شعار قسم مدونات

التفوق المستحق.. مزايا الغرب التي يتحاشاها العرب

Blogs مجتمع

قد يبدو العنوان مثيرا للدهشة والاستغراب للقارئ بما اعتاده من قراءة الوجه الشرير لذلك الغرب المتوحش، فغالبا ما يتم كتابته يكون شيئا مسلّعا لما يرغب القارئ برؤيته؛ ولكن حقيقة ما سيتم طرحه هنا ما هو إلا للاستسلام للوقائع التي نعيشها بعقلانية والكف عن مغالطتها بأفكار تحكمها المشاعر؛ مع ترك المجال للقارئ وحده أن يختار انجرافه وراء العاطفة أو العقلانية في إنصاف ما يجب إنصافه. وقد يبدو حقيقة مجرد التفكير بكتابة هكذا مقالة انتحاراً فكريا بالمقام الأول وانتحاراً أخلاقيا بالمقام الثاني (بالنسبة للبعض)، خاصة عند أولئك الذين يتذوقون ويلات الغرب وجحيم حروبه المباشرة وغير المباشرة في حروب الوكالة في شتّى بقاع العالم.

ولكن مهلا! ما المانع من التمحيص والتحليل في الجانب الإيجابي الذي لا نلقي له بالاً عادة (حتى ولو كان قليلاً)، أو التوقف عند جلسة لمحاكمة الغرب الامبريالي الاستعماري صانع أعنف حربين عرفهما التاريخ إن جاز التعبير، وترك مساوئ الغرب التي جميعنا بات يعرفها وسئم من تكرارها فيما نقرأه ونسمعه عادة في شتى المنصات الإعلامية. بداية هذا التساؤل موجه لحقبة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى حاضرنا اليوم؛ قد لا يعجب البعض اختزال تاريخ الدول الإمبريالية فقط بقرن واحد أو حتى بالحكم على حاضره اليوم، دون الالتفات إلى دموية ولا إنسانية ما فعلوه من أفعال أقل ما يمكن وصفها بالدونية والبربرية قبل ذلك القرن وحتى خلاله.

ولكن وبكل صراحة نستطيع القول أن هكذا موضوع لا يمكن حصره بمقالة صغيرة لن تنصف أحداً في حقيقة الأمر، كما وأن التاريخ مليء بالأحداث التي يمسها اللبس عند عرضها من قبل كل طرف (فمثلا: الإسبان يعتبرون دخول جيوش طارق بن زياد احتلالا لأرضهم، والمسلمون يعتبرونها فتوحات الأندلس، كما أن الإسبان يعتبرون دخول المسلمين لأرضهم بالسيف جريمة، والمسلمون بالمقابل يعتبرون محاكم التفتيش التي لاحقت المسلمين جريمة) فكل طرف له تصوير تاريخي مغاير للطرف الآخر، ولكل طرف انحيازه المعرفي في وصف ذلك التاريخ، كما وأن مقولة: (التاريخ يكتبه الأقوى) هي من الأمور الواجب الأخذ بها عند الرغبة في محاكمة أي طرف؛ لذلك لا يجب تصديق ثلثي ما نقرأه بكتب التاريخ ويجب أن نُخضِع الثلث الأخير للشك؛ (وعلى أية حال فالموضوع هنا ليس تاريخ الغرب إنما حاضره).

نحن اليوم في بلداننا لا نتقن وضع خطة حتى ولو كانت فاشلة، ولا نتقن السير عليها بأي شكل من الأشكال؛ اليوم وفي القرن الحادي والعشرين نستطيع القول وبوضوح أننا في دول العالم الثالث نُعتبر عالة على الأمم المتقدمة

مذ كنا صغاراً يافعين لم يكن فضولنا الطفولي الزائد وحده من أخذ بنا لمعرفة أن الغرب يتفوق علينا بكل شيء تقريبا، بل كان تحصيلا حاصلا في عقل الجميع صغاراً وكباراً، فالصورة النمطية عن تفوق الغرب هي صورة واقعية في الحقيقة نشعر بها بل ونعيشها، ولكن ما لم يشبع فضولنا وقتها هو سر تخلفنا عن ركب تلك الأمم المتقدمة في الغرب، ولم يكن لنا إلا الشعور برغبة اللوم بحمل مشاعر حقد عميقة تجاه الغرب المتوحش الذي أذاقنا ويلاته، والذي لم يترك بقعة على وجه الأرض إلا وتذوقت طعم الدماء واشتمت رائحة البارود؛ تاريخ أكثر سواداً من ليلة قمرها محاق.

ولكن ماذا عن الوجه الحسن للغرب (ماذا عن النجوم المتلألئة في تلك اللية المحاق؟).. حقيقة قد تبدو الإجابة هنا مستفزة، فإذا محصنا بالنظر لذلك الغرب فلن نراه مخطئا تماما، ولكن يكفي القول أن فلسفته خاطئة، (بالنسبة له: فلسفته صحيحة ويتقن السير عليها بالشكل المطلوب)، فلسفة لا يعلنها الغرب بسياساته كما أعلنها هتلر من قبل؛ لكنه يتبناها بحق،-(فلسفة آين راند) و(فلسفة فريدريك نيتشة)، فلسفة تتبنى فكرة أن البقاء للأقوى ولا مكان للضعفاء-، طبعا إنصاف الغرب هنا قد يتم فهمه على أنه تطبيع مع تلك الفلسفة الغربية، ولكن حقيقة هي فلسفة مشجوبة جملة وتفصيلاً، فاستذكار مقاومة جميع الشعوب التي حاربت سطوة الجيوش الغربية الاستعمارية هو مثال الأنفة والعزة في قلوب الأحفاد، فلا أحد يزايد على ذلك ولا يزايد على تغني الأحفاد بأمجاد الأجداد، ولكن وجب استذكار استنكار تقوقع تلك الشعوب المُستعمَرة على نفسها وعدم تقديرها للعلم، مع عدم الانفتاح على علوم الأمم، وهو ما جعلها اليوم خلف كل الأمم، تحت مسمى دول العالم الثالث (وهذا بيت القصيد حقيقة).

بالإشارة إلى إتقان الغرب لفعل ما يريد، وجب الاعتراف بتفوقه وهذا نقطة في مصلحته؛ فنحن اليوم في بلداننا لا نتقن وضع خطة حتى ولو كانت فاشلة، ولا نتقن السير عليها بأي شكل من الأشكال؛ اليوم وفي القرن الحادي والعشرين نستطيع القول وبوضوح أننا في دول العالم الثالث نُعتبر عالة على الأمم المتقدمة، فكل الصناعات والاكتشافات والاختراعات نتاج غربي، وكل معالم التطور والحضارة أيضا هو شيء محتكر للغرب طبعا (غالبا ما يتم ذكر إساءة الغرب للتكنولوجيا بشكل عام مثل تصنيع الأسلحة وغيرها، ولكن نادرا ما يتم الإشارة إلى فضل التكنولوجيا خاصته في الاكتشافات الطبية كالتطعيم مثلا)، ويبدو أننا لن نلحق بركبه لقرن من الزمن إن لم يكن أكثر، وسنبقى سوقا استهلاكية بامتياز (سوق استهلاكية تشتري العلف من غيرها لترجعه بالمجان حليبا طازجا لمن اشترت منه علفها).

لا حاجة لذكر الماضي الاستعماري لتلك الدول المتقدمة والتي مازالت تسرق خيرات مستعمراتها السابقة، فهي تسرق خيرات دول لا تدرك ما لديها من خيرات (وهنا لا ألومها بتاتا)؛ ألا يكفي أنها تسرق العقول المستنيرة والمثقفة في كل دول العالم وتستثمر فيها بعد أن رفضت الدول الأم لتلك العقول المستنيرة الاستثمار بأبناء جلدتها من النخبة، وهذه حقيقة ندركها كلنا، ولكن نتجنب ذكرها لكي لا توجه تهمة الخيانة لأحد؛ فالنخبة تجد الأمل والحضن الذي يقدرها في بطون الدول الغربية والرفض والإقصاء من أحضان بلدانها المنهوبة، وزيادة على ذلك الكل يعلم أي الحكومات تضطهد شعوبها وأي الحكومات تفتح أبوابها للمضطهدين حول العالم عبر بوابة اللجوء بكل أشكاله.

لنعلم أن عدونا الأول هو الجهل وليس الغرب نفسه، ولنعلم أن صراع الأمم هو تحصيل حاصل لا محالة، وليكن أول درس لنا هو أن نتعلم منه اليوم، كما تعلم هو منا في عصر نهضتنا
لنعلم أن عدونا الأول هو الجهل وليس الغرب نفسه، ولنعلم أن صراع الأمم هو تحصيل حاصل لا محالة، وليكن أول درس لنا هو أن نتعلم منه اليوم، كما تعلم هو منا في عصر نهضتنا

اليوم العلم والمعرفة ليسوا حكرا على أحد؛ فجهل دول العالم الثالث هو من صنع يدها ويبدو أن هذا هو الشيء الوحيد الذي تتقن صنعه؛ اذا نظرنا للولايات المتحدة الأمريكية مثلا وسألنا عن مبدعيها لرأينا أن أكثرهم مهاجرين وليسوا أمريكيي الأصل، وإذا أردنا أن نأخذ مثالا مألوفاً للجميع فليكن من ابداعات هوليوود والتي تعتبر الأنجح عالميا، فممثلي السينما العظام في السينما الأمريكية هم مهاجرون، "يكفي النظر لأحد الأفلام الأمريكية كمثال، ولننظر لتلك النجوم ولنحاول معرفة جنسياتهم وأصولهم الحقيقية (The Expendables).

في هذه المقالة لم يتم الاشارة إلى إنجازات الغرب ومعالم تحضره بشكل مباشر وتم الاكتفاء بالإشارة إلى ذلك بالمُجمل، فيكفي مشاهدة (برنامج خواطر) بأجزائه الإحدى عشرة لمعرفة المراد من هكذا مقالة، لعلنا نتعلم يوما أن نقلد الغرب في علومه وإنجازاته، لا أن نقف حالمين بالسفر أو اللجوء هربا من أنفسنا إليه، لاغتنام فرصة لا نجدها في بلداننا؛ فالأحرى بنا أن نبني بلداننا القابعة خلف ركب الأمم المتحضرة مستفيدين من علومهم، وعلينا أن نتخلص من ازدواجية مشاعرنا تجاه ذلك الغرب (إدماننا على التذمر مما نذوق من ويلاته مع الاستمرار بالحلم بالسفر إليه).

ولكي نحصل على ذلك، فلنتعلم أن ننظر إليه بعين المتعطش للعلم والمعرفة؛ فلنتعلم أن ننظر إليه بتلك العين التي توقن بوجود ذلك الوجه الحسن لذلك الغرب، ولنتوقف عن التمتع بلومه لإشباع تلك الرغبة القابعة في صدورنا للتخلص من ألم مشاعرنا السلبية تجاهه، ولنعلم أن عدونا الأول هو الجهل وليس الغرب نفسه، ولنعلم أن صراع الأمم هو تحصيل حاصل لا محالة، وليكن أول درس لنا هو أن نتعلم منه اليوم، كما تعلم هو منا في عصر نهضتنا في القرون الوسطى وما قبلها بالأمس، لكي نكون مستعدين لمواجهة ذلك الصراع الحتمي بالغد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.