شعار قسم مدونات

فض اعتصام رابعة.. مجزرة القرن

blogs - رابعة

المشهدُ عظيمٌ، والعَالَمُ مُظلمٌ، وصمودُ الجموعِ من العُزَّلِ أمام طلقاتِ الرصاصِ، وقذائفُ الجرينوفِ، ورائحةُ الغازِ، وألسنةُ الحرائقِ، وطائراتٌ تقذفُ الأبرياءَ، ومدرعاتٌ تدهسُ تحت أقدامِها الأمل. يومٌ كيومِ تذهلُ فيه " كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ" امتزجت الأصواتُ فلا نَغْمَ غير نَغماتِ الرصاص، واختلطت المشاهد، فلا ترى غير جثث الأبرياء، هنا وطنُ العارِ يحكى غير صفحات التاريخ، قصةُ شعبٍ لا يملك سوى صرخات الغوث، وطلبات النجاة تبحثُ عن ملاذٍ ولكن لقد أسمعتَ إذ ناديتَ حيّاً ولكن لا حياةَ لمن تُنادى.

الدماءُ تملأُ أركانَ الميدانِ، الحرقى كُثر، والأراملُ في ازدياد، وفقدانُ الوليدِ هو الاعتياد، وصرخاتُ الأبرياء تعلو وتأتى من كل واد. تتسارعُ الصرخاتُ تلوَ الصرخات فأصبحت كدوّى طلقاتِ الرصاص، علَّهم يجدون الحياة، الأرضُ تُرسلُ شهدائَها، والسماءُ تبدأُ أعراسَها، والحُورُ تتزينُ لأزواجِها، والأسرةُ قد تهيأت، والأبواب قد فُتِّحت وضاقت بهم الأرض لكن وَسِعَتْهم السماء، وظلمهمُ البشر لكن نصفهم ربُ السماء. وآخرون مُتعَبون في نقل إخوانهم الجرحى والقتلى، خارت قواهم لكن شيء ٌغريبٌ يُحركهم.

كانت الضحِكات الشامتة تعلو وجوه البعض وكأن شيئاً لم يكن، وكأن محرقة لم تحدث على الإطلاق. إن معركةَ الحقِ والباطلِ إلى قيام الساعة، ولكن الحقَ دائماً في انتصار والباطلَ إلى زوالٍ.

في فجرِ يومٍ من أيامِ اللهِ التي تطل على بلادنا، يومَ أن تمكنت الخيانةُ من الإنسانيةِ الشريفة، يومَ "فضِ رابعة" 14/8/2013. يومَ خرجت الآلاف كأمواج البحار، غاضبين يتساءلون ويبحثون عن حقهم المشروع، لقد اختاروا، فأين ذهب اختيارهم؟! لقد أرادوا فلماذا سقطت إرادتهم؟! أحلامُهم ضاعت أمام أعينِهم، أصواتهم أصبحت كسرابٍ بقيعة. نفسُ الجريمةِ، هناك في الزمن البعيد، في فجر البشرية الأولى، قتلَ قابيلُ أخيه هابيلَ، فكانت أول جريمة قتلٍ في البشرية، وفي الأزمانِ اتفاق، اتفاق على نفسِ الجريمة، فهؤلاء العسكر ارتكبوا أبشعَ مجزرةٍ في القرن الحادي والعشرين حفاظاً على مناصبِهم وسلطانهم، ولم تجنِ فعلتهم هذه إلا الفسادَ في الأرض والخراب في البلاد.

أوطَانُنَا أصبحت قصص ابتلاءات، أصبحت مليئة بالظلم والموت والعذاب الدفين، فغدونا نعتادُ الأمور، نعتادُ المجازر، نرى كل يومٍ شهيداً يسقط تلوَ الآخر، وعزاؤنا الوحيدُ أنه حيٌ يرزق عند الله. فمنذ أن أصبح العسكر يحكم البلاد، لم يولِّد إلا الظلم والقهر والرعب في البلاد، فكلهم نهجٌ واحدٌ، وأهدافهم واحدة، فهم يستبيحون دماء شعوبهم ويُؤلِمُون بوقاحتهم كثيرٌ من البشرية طمعاً في مناصبهم وامتلاء خزائنهم، وليكن بعد ذلك ما يكون. منذُ أيامٍ وعلا التصفيقُ للنظامِ تزامناً مع الحُكم على أسرى رابعه، فهنا تصدرُ أحكاماً ظالمةً على شبابٍ أبرياء، أحكاماً بالإعدام على 75 من أبناءِ الوطن، منهم الأطباء والمهندسون وأساتذة الجامعات والمعلمون والتجار، ضحى بهم وطنُ العارِ في لحظةِ طَيشٍ وتهور.

وهناك الضحِكاتُ الساخراتُ، والتصفيقُ الساذج على أي شيء، هنا أمهاتٌ عَلَتْ صرخاتُهم ألماً وحزناً، وهناك عَلَتْ الضحِكات وكَثُرت كلماتُ النِفاق، هنا يتخلى الوطنُ عن خيرةِ رجاله وأبنائه ويسوقهم إلى الإعدام، وهناك التَذلُف الزائف الذي يسوقُ الوطن إلى السقوطِ والتقزم. فلماذا كنتم تصفقون؟! هل تصفقون على إعدام الشباب، أم تصفقون لمن قتل وخرَّب في البلاد؟! فيال جهلكم وسذاجتكم، إما للأولى وإما للثانية وهم في الحالتين سواء. إلى الجيل الذي ساند وأيد ورضي بهذا الحال، لقد جعلتمونا نفقد الإنسانية بكل معانيها، فأصبحت الحياةُ أكثرُ رُعباً وفزعاً من الموت، وأصبح جهلكم يُؤلِمُنا، عندما نرى المصفقين لهم، وعندما تتزاحم الزغاريد، ويرقصن النسوة على الدماء التي سالت لِيَئِدوا الحرية في مهدها على مرأى ومسمع من الجميع، ففي الوقت الذي كانت الصرخاتُ تَرِقُ الأحجار لها، كانت الضحِكات الشامتة تعلو وجوه البعض وكأن شيئاً لم يكن، وكأن محرقة لم تحدث على الإطلاق. إن معركةَ الحقِ والباطلِ إلى قيام الساعة، ولكن الحقَ دائماً في انتصار والباطلَ إلى زوالٍ حتى لو لم يكن ظاهراً رأى العين، فلن أتعجب يوماً إن حلت لعنة الله على أمثال هذه الشعوب أو يذيقهم الله البأس أو يَلبِسَهم الجوع والخوف والذل بما كانوا يعملون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.