزوجها عيباً مستحكماً كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو مرضاً خطيراً منفراً ونحو ذلك.
6- فسوق الزوج أو فجوره بفعل الكبائر والموبقات، أو عدم أدائه العبادات المفروضة – ما لم يأت بما يوجب كفره وإلا انفسخ عقد النكاح – وقد صبرت عليه زوجته ونصحته فلم يستجب، وأخذته العزة بالإثم، فللزوجة حينئذ أن تسأله الطلاق، فإن أبى فلها أن ترفع أمرها للقضاء ليفرق بينهما، وغيرها من الأسباب التي لا يسع المجال ذكرها – كما جاء في فتوى منشورة على موقع "اسلام ويب".

بالطبع لا أقصد من كلامي هذا الحث على طلب الزوجة للطلاق، لكن ما أريد أن أقوله إن للمرأة الحق في طلب الطلاق بسبب أحد هذه الأضرار المذكورة دون حرج أو خجل، فالرجل الذي لا ينجب، زوجته لها الحق في طلب الطلاق وعدم الاستمرار معه أما إذا ظلت معه بإرادتها، فهذا من باب العشرة الطيبة والمروءة وتُشَكر على ذلك، لكن لا تأتي فيما بعد وتمُنّ عليه بهذا الصنيع. وبالمثل، المرأة التي لا تنجب، يحق لزوجها أن يتزوج بأخرى وإذا لم يفعل، فلا يحق له أن يمُن عليها أنه فعل هذا من باب الشفقة والمروءة منه، لأن هذا سيكون موجعا وقاسيا لزوجته.

 

غابت الحقوق فيما بيننا لتعصب كل منا لفكرته ورغباته ومطالبه، فالحياة الزوجية لم يكن الهدف منها هو من الذي سيفوز بالجزء الأكبر، فهي قائمة على السكينة والرحمة والاحتواء والود من كلا الطرفين، فقوام الحياة الزوجية هو البناء والتشييد، لا الهدم والانفصال. المرأة التي ترفض التعدد، في ذات الوقت لا تمانع إذا عدّد أخوها او ابنها بسبب عدم إنجاب امرأته، بل على العكس نجدها أول المشجعين والداعمين له، والأم التي ترى زوجة ابنها مهملة ولا تهتم به، تقسم بالأيمان أنها ستزوجه وتنفذ ما وعدت به. فالتي ترفض التعدد لأنها ترى أنه مظلمة للزوجة، هي لم تعرف ظروف الرجل حين يُعدّد، هل لديه مشكلة ما – مثلا- تتعلق بحياته مع زوجته؟ لا يجب علينا رفض التعدّد لأنه لا يعجبنا، بل لكل حالة ظروفها الخاصة بها.

ما يُحسد عليه الرجل "السلفيّ" هو أنه يعدد دون خسائر كبيرة سواء مادية أو جسدية، تراه مقبلا على الحياة بكل أمل وتفاؤل ليس لديه مشكلة مع زوجته الأولى فهي متقبلة لفكرة التعدد، لو كان التعدد ظالما ومجحفا في كل حالاته لما رأينا حالات ليست قليلة في المجتمع. دائما الفكرة تكون صعبة ما لم تطبق، لكن في حال تطبيقها تصبح مقبولة ولا ضرر منها بالقدر الذي كان يمكن تصوره.

أنا لا أدعو إلى التعدد في حد ذاته من أجل الاستعراض أو الافراط أو التبذير أو إلحاق الضرر بالأزواج أو ما شابه ذلك، كما أنني لا أدعو إلا مقاطعته إذا ما كانت هناك ضرورة له وحل لمشكلة ما، فالذي يبحث عنه له دوافعه ولن يثنيه أحد عن تغيير موقفه والذي لا يفكر فيه لن يقنعه أحد بالعدول عن رأيه، لكن بدلا من الدفاع عن رفض فكرة التعدد من قبل النساء والاستشهاد بالآية الكريمة التي ليست معناها كما يعتقدن "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" سورة النساء، فالعدل هنا لإباحة التعدد يعني التسوية بين زوجاته في النفقة والمبيت والكسوة وغير ذلك من الأمور المادية مما يكون في استطاعته. أما الآية "وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ"، فالعدل هنا يعني العدل في المحبة فغير مكلف به، ولا مطالب به، لأنه خارج عن إرادته واستطاعته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.