شعار قسم مدونات

الانفتاح السعودي.. هل تفقد السعودية مكانتها الدينية؟

blogs السعودية

كانت المملكة العربية السعودية تعتبر مثالاً للحكمة والاتزان، وكان لها في السابق دور كبير في حل الكثير من المشكلات ونزع فتيل كثير من الصراعات وساهمت إلى حد كبير في التضامن مع العالم الإسلامي. وكان لهذه المملكة مكانة خاصة في هذا العالم نظراً لمكانتها الدينية من حيث احتضانها للحرمين الشريفين، ولكونها مصدراً مهماً من مصادر الطاقة إذ تحتوي أراضيها على مخزون نفطي هائل يعتبر من أكبر الاحتياطات في هذا العالم.

ولكن ومنذ مدة قصيرة بدأت سياستها الخارجية والداخلية بالاستدارة بطريقة غريبة وعجيبة حيث بدأت تتنكب للأسس التي قامت عليها، وتسعى للخروج على النهج العام الذي سارت عليه في عهودها الماضية، ودخلت في مراهنات سياسية دون حساب أو تقدير لعواقب الأمور ومآلاتها، فكانت نتيجة هذه الرهانات خسارات متتالية لها ولحلفائها في العالم، حيث خسرت كثيراً من رهاناتها في العراق وسوريا ولبنان وغيرها لحساب خصمها اللدود إيران.

كما بدأت تتخلى عن حلفائها التقليديين والضغط عليهم ليكونوا تبعاً لها في مواقفها وسياساتها، فبدأت بالضغط على الأردن للقبول بما لا يمكن القبول به خاصة فيما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وصفقة القرن. ودخلت في حرب مدمرة على اليمن بحجة إعادة الشرعية، فضاع معها اليمن وأصبح دول فاشلة ترزح تحت الفقر والجوع والأمية وغزتها الكثير من الأمراض كالكوليرا التي بدأت تتفشى فيه.

كلنا ألم لما آلت إليها السعودية ونحزن كثيراً للخسائر الكبيرة التي تحل بها، ونأسف لتردي صورتها في أذهان في هذا العالم، ونرجو من الحكماء فيها، ونلتمس من قادة الرأي فيها إعادة تقييم الأمور ومراجعة الحسابات

ولم يقف الأمر عند هذا الأمر بل شرعت في تفكيك مجلس التعاون الخليجي الذي يعتبر الصورة الوحيدة للتضامن والتكامل العربي، فبدأت بحصار قطر الذي دخل عامه الثاني، وسعت لجر مجلس التعاون الخليجي ليكون تبعاً لها في ذلك الحصار الظالم، وإذا كانت الأخبار صحيحة في أن السعودية كانت تسعى لغزو قطر وتغيير نظام الحكم فيها، فهذا يدل على أن المملكة قد فقدت رشدها، وهذا هو التوصيف الحقيقي للحالة التي تمر بها السعودية، ومما يدل على ذلك موقفها الأخير من تغريدة لوازرة الخارجية الكندية تتضامن مع معتقلي الرأي في السعودية خاصة النساء منهم، حيث اعتبرت أن هذا الأمر تدخلاً في الشؤون الداخلية للسعودية، مع العلم بأن حقوق الإنسان ما عادت شأناً داخلياً في هذا العالم، بل قضية دولية، وأصبح الدول تقاس وتحترم بمقدار مراعاتها لحقوق الإنسان واحترامها لها.

وإذا كنا نتحدث عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول فالسعودية من أكثر الدول انتهاكاً لهذا الأمر، حتى وصل بها الأمر إلى اعتقال رئيس وزراء لبنان واحتجازه مدة من الزمن، ولولا تدخل فرنسا فلربما بقي رهن الاعتقال ولدخل معها لبنان فيما لا تحمد عقباه. إذا أردنا أن نعقد مقارنة بين السعودية وبين الدول التي تحشر السعودية أنفها فيها وتعطي نفسها حق الوصاية عليها، فسوف نجد أن جميع تلك الدول تتفوق على السعودية في جانب من الجوانب، وإذا قارنا على سبيل المثال بين قطر وبين السعودية فلا نجد للسعودية تفوقاً سوى في المساحة الجغرافية لا غير، فكيف إذا قارناها بكندا.

وإذا كان ما يهم المواطن في هذا العالم هو وضعه الاقتصادي ومقدار الرفاهية التي ينعم بها ومدى احترام حقوقه وحرياته، فإن السعودية تأتي في أدنى سلم الدول في هذا الترتيب، فمن حيث حقوق المواطن فهذا لا يحتاج إلى برهنة أو استدلال، أما بالنسبة للرفاهية الاقتصادية، فالوضع ليس أحسن حالاً خاصة وأن السعودية تعتبر من أكثر دول العالم انتاجاً للنفط فهي تعوم على بحر منه، كما أن دخلها من الحج والعمرة لا يمكن إغفاله، لذا كان من المفروض أن يكون المواطن السعودي من أعلى شعوب العالم دخلاً وأكثرها رفاهية، والواقع يدل على خلاف ذلك. كلنا ألم لما آلت إليها السعودية ونحزن كثيراً للخسائر الكبيرة التي تحل بها، ونأسف لتردي صورتها في أذهان في هذا العالم، ونرجو من الحكماء فيها، ونلتمس من قادة الرأي فيها إعادة تقييم الأمور ومراجعة الحسابات حفاظاً على مكانة المملكة وتماسكها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.