شعار قسم مدونات

الشيزوفرينيا السياسية.. من المصالحة للهدنة والتسهيلات!

blogs حماس إسماعيل هنية

اتضحت الجولات المصرية – الفلسطينية بعد عدة أشهر من المباحثات والجلسات المطولة مع الجانب الفلسطيني لبحث سبل تحسين أحوال قطاع غزة وذلك عبر سيناريوهين كان الأول يتعلق بالمصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح وهو ما كان حديث الساعة وواجهة الضوء نحو الهدف الحقيقي لتلك اللقاءات التي فيما يبدو بأنها عالقة حتى اللحظة بعد تعليق حركة فتح على الورقة المصرية واشتراطها بوضع بعض النقاط عليها والذي من جهته لم يعجب حركة حماس الأخيرة والذي اعتبرته تلكأ ومماطلة من حركة فتح وعمل غير وطني.

أما السيناريو الأخر وهو الذي كان محور الجدل في التوقيت والصيغة، وهو العرض المصري بشأن هدنة مع إسرائيل من 5 – 10 سنوات مقابل تسهيلات اقتصادية وفتح للمعابر "الإسرائيلية ومعبر رفح المصري" ورفع نسبة غزة من الكهرباء من الطرف الإسرائيلي علاوة على زيادة رقعة الصيد وإدخال المساعدات الإنسانية والبدء بتنفيذ مشاريع بنية تحتية بإشراف مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف يشمل ميناء ومطار في الأراضي المصرية، فترى ماذا ينتظر حماس وهل ستقبل إسرائيل بهذه الهدنة أم لا؟، وكيف تنظر السياسة الإسرائيلية لقطاع غزة؟، ما هي خيارات حماس في حال فشل الهدنة مع اسرائيل؟، وما هو موقف حركة فتح من تسهيلات غزة!

من الخطة A للخطة B.. هكذا تفاوض مصر وتقبل حماس

بعد إعلان حركة حماس نيتها عن الهدنة مع إسرائيل بعد تعثر ملف المصالحة كما أسلفنا سابقاً، وعقدها لمؤتمر مع الفصائل الفلسطينية بغزة لبحث هذا السيناريو والإقرار بتفاصيله وأليته، يمكن القول بأن حركة حماس كانت على اطِّلاع مسبق بتفاصيل هذه الهدنة الذي تم الإعلان عنها مؤخراً بجهود مصرية وأممية، وتمت مناقشته بعناية من قبل أعضاء حركة حماس أثناء تواجدهم بالقاهرة مع الجانب المصري.

إسرائيل اليوم وبعيداً عما تصدره لنا بالإعلام عن جهوزيتها لحرب مع المقاومة بغزة، هي بأمس الحاجة للهدوء أكثر من أي وقتٍ مضى

والذي بدوره يترك تساؤل عميق يجب البحث عن إجابته وهو ما الذي قد يدفع مِصر لعرض سيناريو تهدئة مع إسرائيل في الوقت الذي كانت فيه اللقاءات تتمحور حول ألية انهاء الانقسام الفلسطيني الذي طالت أعوامه؟، أوليست الأولوية من المفترض ان تكون التركيز على إنجاح هذه المفاوضات وتتويجها بمصالحة فلسطينية شاملة!، هل نعتبر ذلك بمثابة اعطاء ثقة مصرية لحركة حماس لِتُبنى من خلالها تفاهمات جديدة ثنائية وضوء أخضر لتصدير حماس المشهد السياسي القادم كقفزة سياسية الأولى من نوعها في تاريخ حركة حماس، أم أنها كانت لِتُجنِّب حماس تصعيد عسكري مع إسرائيل؟

إن كنا نبحث عن الحقيقة المطلقة لهذه الهدنة الذي يتم الحديث عنها الأن، فنعم هي الأسلم بين أخواتها لتجنب حرب شبه مؤكدة مع إسرائيل على خلفية التوتر القائم حتى اللحظة سواء على الحدود من خلال مسيرات العودة وإطلاق البلالين الحارقة تجاه المستوطنات أو بعد سياسة المقاومة الجديدة "القصف بالقصف والدم بالدم"، ولكن وهنا ينبغي التركيز جيداً ومعرفة أن هذه الهدنة كما أنها حقن للدماء وللخراب فإنها إراقة وتمهيد لفشل ذريع قد يُفشِل جهود المصالحة الفلسطينية طيلة تلك السنوات الخمس للهدنة مع إسرائيل، فبدلاً من التعثر في بعض النقاط الحالية ستزيد الأن فرص الفشل أضعاف مضاعفة عما كانت بالسابق والذي سيعكس صورة مزرية للواقع السياسي الفلسطيني بمزيد من التعقيد والتسويف.

بين نجاح الهدنة وفشلها رؤية إسرائيلية وتشعب سياسي

إسرائيل اليوم وبعيداً عما تصدره لنا بالإعلام عن جهوزيتها لحرب مع المقاومة بغزة، هي بأمس الحاجة للهدوء أكثر من أي وقتٍ مضى، فهي لا ترغب في التعامل مع السيناريوهات التي تتفاخر بها ولا بفتح عدة جبهات عليها خصوصاً في ظل التوتر الكبير على الجبهة الشمالية التي تحاول فيها بكل جهودها تقييدها ومنع تطورها سواء بسياسة تقليم الأظافر التي تتبعها تجاه النظام السوري ومقاتلي حزب الله في الجولان من خلال تتبع حركات المقاومين وضرب البنية التحتية لهم أو من خلال تهديدها المستمر لإيران التي تدعم نفوذهم هناك، فهي ترى بأن التهديد الإيراني عليها ناقوس خطر أكثر من حركة حماس التي أصبح بالإمكان مقايضتها وتغيير قواعد اللعبة معها.

فإسرائيل تتبع الأن مع حركة حماس سياسة العصا والجزرة، الجزرة هي التسهيلات التي ستقدمها بعد اقرارها على الهدنة والعصا اذا فشلت الهدنة وهو ما يعني عودتها للتوتر والتصعيد الذي ستدخله اضطرارا وليس رؤية حقيقية منها بضرورة دخولها، فجولة غزة لا أهداف حقيقية بالمعنى ستحققها إسرائيل في حال خوضها، فهي تعلم بأنها حتى وان دخلتها لن توقف حركة حماس البلالين ولا المسيرات !، ولهذا نقول بأن جولة إسرائيل خاسرة عسكرياً لأنها لن تحقق شيء ملموس يمكن أن يحرز تقدماً لها، اما سياسياً فيمكن أن تكون التسهيلات والهدوء أنجى لها وأنجح.

ثغرات المرحلة القادمة كابوس إنساني لغزة والكرة في ملعب حماس

بعد اختلاف وجهات النظر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء الكينيست على قبول إسرائيل لهذه الهدنة أو لا، قَبِل نتنياهو تقديم مساعدات وتسهيلات أولية لقطاع غزة مقابل عودة الهدوء مع القطاع وسط تحذيرات كبيرة من عدة اطراف من قيادات الجيش بعدم قبولها قبل معرفة مصير الأسرى المحتجزين لدى حماس ومساومتهم عليها بهذه التسهيلات، والذي بدوره يترك عدة تساؤلات وعوامل قد تتوج بفشل جديد، فهل تنجح قيادة الجيش بإجبار نتنياهو على التراجع أم لا؟ وهل ستضمن حركة حماس لإسرائيل الهدوء الكامل طيلة مدة الهدنة؟

إنه لمن الجهل ربط الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل وتشبيهها بالتنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة في رام الله على أنهم وجهان لعملة واحدة
إنه لمن الجهل ربط الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل وتشبيهها بالتنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة في رام الله على أنهم وجهان لعملة واحدة
 

برأيي لا حماس ولا إسرائيل قادرين على الالتزام بهذه الهدنة بما يضمن إنجاحها، والذي بدوره سيترك حماس دون خيارات فإما الهدنة وإما الحرب مع إسرائيل فسياستها تختلف عن إسرائيل فهي تبحث عن فك للحصار حتى ولو كلفها جولة جديدة، وان الشاكلة الحالية التي يحاول فيها الطرفان التوصل لاتفاق ما هي إلا مجرد خيط في ندوب كثيرة لا تستطيع إسرائيل وحدها قطبها، بالإضافة أنه ومن ضمن المراحل الأربع لهذه الهدنة وفي المرحلة الثانية خصوصاً حسب بعض التسريبات "توقيع حركة فتح وحماس على ورقة المصالحة الفلسطينية".

فكيف سيوقع الطرفان والمصالحة قد تعثرت وحركة فتح رفضت هذه الهدنة في حين صرّحت حماس بلسان أسامة حمدان " نحنُ ذاهبون دون سلطة رام الله لتحسين الأوضاع في غزة "؟، فترى هل سيجرى تعديل لنصوص هذه الهدنة بما يُزيح حركة فتح من المشهد !، هذا بكل تأكيد ما ستجيبنا عليه الأيام القادمة.

التنسيق الأمني والهدنة مع إسرائيل المغالطات التي أسست لفراغ ثقافي

إنه لمن الجهل ربط الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل وتشبيهها بالتنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة في رام الله على أنهم وجهان لعملة واحدة، فالتنسيق الأمني يختلف اختلافا جذرياً فكراً وسياسة وجوهر بينه وبين ما توصلت اليه حركة حماس لإغاثة غزة بعد سد كل الأبواب في وجهها، فشتان ما بين مُضطر وما بين مُقدِّس للتنسيق الأمني الذي تعتبره السلطة السلاح الثاني في منظمة التحرير!، وفي ذات الوقت على حركة حماس أن تعلم هي الأخرى أنه لا مناص من التسوية السياسية الفلسطينية عاجلاً أم أجلاً وعليها أن تدرس الواقع من حولها جيداً وأن تُبقي الباب مُوارِباً دوماً، فما أسرعه من احتلال يتراجع في برهة وما أغلظ التهور بعد عدة فرص!

وبناءاً على كل ما سبق وبعد تغير السياسة المصرية تجاه حركة حماس على غرار السابق من تدشين لحروب إعلامية طاحنة لإظهار صورة حماس كحركة إرهابية ومع تغير موقف السلطة لتطالب حركة حماس بعدم الانسياق للتسهيلات التي هي ترويج لصفقة القرن وتعزيز انفصال غزة عن الضفة ومطالبة حماس الاستمرار بالمقاومة! ومع تصدر حركة حماس المشهد السياسي الحالي والقادم لأول مرة، يمكن القول بأن كل هذه التغيرات تعكس حالة الانفصام والتناقضات السياسية التي نحياها ويذكرني بمقولة ونستون تشرشل الشهيرة: "في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة!"، فالكلُ يبحث عن نفسه ولا أحد يبحث عن الوطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.