شعار قسم مدونات

أميركا والإسلام السياسي.. عداء أم صداقة؟

blogs الإسلاميون

الحرب على الإسلام ككل لم تضع أوزارها ولا زال الغرب يحشد أجناده ويزحف نحو ديار المسلمين حتى لا يبقي منهم دَياراً إلا هدم عليه داره أو تركه في العراء أو أفقره حتى هجر الدور مهاجراً أو لاجئاً تستخدمه العصابات أو تستغله دول اللجوء وتبتزه وتفرق بينه وبين صغاره كما يحدث في قانون الهجرة الأمريكي الجديد بحق العائلات اللاجئة وفصل الأطفال عن أهاليهم بغرض نشأتهم على مبادئ أمريكا وضمان ولائهم المطلق واستخدامهم فيما بعد ضد دينهم ومعتقداتهم. ولو تحدثنا بموضوعية عن دوافع الحملة المستعمرة ضد الإسلام الحركي السياسي يتضح لنا جلياً أن الإرادة الغربية تسعى إلى إيجاد إسلام تابع لسلطانها، راضخ لأيدولوجياتها، شريك في احتلالها لأرض المسلمين، وتسلطها على رقابهم، ونهبها لثرواتهم. فلذلك تجدهم يسارعون في كل محافلهم للتخويف من الإسلام السياسي ويسعون جاهدين لإفشال كل تجربة تقوم باسمه ويعملون على إسقاطها بكل الطرق.

 

فتأليب الرأي العالمي ضد كل دولة ترفع شعار الإسلام ذو النزعة التحررية ومحاصرته وفرض العقوبات عليه بدعاوى دعم الإرهاب كقطاء للسبب الحقيقي وهو الخوف من تمدد هذا الإسلام واكتساحه لباقي الدول الإسلامية اسما والمغيبة قصداً لإبقائها خارج مشهد الحصار والتجويع والإفقار فكل دولة تنجح في الوصول إلى نظام حكم يتطلع لإخراجها من بيت الطاعة الغربي ستواجه التهم المعدة مسبقاً وستتعرض لحرب شعواء وتنصب نحوها أنظار أمريكا حتى تجعلها رماداً بعد عين فإن كانت كالحصان الجموح تُصارع بغير لجام وسط حُمر مستنفرة جرت عليها العادة فألجمت بلجام من نار وأودعت في غياهب السجون وحُصرت حصار المتمرد واستدعي الصديق قبل العدو لتأديبها وسلب مقدراتها وتشويه معتقدها الذي أوصلها لهذه المرحلة الوحشية في نظر أمريكا وحلفائها.

 

فلديهم لا ينبغي أن يكون الإسلام صاحب قرار أو أن يكون المسلمين أولي قوة ومنعة واستقلال بل يجب أن يكونوا محطات وقود تتزود منها أرتال الجيوش التي تقتحم دولهم وتدمر مدنهم وما عليهم إلا أن يكونوا بقراً حلوباً يُرزق منه الغرب أسوداً وأصفراً لتستمر الرفاهية الغربية في التطور مقابل استمرار الوضاعة العربية والإسلامية في الازدياد والتقهقر وكل تلك مستحبات تُشعر أمريكا بالرضى وتفتح شهيتها لكسب مزيد من نقاط القوة لصالحها ليستمر مسلسل التخدير والاستهانة بالمسلمين والعبث ببلدانهم ومحاربة كل من يحاول بعث الإسلام الذي يحارب ظلمها وغطرستها فمحاصرة جماعة الإخوان المسلمين في مهدها وتغييب قادتها في السجون وإزاحتها من سدة الحكم الذي وصلت إليه باستحقاق شعبي.

 

الإسلام لا يقسم فهو شامل في السلم والحرب ولكن ما تريده أمريكا هو الإسلام الناقص الذي يتسامح مع المعتدي ولا يدعو للمقاومة والجهاد وهو إسلام باهت يخالف تأريخ المسلمين ويناقض صريح القرآن

فبعد دعم الانقلاب عليها وشيطنتها عالمياً وإقناع العالم بأنها تمثل الإسلام الذي يدعو إلى القتل والتدمير والترويج لهذا الأمر عالمياً لمحاصرة هذا النوع من الإسلام وتقسيم الشرق الأوسط إلى أعداء وأصدقاء وتشكيل تحالفات على هذا الأساس بقيادة أمريكية تمن على من تشاء وتستأصل من تشاء بتفويض عربي ورضى الإسلام الوسطي المنفتح على العالم كما يدعي معتنقوه.

 

وفي حقيقة الأمر الإسلام لا يقسم فهو شامل في السلم والحرب ولكن ما تريده أمريكا هو الإسلام الناقص الذي يتسامح مع المعتدي ولا يدعو للمقاومة والجهاد وهو إسلام باهت يخالف تأريخ المسلمين ويناقض صريح القرآن فليس في الإسلام رضوخ للظالم بل إذن للقتال في سبيل الله إذا ما وقع الظلم واستفحل الأذى ففي هذه الحالة يصدع القائد المسلم بما أُمر ليقود جموع المسلمين صوب معركة الخلاص من الأعداء وتمكين الدين وكسر شوكة الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات وتأديبهم مهما بلغت قوتهم فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة فكثرت العدد وكثرت العتاد ليست سبباً لاستسلام المسلمين وتركهم الجهاد والثورة ضد الأعداء.

 

فالحرب لا تخضع لمقياس القدرة فحسب وإن كان الإعداد واجباً إلا أنه ليس ضامن للنصر فالنصر من عند الله والتأريخ الإسلامي حافل بمشاهد المعارك التي دارت بين المسلمين وهم قلة متواضعي التسليح قليلي المؤونة وأعدائهم كثيري العدد متطوري التسليح يذبحون الذبائح تعجبهم أجسامهم فكان النصر للمسلمين والهزيمة لأعدائهم وذلك لصدق القضية وعدالتها وعون الله الذي أمدهم بجنود من السماء تقاتل إلى جانبهم حتى أن المسلم يرى رأس الكافر يطير دون أن يرى قاتله.

وإن ما تخشاه أمريكا بعد ثورة الشعوب على حكامها وتسعى إلى تداركه هو إكمالها أي الشعوب لدورة ذلك التحول ورجوعها إلى أصلها الذي يموج في دواخلها ويسيطر على وجدانها وتراه بديلاً لمن حكموها وأياديهم في يد أمريكا وإعلامهم منها فسعت بكل ما أوتيت من قوة لإزاحة ذلك التصور الذي تعلم تماماً أنه يستملك قلوب تلك الشعوب فحاولت قتله في نفوسهم وانشأت حركات تمثله لتظهر هي وحلفائها بمظهر الحامي الذي أنقذ الشعوب العربية من الإرهاب الإسلامي.

 

الغاية تبرر الوسيلة في الفكر الغربي لذا فطرق التعاطي مع الدول الإسلامية تنطلق من مبدأ شن الحروب على الآخرين دون أي اعتبار لتكافئ القوة أو ضعف الطرف الآخر
الغاية تبرر الوسيلة في الفكر الغربي لذا فطرق التعاطي مع الدول الإسلامية تنطلق من مبدأ شن الحروب على الآخرين دون أي اعتبار لتكافئ القوة أو ضعف الطرف الآخر
 

ونجحت في هذا الأمر بوجود عملائها الذين مكنتهم من الوصول إلى حكم بلدانهم فساعدوها بالمال والإعلام فلا تزال تدخل معهم في شراكات حتى قاتلوا معها الغريب والقريب فلم يعد لهم من صديق حميم سواها فاستغلت صداقتها لهم فقتلت بأيديهم كل من رأت في وجهه علامة مسلم فلم ينجوا شيخ هرم ولا طفل رضيع من الفتك حتى عاد الجوع يفتك بتلك البلدان لتعود إلى ما قبل ثورتها حيث عقود الاستعمار وتجويعه للشعوب ونهبه لمقدراتها فأن كان دافع ثورة هذا الشعوب على حكامها انحطاط الحياة المدنية بتخلف خدماتها وانعدام كمالياتها فأن الثورة القادمة يجب أن تكون ثورة ضد المستعمر الأمريكي الغربي الذي استغل حراك الشعوب ليعيد فرض نفسه ويسترجع مستعمراته ويسعى من جديد إفساداً وظلماً ويعوس فساداً في ديار المسلمين.

وقد عملت القوى الغربية على اصطناع وهم ووهن في التركيبة الجيوسياسية الإسلامية فحصرت مناطق وحدة شعوب معينة بعد ان علمت مدى تأثيرها على الكيان الإسلامي في العالم ؛وسميت تلك المناطق بخطوط التقسيم وتلك الدول بدول” ذوي القربى” قاصدين من ذلك أقربها من حيث الثقافة والتوجه الواحد.

وبناء على تلك المعطيات بدأ العمل العدائي لتحقيق المكاسب وإنزال الرؤى التوسعية على أرض الواقع وكسب تيارات ولربما شعوب من داخل المنطقة المستهدفة وهذا لا يخفى على أحد بأن دولا بعينها قدمت العقيدة الإسلامية والحلم الإسلامي كبش فداء للإقرارات الغربية والامتيازات التقنية فكان لهم نصيبهم من الرضا الغربي ببيع الدين والتنازل عن المبدأ الأساس الذي تحارب من أجله باقي الدول وتفتت الآن على مرأ ومسمع ومباركة من الحلفاء الراضخين للقرارات الغربية وهم يراقبون الشركاء المتشاكسون ظاهراً المتراضين على قسمة المفتت وهدم الحليف المقفل سراً.

 

فوعود الأمان وتلميع الصورة الغربية القبيحة لأولئك السذج جعلت منهم مخدرون بكثير من الدعاوى التي ظنوا أنها من مسلمات الغرب ونسوا أن الصياد يرمي بفخه وفيه المغريات وبه القوت السمين ولكن القصد واحد وهو النيل من النفس والانتفاع من ورائها ووجه الشبه بين وقرينة التشبيه معلومة فالغاية تبرر الوسيلة في الفكر الغربي لذا فطرق التعاطي مع الدول الإسلامية تنطلق من مبدأ شن الحروب على الآخرين دون أي اعتبار لتكافئ القوة أو ضعف الطرف الآخر فحتى أن كان مسالماً واعزلاً فهو هدف مشروع يقتل ويدمر ويرمى بأبشع التهم وفي آخر الأمر يروج على أن الضحية هي المخطئة وأن الجلاد عادل ومنصف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.